فى الوقت الحاضر، يشهد العالم مسارًا معقدًا من التحالفات والتباينات فى مواجهة التهديدات الإرهابية فى جنوب آسيا، وخاصة فى وسط آسيا وخاصة أفغانستان وشبه القارة الهندية.
هناك جدل كبير حول مدى فعالية وأهمية التعاون بين الولايات المتحدة وحركة طالبان فى هذا السياق، وهل يمكن أن يساهم هذا التعاون فى تعزيز الأمن العالمى أم أنه مجرد تحالف غير مستقر.
منذ سيطرة طالبان على أفغانستان، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تحديات جديدة فى التعامل مع الجماعات الإرهابية، خاصة داعش فى خراسان. على الرغم من أن طالبان تعتبر طوال فترة حكمها السابق داعمة للجماعات الإرهابية، إلا أنها أعلنت عن تعازمها على محاربة داعش والتعاون مع الدول الدولية فى هذا السياق.
فى بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية أكد ماثيو ميلر، المتحدث باسم الوزارة، ضرورة عدم تنفيذ هجمات إرهابية من قبل حركة طالبان فى أفغانستان. وأكد ميلر أن منع الجماعات الإرهابية من استخدام الأراضى الأفغانية لتنفيذ أعمال إرهابية كان وسيظل أولوية قصوى للولايات المتحدة فى التعامل مع طالبان.
ميلر أشار إلى أن الشعب الباكستانى عانى كثيرًا من التطرف والإرهاب، مما يجعل لدينا مصالح مشتركة مع شعب وحكومة باكستان فى مكافحة التهديدات الأمنية الإقليمية. وأضاف: "نواصل دعوتنا لحركة طالبان بضرورة ضمان عدم تنفيذ هجمات إرهابية من الأراضى الأفغانية".
وختم ميلر بالقول إن هذه القضية تظل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة فى التعامل مع طالبان، مؤكدًا التزام الوزارة الأمريكية بمواصلة الضغط على طالبان لتحمل مسئولياتها الدولية وتأمين السلام والأمن فى المنطقة.
تأتى هذه التصريحات فى ظل استمرار الجهود الدبلوماسية والأمنية للتعامل مع التحديات المتعلقة بالأمن الإقليمى ومكافحة الإرهاب فى جنوب آسيا.
خريطة الجماعات الإرهابية فى أفغانستان
بعد سقوط حكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية "نظام ٢٠٠١" فى أغسطس ٢٠٢١، أصبحت أفغانستان مأوىً رئيسيًا للجماعات الإرهابية المحلية والدولية، ومنطقة أزمة أمنية.
ومع تولي حركة طالبان السلطة، تعمل كمنظمة توفر التدريب والإمدادات اللوجستية والوثائق الرسمية والدعم المالي للجماعات المتطرفة فى أفغانستان، مما يجعلها محورًا رئيسيًا لأنشطة الجماعات الإرهابية فى المنطقة.
ويعد تنظيم القاعدة، حليف أيديولوجي رئيسى لحركة طالبان وشريك أساسي فى عودة الحركة إلى السلطة مرة أخرى، يستفيد بشكل كبير من البنية التحتية التى تم إنشاؤها فى أفغانستان.
وتشير تقارير ومراكز أبحاث دولية إلى أن تنظيم القاعدة يحقق أرباحًا كبيرة من قطاع التعدين، ويدير عدة مدارس دينية تعرف باسم "المدارس الدينية"، تُعتبر مراكز لتعليم وتجنيد الأعضاء. كما تم توزيع وثائق الجنسية وجوازات السفر الأفغانية على الأعضاء الأجانب، وتأسيس مستوطنات سكنية لهم.
قال زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، أحمد شاه مسعود، إن أكثر من ٢١ جماعة إرهابية دولية وإقليمية تنشط حاليا على الأراضى الأفغانية فى ظل حكم طالبان.
وقال مسعود فى مقابلة مع صحفى أمريكي، إن طالبان والقاعدة وداعش "وجهان لعملة واحدة"، مشيرا إلى أن من بين الجماعات الأخرى، ذكر تنظيم القاعدة، وجيش العدل، وحركة طالبان باكستان، وأنصار الله، وحركة أوزبكستان الإسلامية، والأويجور، وفق تعبيره.
وردا على سؤال حول سبب كون أفغانستان ساحة التدريب الرئيسية للإرهابيين، قال أحمد مسعود: "لأن هذا البلد ليس لديه حكومة شرعية والنظام الموجود الآن فى كابول لديه نفس أيديولوجية الجماعات الإرهابية.
واعتبر مسعود أن الفرق بين داعش والقاعدة وطالبان يتمثل فى أن داعش ليس لديه خبرة القاعدة وطالبان، لذلك لا يمكنه إخفاء نواياه مثل القاعدة وطالبان".
