وضع قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن الخاص بانسحابه من سباق انتخابات الرئاسة، الديمقراطيين أمام مسارين لاختيار مرشح آخر يحل محله، الأول هو إجراء تصويت افتراضي، والذي قد يضمن وجود مرشح جديد في أغسطس المقبل، والآخر هو تنظيم مؤتمر مفتوح، وهو سيناريو لم يشهده الحزب منذ عام 1968.
ويتم اعتبار المؤتمر "مفتوحاً" عندما لا يصل إليه أي مرشح بـ"أصوات أغلبية واضحة من المندوبين"، ولذلك تتحول الفعالية إلى انتخابات تمهيدية مصغرة، يتدافع فيها المتنافسون لإقناع المندوبين بالتصويت لهم.
وأعلن بايدن تأييده لنائبته كامالا هاريس لتحل محله، وعلى الرغم من دعمه والتفاف عدد كبير من الديمقراطيين حولها، لا يزال من غير الواضح، ما إذا كانت تصبح المرشحة، أو ما هي العملية التي سيتخذها الحزب لاختيار بديل.
رغم أن بايدن أيد نائبة الرئيس للترشح بدلاً منه، لا يوجد بروتوكول خلافة لتذكرة الرئاسة (المرشح للرئاسة ونائبه) كما هو الحال مع منصب الرئيس نفسه ويتعين على هاريس الفوز بأغلبية في المؤتمر مثل أي شخص آخر.
كما يعتزم الديمقراطيون إعداد نظام لإجراء تصويت الترشيح الرئاسي عن بُعد قبل مؤتمر الحزب الشهر المقبل.
ووفقاً لخطة قُدمت، في وقت سابق يتم إعطاء المندوبين إشعاراً قبل 24 ساعة من بدء التصويت، ويتم التصويت عبر بطاقات اقتراع رقمية تُرسل عبر البريد الإلكتروني إلى المندوبين.
ومع ذلك، لم يتخذ الحزب أي خطوات للموافقة على الخطة ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحزب يستمر بخطة التصويت عن بُعد، أو يلغيها ويسمح بإجراء التصويت الرسمي في قاعة المؤتمر.
ووفقاً لقواعد الحزب، يجب على المرشحين تلبية متطلبات معينة لوضع أسمائهم ضمن مرشحي الحزب للرئاسة، ويجب عليهم جمع مئات التوقيعات من المندوبين (ما لا يقل عن 300، ولا يزيد عن 600) من عدة ولايات.
ويجب على المرشحين أيضاً تلبية سلسلة من المتطلبات المنصوص عليها في قواعد الحزب، بما في ذلك أنهم "ديمقراطيون حقيقيون"، وأنهم قد "حققوا دعماً كبيراً لترشيحهم كمرشح ديمقراطي" للرئاسة.
وبينما يتم تحديد هذا من قبل رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، لم يصدر الحزب بعد تفاصيل إضافية بشأن كيفية تحديد المرشحين المؤهلين.
جدير بالذكر أن هناك مجموعتان منفصلتان من المندوبين، 3 آلاف و949 مندوباً متعهداً. هؤلاء هم المندوبون الذين تم اختيارهم من خلال عمليات مختلفة على مستوى الولايات، إذ تعهد حوالي 99% منهم بالتصويت لبايدن، بناء على أدائه في الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية في جميع أنحاء البلاد. كما تمت الموافقة على الأفراد الذين تعهدوا بالتصويت لبايدن من قبل حملته.
وهناك تقريبا 750 (747 حسب آخر معلومات من اللجنة الوطنية الديمقراطية وقد يتغير هذا الرقم) هم مندوبون تلقائيون.
ويُعرفون أيضاً باسم "المندوبون الفائقون"، وهؤلاء هم الأفراد الذين يخدمون كمندوبين بحكم منصب آخر يشغلونه أو شغلوه سابقاً.
وهؤلاء المندوبون أحرار في التصويت للمرشح الذي يختارونه، ولكن في الظروف العادية، لا يمكنهم التصويت في الاقتراع الأول، إذا كان تصويتهم يمكن أن يؤثر على نتائج الترشيح. وليس من الواضح تماماً ما إذا كانوا سيتمكنون من المشاركة في هذا الاقتراع الأول في هذه الحالة.
ووفقاً لقواعد الحزب الديمقراطي، يجب على المندوبين المتعهدين "أن يعكسوا بضمير حي مشاعر من انتخبوهم".
