الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جدل حول المقاومة ومشروعيتها..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

١١ ألف طفل فلسطينى بات بحاجة إلى طرف صناعى يتم استبداله كل ستة أشهر استجابة لاحتياجات نمو أجسادهم بحسب الأطباء فى قطاع غزة، وعشرات الآلاف سكنوا مقابرهم، و٨٠٪ من أراضى القطاع أصبحت تحت أوامر الترحيل والإزاحة بحسب وكالة الأونروا الوكالة الأممية لإغاثة الفلسطينيين؛ كل ذلك بينما بعض السياسيين والمثقفين فى الشرق الأوسط يتجادلون حول المقاومة ومدى مشروعيتها، وبعضهم يتساءل عن توقيتها المناسب فى ظل حالة التخلف والتأخر الحضارى الذى تعانيه شعوب ومجتمعات الشرق الأوسط.
حق الشعب الفلسطينى فى الكفاح المسلح لتحرير أرضه واسترداد كرامته وإقامة دولة حديثة ديمقراطية على حدود ٥ يونيو ١٩٦٧؛ لم يعد من المسلمات والبديهيات لدى قطاع مؤثر من السياسيين والكتاب والمثقفين، بينما هو حق أصيل ومشروع من وجهة نظر القانون الدولى والأمم المتحدة، وكل الأعراف المستقرة عبر التاريخ الإنسانى.
بات البديهى محلًا للجدال والنقاش وأحيانًا التشكيك، هذه المرة بين من يمثلون النخب الثقافية والسياسية فى الشرق الأوسط ناهيك عن بعض النخب الحاكمة.
هناك قطاع من تلك النخب خاصة الإعلامية والصحفية لا يمكن أخذه على محمل الجد كثيرًا لكنه لعب دورًا فى إلقاء سهام التشكيك فى مشروعية المقاومة مع إمكاناتها الضعيفة مقارنة بقدرات وإمكانات جيش الاحتلال الصهيونى.
هذا القطاع اتخذ مواقف مضطردة ومتناقضة منذ طوفان السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى الآن؛ فمع بدء العدوان الصهيونى الغاشم أشاد بما فعلته المقاومة الفلسطينية فى ٧ أكتوبر وندد بجرائم النازية الصهيونية، لكنه ما لبث فى غضون شهرين وبدأ يشكك فى جدوى المقاومة المسلح ضد جيش الاحتلال ويسخر من إمكانياتها العسكرية المحدودة وفعل نفس الشيء مع حزب الله اللبنانى وهجماته ضد مستعمرات ومعسكرات العدو الصهيونى فى شمال الأراضى الفلسطينية المحتلة مستهزءً بإمكانات الحزب مشبهًا صواريخه ومسيراته بالألعاب النارية التى يلهو بها الأطفال خلال الأعياد.
هذا القطاع تباينت مواقفه وتذبذبت وفقًا لتباين وتذبذب مواقف الأطراف السياسية المالكة للصحف والفضائيات التى يعمل بها؛ وأهمية رصده ومراقبته أنه يكشف ضعف ورخاوة المحيط الإقليمى لدولة فلسطين المحتلة وما يعنيه ذلك من تأثيرات سلبية تتمثل فى عدم قدرة تقديم أى دعم ٢٫٣ مليون من سكان قطاع غزة تتم إبادتهم عبر بواسطة الأسلحة الأمريكية وخطة التجويع والتعطيش والتجهير الإجبارى.
ولا يمكن أخذ هذه القشرة من النخب الإعلامية والثقافية على محمل الجد لأن مصداقيتها وموثوقيتها لدى الرأى العام لشعوب المنطقة تكاد تكون منعدمة بسبب اهتزازها وعدم ثباتها على موقف بعينه.
جانب آخر من تلك النخب استثمر مشاهد تدمير المنازل والمستشفيات والبنية التحتية وأجساد الأطفال الممزقة ليلعب على مشاعر الرأى العام للتشكيك فى جدوى المقاومة المسلحة ضد العدو الغاشم ولسان حاله يقول: “ماذا حقق السابع من أكتوبر سوى المزيد من الضحايا ودمار غزة؟”، بل أن بعضهم بالغ فى وصف قطاع غرة وأحوال سكانه فى الفترة التى سبقت السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وقالت أنها كانت عروس متألقة وسكانها كانوا يعيشون حياة آمنة مستقرة رغدة يتلقون خدمات صحية وتعليمية ويأكلون ويشربون أفضل بكثير من مجتمعات عربية جارة لهم.
تستطيع تخيل مواقف هذا القطاع إذا عاشوا فى زمن الاحتلال الفرنسى أو البريطانى فى مصر ربما قالوا حينها نحن شعب فقير ضعيف متخلف ولا فائدة من المقاومة؛ وتستطيع توقع موقفهم من نضال شيخ المجاهدين عمر المختار فى ليبيا من الاستعمار الإيطالى ربما كانوا سيصفونه بالمستفز لأن عملياته العسكرية المؤلمة ضد عدو بلاده استفزت المحتل وجعلته يدفع بطائراته الحربية لتقصف المدنيين الآمنين الذين يسكنون الوديان والسهول، نفس الشىء فى الجزائر وفيتنام وفى كل بلد تسبب ضعفه فى أن يكون فريسة للصوص قادة الدول الاستعمارية الكبرى.
