الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

قضية تخابر الجماعة الإرهابية تكشف مخطط السطو على ذاكرة مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءت التفاصيل الجديدة المتعلقة بتورط قيادات وعناصر في جماعة الاخوان الارهابية لتهريب وثائق تنطوي على حساسية للأمن القومي المصري إلى "دويلة باتت علامة للخيانة والعمالة لأعداء الأمة العربية" لتدق المزيد من أجراس الخطر، محذرة من استفحال مخطط السطو على ذاكرة مصر.
وإلى جانب الوثائق التي تمس الأمن القومي المصري، فإن هذا المخطط يشمل حرق أو سرقة المخطوطات النادرة والوثائق التاريخية ناهيك عن الآثار بينما تتوالى المؤشرات التي تثير التوجس بقدر ماتدعو لضرورة التحرك لحماية الذاكرة المصرية وفي الوقت ذاته تيسير سبل اطلاع الباحثين على الوثائق.
وكان وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم قد تحدث في مؤتمر صحفي عقده مؤخرا عن جانب من تفاصيل جديدة تتعلق بقضية التخابر المتورط فيها الرئيس المعزول محمد مرسي وبعض أعوانه حيث تم الاستيلاء على العديد من الوثائق والتقارير والمستندات الهامة والمرتبطة بالأمن القومي.
وأوضح ابراهيم أن هذه الوثائق الحساسة هربت من داخل الخزانات الحديدية المخصصة لحفظها بقصور الرئاسة إلى أحد أوكار تنظيم الاخوان الارهابي تمهيدا لإرسالها لأحد أجهزة المخابرات السابق رصد تعاملها مع هؤلاء المتهمين في ذلك الوقت والتابعة للدول التي تدعم مخططات التنظيم الدولي للإخوان.
وأضاف أن هذه الجريمة جاءت في اطار استكمال مخطط لافشاء اسرار البلاد العسكرية ذات الصلة بالأمن القومي المصري وزعزعة الأمن والاستقرار واسقاط الدولة المصرية فيما كشف وزير الداخلية العديد من التفاصيل الدالة على خطورة هذا المخطط.
وفي سياق تناولها للقرار الخاص بهدم مقر الحزب الوطني البائد، أشارت الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسي إلى أن العديد من الوثائق الهامة لثورة 23 يوليو 1952 كانت "محفوظة داخل خزائن في دور مستتر" بهذا المبنى الذي احترق أثناء ثورة يناير 2011، معتبرة أن هذا الحريق "كان بداية لمخطط محو ذاكرة مصر".
وترى سناء البيسي أن هذا المخطط يشمل ذاكرة مصر التاريخية والحديثة معا مستعرضة أحداث حرق المجمع العلمي والمتحف الاسلامي وسرقة 1050 قطعة من أصل 1089 قطعة اثرية بمتحف ملوي فضلا عن حرق مركز البحوث والوثائق بالطابق الأخير في مبنى كلية الهندسة بجامعة القاهرة.
وتطرقت الكاتبة في جريدة الأهرام إلى جريمة سرقة وثائق بالغة الأهمية من القصور الرئاسية أثناء حكم الجماعة التي ثار ضدها الشعب واسقطها و"مقايضة أسرار الوطن بالدولار مع الخونة على قارعة الطريق" لتخلص إلى أن هناك محاولات "مع سبق الاصرار والترصد لضرب الذاكرة التاريخية والأمن الوطني المصري في مقتل".
في سياق متصل، أعاد الشاعر والكاتب فاروق جويدة للأذهان مسألة غياب وثائق ثورة 23 يوليو 1952. وقال إن "تاريخ ثورة يوليو تحول إلى دهاليز سرية لايستطيع أحد أن يعبر فيها دون أن يصيبه شيء من غبارها ورغم اللجان التي تشكلت لجمع تراث هذه الثورة إلا أن معظم الوثائق اختفت ولم نستطع حتى الآن أن نقول إننا كشفنا أسرار ثورة يوليو".
وذهب الباحث خالد عزب إلى أن "حالة من عدم الوعي سادت الدولة المصرية في اعقاب ثورة 23 يوليو بأهمية ارشيف الدولة كمرجع لكل شئونها"، فيما انتقد " الازدواج في اداة الدولة لحفظ ارشيفها بين دار المحفوظات التي تتبع وزارة المالية ودار الوثائق التي تتبع وزارة الثقافة".
وإذا كان لشخص ما أن يتساءل عن أهمية هذه الأوراق في الأرشيف، فإن الباحث خالد عزب يرد قائلا "إنها الذاكرة الوطنية التي تحمل أدق تفاصيل العمل في دولاب الدولة المصرية ويمكن من خلال تربيط العديد من الوثائق مع بعضها استنباط معلومات عن الدولة والمجتمع".
