قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إن الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت في ٢٤ فبراير ٢٠٢٢، كشفت عن ضعف كبير في الدفاعات الجوية الأوكرانية، حيث كانت تغطية الرادار متقطعة قبل الهجمات، مما صعَّب من رصد الطائرات بدون طيار والصواريخ المجنحة على ارتفاع منخفض.
لكن الحرب قد تكون محفزًا للابتكار، فبعد أربعة أيام من بدء الحرب، أسس مجموعة من الخبراء الأوكرانيين مجموعة "Technic" لتطوير نظام بديل يُعرف بـ "E PPO" للكشف عن الهجمات الجوية وتتبعها.
ويصف جينادي سولدين، أحد المؤسسين، هذا النظام بأنه "رادار بشري"، ويتألف من تطبيق هاتف ذكي ونموذج ذكاء اصطناعي، مما يتيح للمواطنين الأوكرانيين الإبلاغ عن الأجسام الطائرة التي يرونها أو يسمعونها بضغطة زر.
وأثبتت هذه التقنية فعاليتها بشكل مذهل وتأمل شركة Technari في تحقيق نجاحات أكبر من خلال تحليل الأصوات التي تلتقطها الشبكات الميكروفونية المنتشرة في أوكرانيا، والتي قد تشير إلى تهديدات جوية محتملة.
وأثبتت الابتكارات مثل تلك التي طورتها Technari، نجاحها إلى درجة قد تجعل دولًا أخرى تحذو حذوها قريبًا.
وتاريخيًا، كان استخدام الميكروفونات لتحديد مواقع مطلقي النار شائعًا في الحروب، حيث حققت تقدمًا ملحوظًا في العقدين الماضيين.
ويعتقد جيمس هيكر، قائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا، أن تجربة أوكرانيا قد تغير الأمور.
ويصف "هيكر" الابتكار الأوكراني في مجال الاستشعار الصوتي بأنه "استثنائي". مقارنة بالرادار، فإن شبكات الميكروفونات في أوكرانيا أرخص ولا تصدر إشارات قد تكتشفها القوات الروسية.
بينما يمكن أن تقلل الهندسة الذكية من بصمة الرادار للطائرات، فإن نقل الأجهزة عبر الهواء يولد الصوت. وتعمل التقنية الصوتية بشكل أفضل على ارتفاعات منخفضة حيث تحلق معظم الطائرات بدون طيار القتالية.
تستهدف تصميمات الميكروفونات في أوكرانيا، مثل تلك التي طورتها شركة "Zvook"، الكشف عن التهديدات على مسافات قريبة. على سبيل المثال، يمكن اكتشاف الطائرات بدون طيار على مسافة تصل إلى خمسة كيلومترات، والصواريخ المجنحة على مسافة تصل إلى سبعة كيلومترات.
تعتمد هذه الشبكات على "مرايا صوتية" تركّز الموجات الصوتية على الميكروفونات، وتغطي قوسًا يبلغ نحو ٢٠٠ درجة. وتبلغ تكلفة محطات الاستماع التي تنتجها شركة Zvook نحو ٥٠٠ دولار أمريكي، في حين قد يكلف رادار مماثل نحو ٥٠٠ ألف دولار.
وتقوم شركة الاتصالات الأوكرانية "Kyivstar" بتثبيت مجموعة من محطات Zvook على أبراجها الخلوية، وتتولى الصيانة ونقل البيانات مجانًا.
في المناطق القريبة من الجبهة، حيث لا توجد أبراج خلوية، يتم إخفاء النظام في العشب، وتوفير الطاقة بفضل بطارية أو لوحة شمسية. البيانات تُنقل عبر الأقمار الصناعية ذات النطاق العريض.
تستغرق عمليات الكشف بواسطة محطات Zvook عادة أقل من ١٢ ثانية، ويُقاس معدل الإيجابيات الكاذبة بحوالي ١.٦٪. يتلقى مستخدمو برنامج "دلتا" مقطعًا مدته تسع ثوانٍ للصوت المعني.