هذا القطاع من النخبة التى تعمل فى سياق أجندات تعمل ضد مصالح الشرق الأوسط وشعوبه تخلط الأوراق والمواقف السياسية، فهى تبرر موقفها الناقد لكل فعل تقوم به المقاومة ضد جيش الاحتلال بانتمائها إلى تيار الإسلام السياسى الذى ترفضه جملة وتفصيلًا داخل بلادها.
وفى هذا الموقف تدليس وتضليل، فحتى ولو كانت جل فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة تنتمى إلى اليسار أو التيار الليبرالى كان هذا القطاع من النخبة السياسية والثقافية سيجد مبررًا آخر لرفض مقاومتها ضد المحتل والسخرية منها.
فارق كبير بين موقف يرفض أى دور سياسى أو حتى اجتماعى أو دينى لجماعة الإخوان الإرهابية وشقيقاتها فيما يسمى بالإسلام السياسى بسبب معاداة أفكارها لقيم الحضارة والحداثة والديمقراطية وتجربتنا السيئة معها؛ وبين الموقف من حركة حماس والجهاد الإسلامى كفصائل للمقاومة الفلسطينية.
الفلسطينيون وحدهم من يملك الحق فى تقرير المستقبل السياسى لهذه الحركات والتنظيمات عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها لأنه شأن فلسطينى محض؛ ونعم قد نتخذ مواقف ضد حماس أو غيرها إذا كان ارتباطها بجماعة الإخوان يجعلها تتدخل فى شؤننا الداخلية وهذه مسألة بعيدة تمامًا ومنفصلة عن مسألة دعمها كحركة مقاومة تمارس حقها المشروع أخلاقيًا ودوليًا فى مقاومة المحتل.
المتابعة الدقيقة بل وحتى العابرة لمواقف رموز النخب الثقافية والسياسية الفلسطينية بتوجهاتها المختلفة بين اليسار والليبرالية تكشف للوهلة الأولى أنه ما من فلسطينى وطنى ينكر على حماس غيرها من الفصائل الفلسطينية حق المقاومة المسلحة.
الكل الآن يدعم المقاومة بغض النظر عن الانتماء السياسى والأيدولوجى ولا يمكن المزايدة على مواقف هؤلاء.
غير أن هناك قطاع مستقل من النخب الإعلامية والثقافية والسياسية يطرح مسألة مشروعية المقاومة ليس رفضًا لها على الإطلاق وإنما يربطها بظروف المنطقة؛ ويتساءل عن جدوى المقاومة وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا بينما يعانى الشرق الأوسط كل مظاهر التخلف الحضارى بدءً من عدم إنتاج المعرفة وإبداع الفنون، مرورًا بالإنتاج الصناعى والزراعى وصولًا إلى إنتاج التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها؟!.
الشرق الأوسط ومجتمعاته العربية، وتلك الناطقة بالعربية يستهلك كل شىء من الخارج على مستوى الغذاء والكساء والدواء وحتى القيم والأفكار والفنون.
أوضاع منطقتنا جعلتنا أمام هذا السؤال المصرى البسيط “البيضة أولًا أم الدجاجة؟”، وملاحظتى على هذا الطرح أنه يعنى إرجاء المقاومة إلى حين اللحاق بركب الدول المتقدمة، فى الوقت الذى يعلن فيه الكنيست الصهيونى “البرلمان” رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية ويرتكب جيش الاحتلال أبشع الجرائم ضد المدنيين العزل.
ما من مواطن شرق أوسطى إلا وفرح بوصول المسيرة اليمنية إلى قلب تل أبيب عاصمة الكيان الصهيونى ليس فقط لأنها أشفت القدر اليسير من غله وغليله الناتج عن مجازر العدو ضد أطفال غزة؛ وإنما أيضًا بسبب إحباطاته المتراكمة من رخاوة وضعف المحيط الإقليمى لغزة.
لا وقت لدينا أمام سؤال التقدم والحضارة فإجابته قد تحتاج إلى قرن أو قرنين من الزمان؛ ولابد للنخب الثقافية على وجه الخصوص من إيجاد معادلة تجمع بين دعم حق الشعب الفلسطينى فى الكفاح المسلح ضد العدو الصهيونى، والبدء فى عملية مستمرة ومعقدة لإحداث تغيير حقيقى يمكّن شعوب المنطقة من إنتاج عناصر قوتها المعرفية والثقافية والتكنولوجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، فلا يمكن تأجيل فعل المقاومة المسلحة ضد عدو غاشم إلى حين تتمكن شعوب المنطقة من امتلاك باقى عناصر القوة الشاملة وهو الأمر الذى تواجهه تحديات كبرى أقلها الموروث الدينى والثقافى الذى أنتج هذه الحالة السياسية الرخوة والضعيفة.