ولذا كما يقول خالد عزب- "جاءت قرارات بعض الدول بحجب وثائقها لفترة زمنية محددة بهدف حماية الأمن القومي لهذه الدول" فضلا عن أن هذه الوثائق عادة ماتكون كاشفة لتاريخ المجتمع والدولة ومن ثم فإن فقدانها يكون كارثة على الباحثين في التاريخ ودارسيه.
وفي بلد مثل الولايات المتحدة قد تتحول هذه الوثائق بعد رفع السرية عنها إلى كتب تثري الحياة الثقافية وتكشف مناطق معتمة للباحثين مثل كتاب "محاضر كيسنجر" الذي سلط أضواء كاشفة على الشرق الأوسط في مفاوضات مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر مع القادة السوفييت والصينيين في سنوات السبعينيات من القرن العشرين.
واللافت والدال أن محرر هذا الكتاب وليام بير كان يشغل منصب "كبير محللي أرشيف الأمن القومي الأمريكي" وهذا الأرشيف جزء مما يسمى "بالأرشيف القومي الفيدرالي للولايات المتحدة" والذي يضم باحثين بمقدورهم إعداد مثل هذا الكتاب الهام من وثائق حكومية مفرج عنها أو منزوع عنها خاتم السرية.
وعلى امتداد فصوله نجح الكتاب في أن يقدم سجلا حافلا بالمعلومات التاريخية الهامة ومن هنا وصف بأنه واحد من أهم سجلات الحرب الباردة على حد تعبير الصحفي الأمريكي باتريك تايلر والذي عمل لعدة سنوات مديرا لمكتب صحيفة نيويورك تايمز في العاصمة الصينية بكين.
وهذا الكتاب الذي حرره باحث متخصص في الأرشيف وهو كبير محللي ارشيف الأمن القومي الأمريكي فتح الباب أمام تقييمات جديدة وفعالة لسنوات حافلة اضطرمت فيها الأحداث وشهدت اتخاذ عدد من القرارات المصيرية.
وفي مصر ورغم انتقاداته ومآخذه فإن الباحث خالد عزب رأى أن السنوات الأخيرة شهدت خطوات لا بأس بها سواء في دار الوثائق بمحاولة حصر ارشيفها أو في دار المحفوظات عبر مشروع نهضت به مكتبة الأسكندرية لرقمنة ملايين الوثائق وهو مايساعد في جعل الأرشيف الوطني المصري متاحا لكل المصريين.
وكان الرئيس عدلي منصور قد نوه امس الأول "السبت" في سياق الاجتماع السنوي لمجلس أمناء مكتبة الأسكندرية بأهمية دور هذه المكتبة ليس فقط كمركز اشعاع ثقافي في مصر يحمي القيم المصرية الوطنية وإنما أيضا كمشعل من مشاعل التنوير في المنطقة فضلا عن دور المكتبة في الحفاظ على التراث الاسلامي.
لكن الباحث خالد عزب يعود ليؤكد على ضرورة " محاربة ظاهرة الانفلات في ارشيف الدولة المصرية بدءا من ارشيف المحليات الى ارشيف رئاسة الدولة" وبناء ارشيف رقمي للدولة.
وطالب الدكتور احمد هويدي استاذ اللغات الشرقية بجامعة القاهرة الدولة بمبادرة رسمية لجمع كل الوثائق المصرية في الخارج أو الحصول على نسخ منها، مشيرا إلى أهمية التعامل مع الوثائق في ظل القوانين الدولية "أي تطبيق مايسمى بالفترة العمرية للوثيقة حسب التصنيف الدولي وعدم حبسها لسنوات طويلة".
أما الدكتور محمد عفيفي استاذ التاريخ بكلية الآداب في جامعة القاهرة فيطالب بوضع المعيار الخاص لحرية تداول المعلومات لأن ذلك على حد قوله في تصريحات صحفية هو أساس مشكلة التعامل مع الوثائق.
كما دعا لتقليل مدة حجب بعض الوثائق بحيث تكون 30 عاما بدلا من 50 عاما مثل باقي الدول التي تحترم مبدأ حرية تداول المعلومات ويتم الكشف عن كل هذه الوثائق مالم تتعارض مع السياسة العليا التي تحددها لجنة مختصة.
ومنذ منتصف ستينيات القرن العشرين كان أحد ألمع اساتذة التاريخ الذين انجبتهم مصر وهو الدكتور محمد انيس استاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة قد لاحظ أن أغلب المخطوطات المصرية المتعلقة بالعصر العثماني خرجت من مصر على يد الفرنسيين إبان الاحتلال الفرنسي وطوال القرن التاسع عشر.
