يحتفل اليوم المصريون بذكرى ثورة 23 يوليو 1952 للعام الـ 72، ولكن ماذا تبقى من الثورة من قيم وآثار حتى يومنا هذا ليتذكره أو يتفقده الأجيال، وفي هذا السياق طرحت "البوابة" التساؤل على عدد من المؤرخين وأساتذة علم الاجتماع والعلوم السياسية والخبراء، منهم من أكد أن آثار ثورة يوليو والتغييرات التي أحدثتها ما زالت موجودة وباقية، خاصة في المناحي السياسية والعسكرية وأهمها تأسيس الجيش المصري، فيما أوضح آخرون أنه بعد مرور ٧٢ عامًا على ثورة يوليو لم يبق منها شيء.
تأسيس الجيش المصري
الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، قالت إن كل مبادئ وأهداف ثورة 23 يوليو 1952 ما زالت قائمة، مشيرًة إلى أن هناك جزءا تحقق منها وجزءا لم يتحقق لأنها خطة طويلة المدى، وأن أبرز المكتسبات، بناء جيش وطني قوي، خاصة بعد الهزيمة التي وقعت عام ١٩٤٨ للدول العربية في فلسطين، ولكن الثورة استطاعت أن تبني جيش وطني له ترتيب على الصعيد العالمي.
وأضافت الشيخ لـ"البوابة نيوز"، أن التنمية وبناء السد العالي أحد مكتسبات ثورة يوليو، خاصة أن الريف المصري حتى سبعينيات القرن الماضي، لم تكن الكهرباء قد وصلت إليه، موضحًة أن الثورة استطاعت تحقيق التنمية والحداثة في القرى والنجوع، وهذا ما لم يكن يسمح به الاستعمار البريطاني قبل الثورة.
وتابعت، أن أحد المكتسبات السياسية هو استقلالية القرار الوطني، خاصة أنه قبل ١٩٥٢ لم يكن هناك استقلال في القرار ولكن كان الاستعمار هو صاحب القرار في الشأن المصري، ولكن بعد الثورة انفتحت مصر على الدول العربية والأوروبية، وأصبح هناك توازن حقيقي في العلاقات الخارجية، وانفتاح على كل القوى الإقليمية والدولية، وذلك حسب مصالحنا الوطنية ومقتضيات أمننا القومي، وأصبحت مصر صاحبة القرار في شئونها.
وأكدت أستاذ العلوم السياسية، أن ثورة 23 يوليو 1952 ما زالت تحقق مكاسبها وأهدافها، خاصة أن هناك أهدافا طويلة المدى يحتاج تحقيقها سنوات طويلة.
غيرت وجه مصر
وفي نفس السياق قالت الدكتورة ليلى عبدالمجيد، العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن ثورة 23 يوليو غيرت وجه مصر في العديد من المناحي، أهمها التغيير الاجتماعي الذي حدث، مشيرًة إلى أن التعليم أصبح حق لكل مواطن مصري، وكان التعليم على مستوى عالٍ من الكفاءة، بل وكان أفضل من تعليم المدارس الخاصة آنذاك.
وأكدت عبدالمجيد، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن الثورة أدت إلى تغيير في الطبقات الاجتماعية، وأصبح هناك طبقات متفاوتة وليس طبقة أرستقراطية وأخرى فقيرة، موضحًة أنها أعادت إحساس المصريين بأنهم قادرين على تغيير التاريخ.
وتابعت، أن الثورة أدت إلى ارتفاع الروح المعنوية بين المصريين، وهو ما ظهر جليًا بعد نكسة ١٩٦٧، كما ساهمت الثورة في تأسيس الجيش المصري الذي حول الهزيمة إلى نصر في أكتوبر ١٩٧٣، لافتًة إلى أن العديد من إنجازات ثورة يوليو تغيرت بعد السبعينيات، ولكن ظل جوهر الإنسان المصري كما هو بقيمه ومبادئه.