ومع ذلك، فإن حق المرشحين في المراجعة يعني أنه يمكن توقع أن يكون المندوبون مخلصين للمرشح الذي هم ملتزمون به، لكن الآن، وبما أن بايدن لم يعد مرشحاً، فإن مندوبيه أحرار في التصويت لأي شخص يرغبون فيه. ولا يحتاج بايدن إلى "فك الارتباط" بمندوبيه بشكل رسمي.
ورأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن هناك احتمالات كبيرة، في أن تدخل العملية حالة من الفوضى، بالنظر إلى قصر الوقت المتبقي في السباق، إذ يبدأ التصويت المبكر في بعض الولايات خلال سبتمبر المقبل، ولذلك من المحتمل أن يحاول قادة الحزب حسم الترشيح قبل بدء المؤتمر الوطني الديمقراطي في 19 أغسطس المقبل.
وذكرت الصحيفة أنه بعد انسحاب بايدن وتأييده ترشيح هاريس، فإن مندوبيه بات لديهم حرية الاختيار، إذ لن يكونوا مُلزمين بدعم ترشيحها، لكنهم قد يميلون إلى فعل ما يطلبه الرئيس، مشيرة إلى أن قادة الحزب سيبذلون الجهود من أجل الوحدة، ولذا فإنهم سيحاولون إقناع المندوبين بالالتفاف حول "مرشح واحد".
وكان الحزب يخطط لإجراء "تصويت افتراضي" قبل المؤتمر الوطني لترشيح بايدن رسمياً، إلا أنه قد يتم تأجيله أو إلغاؤه، لكن في حال إجراء التصويت، وأفضى في قراره إلى أغلبية أصوات المندوبين، فإنه يكون هناك مرشحاً قبل تاريخ عقد المؤتمر.
أما في حال عدم إجراء التصويت الافتراضي أو إذا تم إجراؤه لكن لم يكن هناك "قراراً بأغلبية أصوات المندوبين"، فإن قرار اختيار المرشح سيتم اتخاذه أثناء المؤتمر الوطني في أغسطس المقبل.
ويقرر آلاف المندوبين الذين يمثلون الناخبين رسمياً اسم مرشح الحزب، سواء كان المؤتمر مفتوحاً أم لا، وعادةً ما يختارون المرشح الفائز في "الانتخابات التمهيدية"، ويأتون في المؤتمر الحزب للقيام به، وعليه فإن الأمر يبدو كما لو أن "الناخبين هم مَن يختارون المرشح بشكل مباشر".
ولكن الآن بعد انسحاب بايدن من السباق، أصبح لدى جميع مندوبيه "حرية الاختيار"، ولذا فإنهم سيختارون مرشحاً بأنفسهم "دون مشاركة الناخبين".
وهناك نوعان من المندوبين الديمقراطيين: المندوبون الملتزمون، وهم أولئك الذين يلتزمون بدعم المرشح الذي اختاره الناخبون في الولاية، ويقسم الحزب هؤلاء المندوبين على كل ولاية أو منطقة ثم يقوم مسؤولو الحزب في الولاية بتقسيمهم على المرشحين.
وعلى الرغم من أن هناك معايير مختلفة لكل ولاية، فإنه بشكل عام، يمكن لأي ناخب مسجل تقريباً أن يكون مندوباً ملتزماً، شريطة أن يكون ولائه للحزب وللمرشح، ويشمل ذلك موظفي عملية الاقتراع، والمسؤولين المنتخبين المحليين، وجامعي التبرعات، وحتى أطفال المرشحين.
المندوبون التلقائيون، وهم غالباً ما يُطلق عليهم المندوبين الكبار، من أبرز قادة الحزب، إذ يحصلون على هذا الدور "استناداً إلى مناصبهم السابقة، أو التي يشغلونها في الوقت الحالي"، بما في ذلك الرؤساء السابقين ونواب الرؤساء السابقين، والحكام الديمقراطيين، وأعضاء الكونجرس ومسؤولي الحزب وهؤلاء "لا يلتزمون بالتصويت لأي مرشح، ولا يُسمح لهم بالتصويت في الاقتراع الأول في المؤتمر الوطني.
ومن الممكن أن يكون المؤتمر الوطني المقبل مفتوحاً، في حال قرر الحزب الديمقراطي المضي قدماً في إجراء التصويت الافتراضي المُخطط له منذ فترة طويلة، فيمكنه أن يحسم رسمياً اسم المرشح قبل بدء المؤتمر الوطني في 19 أغسطس.