وأضاف أن القاعدة وطالبان لايظهرون نواياهم فى أفغانستان لأنهم إذا فعلوا ذلك ستكون هناك مقاومة داخلية وخارجية ضدهم، ولذلك يقولون إنه لا علاقة لهم بالدول الأخرى.
ووفق زعيم جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية فإن أهداف طالبان فى أفغانستان هى السيطرة الكاملة على هذا البلد، وفرضها على الشعب الأفغانى بطريقة تجعلهم أنهم ليس لديهم خيار سوى قبولها، مما يخلق دكتاتورية متطرفة فى أفغانستان، هذا البلد وإنشاء مجموعات فرعية إرهابية وإصدارها تحت أعلام ومسميات مختلفة.
وقال إن هناك علامات واضحة على التعاون بين تنظيم القاعدة وحركة طالبان الباكستانية وأنصار الله فى طاجيكستان وجماعات إرهابية أخرى مثل القاعدة، مشيرا إلى أن أفغانستان أصبحت منطقة للتجنيد والتدريب.
وبحسب "مسعود" فإن إعادة سيطرة طالبان على أفغانستان وتفاعل الدول مع هذه الجماعة بما فيها الولايات المتحدة، يحفز الجماعات الإرهابية الأخرى على محاولة تحقيق أهدافها من خلال القتل والاغتيال والعمليات الانتحارية.
وأشار زعيم "جبهة المقاومة الوطنية الأفغانية" إلى المساعدات المالية الأمريكية لأفغانستان بعد استعادة طالبان السيطرة، وقال إن هذه المساعدات والأموال التى تحصل عليها طالبان من التمويل وأشياء أخرى تستخدم فى إنشاء المدارس الدينية وتعزيزها.
وقال مسعود إن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن هذه المساعدات تقدم عن طريق المؤسسات وليس عبر طالبان، لكن منذ استعادة طالبان السيطرة تم إنشاء ٩٠٠ مؤسسة تحت سيطرة هذه الحركة التى تستفيد من المساعدات.
تنظيم القاعدة الإرهابى يعمل حاليًا على تعزيز هياكله الداخلية، وقد تم تعيين بعض الشخصيات الأفغانية البارزة فى مناصب حكومية. كمجموعات إرهابية أخرى، مثل حركة طالبان الباكستانية، وعسكر طيبة، وجيش محمد، وسيباه الصحابة، والحركة الإسلامية لتركستان الشرقية-الأويغور، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وأنصار الله فى طاجيكستان، فهى تعمل كأذرع أيديولوجية لحركة طالبان فى أفغانستان، وتتمتع بتأثير كبير داخل صفوف طالبان الفكرية والعسكرية. فصل هذه الجماعات عن طالبان أو العكس من ذلك يعد تحديًا كبيرًا، يماثل فصل الماء عن اللبن فى تعقيده.
تعاون استخباراتى أمريكى مع طالبان
فى الآونة الأخيرة، تم تداول أنباء عن التعاون المحتمل بين المخابرات الأمريكية وحركة طالبان، ورغم أن هذا التعاون كان واضحًا بطريقة ما منذ أيام الخريف، إلا أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة أو الرغبة فى تحويل أفغانستان إلى ساحة للصراعات مع القوى الإقليمية القوية مثل روسيا والصين.
بالمقابل، تدعى حركة طالبان أن تنظيم داعش خراسان ليس له وجود فى أفغانستان وأنه لا يشكل أى تهديد للمنطقة أو العالم. ومع ذلك، تظهر الأحداث يومًا بعد يوم، مع هجمات مستمرة على إيران الداخلية، وهجمات صاروخية على أوزبكستان وطاجيكستان، أن حركة طالبان الباكستانية تكتسب قوة وتنفذ هجماتها فى باكستان، بالإضافة إلى الهجمات التى وقعت فى موسكو وتوجيه المئات من أفراد داعش خراسان تحت غطاء طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة.
الآن، بعد إعلان الولايات المتحدة عن هذا التعاون المحتمل، يُتصور سيناريوهات خطيرة لتهديدات أمنية بسبب داعش فى خراسان فى أفغانستان والعالم. يتطلب ذلك من الولايات المتحدة إدارة الشأن العام بذكاء لإقناع الرأى العام الأمريكى المرتبط والمتشائم بشأن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بخطورة الوضع، حيث من الممكن أن يحدث حادث أكبر من هجمات ١١ سبتمبر على التراب الأمريكي إذا لم تُتخذ الخطوات اللازمة.
النقطة الأساسية هى التواجد الميداني، الذى يجب أن لا يُخصص للعمل فقط من قبل القوى العظمى مثل الصين وروسيا.