واعتبر الراحل الدكتور محمد انيس عملية نقل المخطوطات المصرية الخاصة بالعصر العثماني ابتداء من الحملة الفرنسية إلى أوروبا "جزءا من عملية النهب الاستعماري التي حدثت لثرواتنا القومية المادية والفكرية".
وعن قضية ضياع الوثائق تقول الدكتورة سلوى ميلاد استاذ الوثائق بكلية الآداب في جامعة القاهرة التي ارتبطت بعالم الوثائق منذ عام 1963 إنها أطلعت على بعض الوثائق والسجلات وبعد مدة لم تجدها، معتبرة أن مشروع الرقمنة الذي قامت به دار الوثائق منذ سنوات هو "مشروع فاشل".
وأوضحت أن هذا المشروع كان به الكثير من إهدار المال العام لأنه لم يحقق المرجو منه من إعداد أدوات بحث حديثة معتمدة على التقنيات الدولية فيما يرى باحثون ضرورة أن تكون الوثائق ملكا للدولة لا في حوزة أفراد أو مؤسسات بمعنى أن توضع في الأرشيف الخاص بالدولة المصرية والتي عليها في المقابل حماية هذه الوثائق والحفاظ عليها.
ويضع "المجلس الدولي للأرشيف" بشكل دائم معايير زمنية بشأن مسألة اتاحة الوثائق وهي معايير يجري تدريسها في أقسام الوثائق والمكتبات بالجامعات المصرية غير أن العديد من المؤسسات الخاصة بالوثائق في مصر لاتعمل بها كما تقول الدكتورة سلوى ميلاد.
وإذا كانت الأحداث التي اعقبت ثورة 25 يناير قد لفتت الأنظار لأهمية الحفاظ على وثائق مصر التاريخية فإن الصحف ووسائل الاعلام المصرية تحركت في الاتجاه ذاته واستطلعت آراء العديد من الباحثين والمتخصصين في علوم الوثائق والمكتبات.
ورأى الدكتور عبد الستار الحلوجي استاذ الوثائق والمكتبات أن القانون الجديد للوثائق لابد وان يضمن الحفاظ على الوثائق بكل السبل الممكنة باعتبارها جزءا من تراث الأمة.
ودعا الحلوجي لتيسير الاطلاع على الوثائق واتاحتها للباحثين بمقابل مادي معقول، معتبرا أن وضع القيود على استخدام الوثائق بحجة الحفاظ عليها هي كلمة حق يراد بها باطل، وأضاف: "نحن مع الحفاظ على الوثائق لكننا نحافظ عليها كي يستفيد منها الباحثون وهذا هو الفرق بين دار الوثائق والمتحف".
فالمتحف يحتفظ بمقتنياته ولايتيح استخدامها أما دار الكتب ودار الوثائق فرسالتهما الأساسية هي استخدام ماتقتنيه من مصادر المعرفة التي يحتاجها الباحثون في بحوثهم فيما تطالب الدكتورة سلوى ميلاد استاذ الوثائق بكلية الآداب جامعة القاهرة بتحقيق المعادلة الصعبة اي اتاحة الوثائق والحفاظ على امنها.
ونوهت ميلاد بأن الاتاحة أمر ضروري وهدف أساسي من أهداف دور الأرشيف الخاص بالوثائق، مؤكدة أن الهدف من دار الوثائق حفظ ذاكرة الأمة "فالإنسان الفاقد ذاكرته لا يستطيع ان يعيش مستقبله"، فيما أوضحت أن معايير الاتاحة لابد وأن تكون مرتبطة باحتياجات المستفيدين أنفسهم.
وكانت الدكتورة ايمان ابو سليم استاذ الوثائق بكلية الآداب قد طالبت بضرورة استقلال دار الوثائق عن دار الكتب حتى يكون لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة وميزانيتها الخاصة.
للمعرفة أبواب والوثائق من اهم هذه الأبواب..البعض يريد ألا يبقى لنا من الذاكرة سوى التراب حتى لانعرف إلى أين تتجه الصعاب ولانجد ملاذا عندما يداهمنا الغياب ونتحول إلى ايتام على مائدة عالم ضنين!..لكن مصر قادرة على الدفاع عن ذاكرتها ورد الهجمة الحاقدة وقطع الأيادي الآثمة الخائنة.. إنها مصر عريقة المجد ومبدعة الأفكار في مواجهة أعداء الحياة وسعير الحقد ووحل الخيانة !.