على ارتفاعاتٍ بسيطة بين الأسطح الريفية، استطاع الشاب الثلاثيني «محمد عاطف» أن يخلق مشتلًا مميزًا من نوعه، حيث يزرع أندر وأجمل أنواع الصبار، متجاوزًا حدود الهواية ليصبح شغفًا يقوده إلى تحقيق حلمه في إحياء جمال الطبيعة، فمع كل نوع صبار يزرعه.
يروي محمد قصة عن الجمال المخبأ في الصحراء، ويقدم للزوار فرصة لاكتشاف روائع النباتات الصحراوية التي تزيّن سطح منزله بحُللٍ زاهية من الألوان والأنماط والأزهار، فمن خلال مساحته الخضراء يمتد شغفه ليشكل لوحة فنية نابضة بالحياة، تُبهِر العيون وتُسعد القلوب.
ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فيفضل محمد أن يشارك سعادته مع الآخرين من خلال منحهم هدايا مميزة؛ نباتات صبار زُرعت بيديه، تعبيرًا عن امتنانه لكل من يشارك في رحلته الإبداعية، فهنا في قرية “طحانوب” بمحافظة القليوبية، استطاع محمد عاطف أن يمزج سحر الطبيعة مع أصالة التراث، وبرز كفنان مبدع في عالم الصبار، مُحولًا سطح منزله إلى جنة خضراء تنبض بالألوان والحياة.
وجد محمد الذي نشأ في هذه القرية الصغيرة، في الصبار مصدر إلهام وجمال يمكن أن يضيف رونقًا إلى حياته وحياة من حوله، وبفضل شغفه وتفانيه، أنشأ مشتلًا على سطح منزله يضم مجموعة من أصناف الصبار النادرة والمزهرة.
بدأ الأمر كفكرة عابرة وهواية شخصية، وتطور سريعًا ليصبح شغفًا عميقًا والتقى جمال الصبار مع روح الإبداع ليخلقوا مساحة خضراء نابضة بالجمال، فهذا المشتل لم يكن مجرد مشروع زراعي بالنسبة له، بل أصبح مكانًا للتواصل مع الأصدقاء والمحبين ومتنفسًا بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية، حيث يرحب بالزوار ويشاركهم شغفه بتلك النبتة المميزة، فقد وجد في الصبار مصدرًا للإلهام والجمال الذي لا ينقطع.
يروي محمد عاطف لـ «البوابة نيوز» أنه بدأ نشاطه منذ عام 2009، إلى جانب عمله معلمًا للغة العربية، نافيًا الشائعات التي تتردد عن الصبار بأنه مصدرًا للطاقة السلبية، قائلًا” منذ بداية زراعتي للصبار وقد منحني طاقات إيجابية متعددة”، ونبات الصبار نوعان أولها نبات شوكي والآخر نبات عصاري والنبات العصاري مفضل لدى الناس الذين لا يحبون الأشواك وهو عبارة عن ورقيات تخزن كمية كبيرة من السوائل.
وأوضح أن الصبارات تتميز بالندرة بسبب فترة نموها الكبيرة، وفي أغلب الأحيان تكون مهددة بالموت بسبب متطلبات الرعاية الخاصة، وكذلك صعوبة الاستيراد في بعض الأحيان، موضحًا أن الأنواع “المطعمة” هي الفئة الأعلى بين كل الصبارات، فهناك طفرات في اللون والشكل الهندسي وقد تمتزج عدة ألوان وأشكال هندسية بفضل التطعيمات المختلفة، ويتم اعتماد عملية التطعيم للحفاظ على النوعيات النادرة والمميزة والعمل على تكاثرها، موضحًا أن هناك صبارات مزهرة، وقد تنمو الزهور على النباتات الأصلية أو على التطعيمات، وتنمو من بداية الربيع حتى آخر الصيف بالتناوب، مؤكدًا أن حبه للصبار نابع من شغف عميق فقد ينتظر طيلة العام ليرى زهور تتفتح خلال موسم واحد وأن تأثير ذلك عليه أفضل من اثتناء الورود والنباتات المزهرة بالفعل.
وأضاف أن الصبار ليس نبات المقابر كما يشيع عنه، بل هناك أنواع مميزة ومبهجة وبفضل تقنية التطعيمات فقد أصبح بالإمكان إنتاج آلاف الأنواع المميزة، وهناك فواكه تنتمي إلى فصيلة الشوكيات مثل فاكهة الدراجون فروت والتين الشوكي، مؤكدًا أن أشواك الصبار لا تغنينا عن جماله الفريد، فاللورد أشواك أيضًا، مضيفا: ”لأجل الورد والجمال يتزرع الصبار”،
وأشار إلى أن تشجير البيوت والأسطح هي خطوة تعطي جمالًا مميزًا للأماكن وتقلل من درجات الحرارة والرطوبة كما أنها راحة للعين والأعصاب، فبإمكان كل شخص أن يصنع جنته الخاصة بأقل الإمكانيات، وأوضح “عاطف” أنه قد بدأ باقتناء أربع صبارات من معرض خاص، وقد تعلق بشكلها الجمالي والهندسي المميز، فقرر التعمق في اقتناء الصبارات المطعومة التي تتكون من نبات أصلي ونبات نادر ينمو عليه ليصبحوا نسيج واحد.
وأكد على ضرورة اختيار التربة الملائمة وحجم القصيص ومواعيد الري، منوهًا أن الصبار لا يتحمل العطش والشمس الحارقة مثل الفكرة السائدة عنه، بل يحتاج إلى ظلال ورعاية خاصة ومواعيد للري وخاصة الأنواع المطعمة التي تنتج من تدخل الإنسان مع الطبيعة ويتم إنتاجها من شهر إبريل حتى أواخر سبتمبر وتحتاج شبكة تظليل ورعاية فائقة.
وأضاف أن عملية “التطعيم” تتم عن طريق عمل قطع مستوى في الصبارة الأصلية حتى يظهر نخاع النبات ويتم عمل قطع آخر في الطفرة النادرة حتى يظهر النخاع، ثم تثبيت النخاعين فوق بعضهما البعض وتثبيتهما بمطاط، وبعد أسبوع يتم الالتصاق ليصبحوا نسيج واحد، بشرط وجودهم في مكان ظليل ليس به شمس مباشرة وعدم ملامسة الماء لمكان التطعيم، ثم يتم تعريضهم تدريجيًا للشمس، يبدأ الطعم في أخذ العناصر الغذائية من الأصل لينمو ويزهر ويتحول الصبار من نبات عادي إلى نبات نادر في شكله المميز، ولكنه يتحول من نبات نادر إلى نبات عادي فينمو سريعًا ولا يحتاج لعناية خاصة فينمو مثل أي صبارات أخرى.
وشجع محمد عاطف الشباب والسيدات باتخاذ خطوة تشجير منزلهم والبلكونات والأسطح ولو بأقل الإمكانيات، فالزراعة ليست خطوة جمالية فقط ولكنها تقلل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وتحسن جودة الهواء وتقلل الرطوبة، كما تخلق بيئة مريحة وهادئة للنظر وتزيد من الطاقة الإيجابية، من خلال زراعة بعض الورود أو النباتات الصغيرة، وإنشاء مساحات عمودية على الجدران، فبإمكان الجميع أن يخلق لنفسة “جنة صغيرة” في منزله تفصله عن ضغوطات الحياة اليومية.