وأوضحت الصحيفة أنه من الممكن أن يساهم تأييد بايد بشكل علني ترشيح نائبته هاريس في إمالة الكفة بقوة نحو الوحدة، وعلى الرغم من أنه لن يتعين على مندوبيه البالغ عددهم أكثر 3 آلاف و900 تقريباً دعم الأخيرة، فإنه بالنظر إلى أنه تم اختيارهم كمندوبين بسبب ولائهم له، فإنهم من المحتمل أن يميلوا إلى القيام بما يطلبه الرئيس، خاصةً أن "هاريس كانت موجودة بالفعل على بطاقة الاقتراع، التي اختارها الناخبون في الانتخابات التمهيدية".
وأِشارت الصحيفة إلى أن "التصويت الافتراضي" لا يعد جزءاً نموذجياً من العملية، إذ تم إعداده فقط من أجل تأكيد ترشيح بايدن قبل الموعد النهائي للاقتراع في ولاية أوهايو، إذ يأتي "التصويت الافتراضي" قبل مراسم المؤتمر الوطني الديمقراطي، حيث خطط الديمقراطيون لاتخاذ خطوة "التصويت الافتراضي المبكر" كخطوة استباقية من أجل تفادي أي "تحديات قانونية" كانت محتملة لإبعاد الرئيس بايدن عن الاقتراع في الولاية.
وحتى لو تم إلغاء هذا "التصويت الافتراضي"، فمن الممكن أن يصل الحزب إلى اتفاق على ترشيح هاريس أو مرشح آخر، قبل المؤتمر، وفي هذه الحالة، يمكن اعتبار المؤتمر مفتوحاً من الناحية الفنية، وتسير الإجراءات بشكلها المعتاد.
وفي حال بات هناك منافسين آخرين بالفعل مع هاريس، فإن المناورات التي تجري وراء الكواليس والصفقات تتم بوتيرة متسارعة، بينما يحاول زعماء الحزب في الولايات المختلفة حشد مندوبيهم لجمع كتلة تصويتية.
وبمجرد وصول الجميع إلى شيكاغو في أغسطس المقبل، فإنه من المحتمل أن يعمل المرشحون ومندوبوهم في كل مكان، وذلك ليس في قاعة المؤتمر فحسب، بل أيضاً في الفنادق والحانات وغيرها من الأماكن للبحث عن مندوبين لجذبهم.
وعادةً ما كانت الأمور تخرج عن مسارها الصحيح في المؤتمرات المفتوحة السابقة، عندما كان المرشحون يتنافسون للحصول على كل صوت ممكن، ففي المؤتمر الجمهوري المفتوح لعام 1976، سقطت مندوبة جيرالد فورد على الأرض، وتعرضت للإصابة في ساقها، وبدلاً من نقلها بسرعة إلى المستشفى، قام المندوبون الآخرون بتثبيت ساقها وأبقوها في مكان التصويت لأنهم كانوا يخشون أن يدلي بديلها بصوته لصالح رونالد ريجان، حسبما نقلت "واشنطن بوست" عن توم كورولوجوس، السفير الأمريكي السابق لدى بلجيكا، وأحد الحاضرين في المؤتمر.
وعند الوصول إلى المؤتمر بأكثر من مرشح جديد، يتم إجراء أول تصويت بنداء الأسماء، وفي حال حصل أحد المرشحين على أغلبية أصوات المندوبين في الاقتراع الأول، فيصبح هذا الشخص هو مرشح الحزب، ولكن إذا لم يحصل أحد على أصوات أغلبية المندوبين، فسيتم إجراء تصويت ثانٍ.
وعند هذه النقطة، يتم اعتبار المؤتمر "خاضعاً للتفاوض"، وهو مصطلح تمت صياغته في المؤتمرات القديمة، عندما استخدم وسطاء السُلطة داخل الحزب كل ما لديهم من نفوذ في عقد الصفقات ولي الأذرع للحصول على الأصوات، وكان آخر هذه المؤتمرات في عام 1952.
وتكون نسخة عام 2024 من هذا السيناريو، هي أن يدخل المندوبون الكبار إلى عملية التصويت بدءاً من الاقتراع الثاني، وسيستمر التصويت، جولة بعد جولة، حتى يحصل أحد المرشحين على أصوات أغلبية جميع المندوبين ويتم اختياره كمرشح عن الحزب.
وذكرت الصحيفة أنه في عام 1924، احتاج الديمقراطيون إلى إجراء 103 جولات تصويت حتى استقروا أخيراً على المرشح التوافقي جون ديفيس، بعد انسحاب اثنين من الحاصلين على أعلى الأصوات، لكن الأمور لم تنته بشكل جيد، إذ فاز الرئيس الذي كان في السُلطة في ذلك الوقت كالفن كوليدج مرشح الحزب الجمهوري بأغلبية ساحقة.