وأوضحت عميد كلية الإعلام الأسبق، أن ثورة 23 يوليو 1952 أيضًا هي التي دعمت وساندت حركات التحرر في العديد من دول العالم العربي وكذلك الدول الأفريقية، وهو ما لا يمكن أن ينكره أحد، وأن ثورة يوليو كانت تهتم بالفرد والأسرة والمجتمع ككل، وهو ما يجب أن نحاول استعادته وننشره داخل المجتمع المصري، مشيرة إلى أن الدليل على أن الثورة باقية، هو أن صور الرئيس جمال عبدالناصر ما زال يتم رفعها في مصر، وتم رفعها خلال ثورة يناير وهو ما يؤكد ان عبدالناصر رمز وأن ثورة يوليو رمز للتغير إلى الأفضل.
المصانع والتعليم المجاني والفن
قالت الكاتبة الصحفية، بهيجة حسين، إننا نبحث عما تبقى من ثورة يوليو ١٩٥٢ وماذا تركت لنا، وهنا لن نتحدث عن ١٣٠٠ مصنع تركتهم الثورة ولا الفدادين الخمسة التي تملكها الفلاحون وتغنت لها الأغنية الشعبية، ولكن هنا سنتحدث عن إعلاء قيمة التعليم التي جعلتني وجيلي من النساء نتعلم في مدارس الثورة بالمجان، وأتيحت لنا الفرص بكل الطرق والمساواة.
وأضافت بهيجة حسين، أن الثورة أعلت التعليم بين جميع وسائط الشعب وعندما نتطلع غربًا فسنجد أن الدكتور مجدي يعقوب والعالم أحمد زويل هم نتائج قيمة التعليم التي أرستها ثورة يوليو، وأشارت الكاتبة الصحفية إلى أن قيم الثورة أظهرت الفن بشكل رائع، ونذكر أن "بالرينا مصر" الأولى تم سفرها للدراسة في الاتحاد السوفيتي في هذه المرحلة تقديرًا للفن، وإنشاء فرقة رضا التي ما زلنا نستمتع فنونها حتى اليوم، ولا يمكن أن ننسى قيمة إنشاء "أكاديمية الفنون" التي أسسها ثروت عكاشة، والذي ما زال حتى اليوم كصرح عظيم.
ولفتت "بهيجة"، إلى أن الثورة أبقت قيمة أهمية العمل، وقيمة المرأة ومكانتها، وكثيرات من بنات جيلي لديهن الشعور أننا بوجودنا فاعلات ومؤثرات في هذه الحياة بسبب ثورة يوليو، فنحن نتائج ثورة يوليو، والتي جعلتنا نتعلم ونتساوى مع الرجال، ولا ننسى الأغاني التي كانت تبث على ذلك في طفولتنا مثل "يا بنت بلدي زعيمنا قال قومي وجاهدي ويا الرجال" وهذا ما غرس فينا روح المساواة والتكافؤ مع الرجال، مثمنة على نتائج الثورة والتي مهما حدث لن تتكرر.
وأضافت، أن الكرامة الوطنية كانت عقيدة لدينا كأطفال، وشاهدنا عبد الناصر وهو ينسحب من الأمم المتحدة للحفاظ على كرامة الدولة، ولقد ساعدت الدولة المصرية العديد من الدول الناشئة والنامية، وكانت مصر تنتج ٩٠٪ من احتياجاتها ومن الدواء، وكانت تمد الدول الأفريقية بما تحتاجه.
وقالت إن قيم ثورة يوليو في التصنيع والقيام على الأقدام والاكتفاء الذاتي نتعلم منها حتى وقتنا الحالي، إضافةً إلى العدالة الاجتماعية والتي تحقق منها للمواطن قانون التأمين الصحي والذي طبق منذ الستينيات ومازالت القوانين التي تحفظ حقوق العمال وملكيتهم في الشركات وفي العمل والتطوير