وأثبتت المشاركة في إحباط الغارات الجوية نجاحها، خاصة في مدينة خاركيف، مما أكسب الرقيب ماريان سوليم الإذن لتوسيع الشبكة.
تعمل شركة Zvook على تحسين التقنية بتصميم مجموعة من أربعة ميكروفونات لتحديد اتجاه مصدر الصوت بدقة أكبر. ومن المتوقع أن تبدأ التجارب الأولية لهذا النظام الشهر المقبل.
كما طورت منظمة أوكرانية سرية تُدعى "Sky Fortress" شبكة أكبر بكثير، تتألف من عدة آلاف من محطات الاستماع، مع خطط لإضافة آلاف أخرى. تستخدم الشبكة ميكروفونات وأجهزة كمبيوتر صغيرة مخصصة، ويتم تغذية البيانات إلى نظام القيادة والتحكم الأوكراني "Virazh".
يظل نظام "Sky Fortress" محاطًا بالسرية، ويعرف تفاصيله قلة من الخبراء مثل ريكي إليسون، مؤسس تحالف الدفاع الصاروخي (MDAA). ووفقًا لإليسون، فقد أصبح النظام قادرًا على اكتشاف معظم الذخائر الروسية التي تحلق على ارتفاع منخفض فوق أوكرانيا، حتى مع محاولات روسيا تعديل التوقيعات الصوتية لطائراتها بدون طيار.
ويشير توماس ويذينجتون من المعهد الملكي للخدمات المتحدة إلى أن التكنولوجيا المتقدمة تكشف عن توقيعات صوتية مميزة حتى تحت الأحمال الثقيلة.
وتكشف التطورات في معالجة البيانات عن إشارات صوتية غنية بشكل مدهش، حيث تُظهِر المخططات الطيفية التي شاركها عقيد أوكراني، طلب عدم الكشف عن هويته، أن حتى الطائرات بدون طيار المماثلة لها توقيعات صوتية فريدة.
يضيف توماس ويذينجتون، المتخصص في الدفاع الجوي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، أن التقنيات الحديثة تمكننا أيضًا من رصد إجهاد المحرك الناتج عن الأحمال الثقيلة، مما يساهم في تعزيز فعالية الدفاعات الجوية.
تسعى روسيا بدورها لمواكبة التطورات، فقد أعلنت شركة "تالامخو ديزاين" عن نظام ميكروفون جديد يدعى "مالك"، قادر على اكتشاف الطائرات الأوكرانية بدون طيار من مسافة ٣٣٠ مترًا.
وتدرك دول أخرى أهمية هذه التقنية، فقد تم عرض مجموعة معدات "Sky Fortress" بشكل سري على ميدان اختبار في أوروبا. شهد ممثلون من ١١ دولة عضو في الناتو.
بدأت بعض وزارات الدفاع في شرق حلف الناتو في شراء معدات صوتية للدفاع الجوي، حيث عادت شركة "Advanced Protection Systems" البولندية إلى السوق بعد فترة توقف.
كما تستعد شركة "تاليس" الأوروبية لطرح أول نظام ميكروفون للكشف عن الطائرات بدون طيار العام المقبل. ويبدو أن بعض خبراء التكنولوجيا الأوكرانيين يقومون بتجهيز طائرات بدون طيار مزودة بميكروفونات لمساعدتها في التركيز على الطائرات الروسية. تتواصل الأفكار والابتكارات لمواجهة التحديات الجوية المتزايدة.
وتعتبر الابتكارات التقنية الأوكرانية في مجال الكشف الصوتي خطوة هامة في تحسين الدفاعات الجوية. وأثبتت أوكرانيا قدرتها على تطوير حلول فعالة وغير مكلفة للكشف عن التهديدات الجوية، مما يفتح المجال لتوسع استخدام هذه التكنولوجيا في المستقبل القريب.
