الأحد 16 فبراير 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

من"المؤتمر الاغترابيّ".. ننشر كلمة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي

ارشيف
ارشيف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يقول البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، اثناء كلمته في "المؤتمر الإغترابيّ للتنمية المستدامة" يسعدني أن أشارك في ندوة حمّانا بموضوع المؤتمر الإغترابيّ للتنمية المستدامة إلى جانب سماحة شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز سامي أبو المنى، وأصحاب المعالي والسعادة، والقيّمين على هذا المؤتمر ومنظّميه، وأهالي حمّانا والمنطقة الأعزّاء، متمنّيًا له النجاح المرجوّ. أتّخذ موضوعي من عنوان المؤتمر لأتكلّم عن التنمية المستدامة بين عملي الإغتراب وسكّان البلدة ومنطقتها.

واضاف ان التنمية البشريّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة مستدامة لكونها عنصرًا أساسيًّا في حياة كلّ إنسان وجماعة. 
فوطنيًّا، القيّمون على أرض الوطن هم المسؤولون الأول عن المحافظة على أرض الآباء والأجداد، وعدم بيعها، لكوننا عليها كتبنا تاريخنا، ومنها اتّخذنا هوّيتنا وقيمنا الروحيّة والمعنويّة والإجتماعيّة. فها عامّتي حمّانا الأولى سنة 1800، والثانية سنة 1805، هما علامتا وطنيّتنا. وها مؤسّساتنا الكنسيّة، كنائس ومدارس وأديارًا، وتلك الخاصّة بإخواننا الموحّدين الدروز، علامة ناطقة لهويّتنا ولعيشنا المشترك، ولتعدّديتنا في الوحدة الوطنيّة. فإنّ المؤمنين بهذه القيم الوطنيّة يقتضون منّا إيصالهم إلى مراكز القرار، وهم متميّزون بوطنيّتهم وكفاءتهم وولائهم للبنان.
إنّ تجذّرنا في أرضنا تجذّر في هويّتنا وقيمنا الروحيّة والوطنيّة. وعليها نبني حياتنا الإجتماعيّة والوطنيّة كأساس متين نبني عليه وطننا المشترك لبنان.

وإنّ وجود الكنيسة في هذا الشرق ليس مصادفة، بل بفعل عطيّة إلهيّة ثمينة جدًّا، أعطاها الله لهدفين. الأوّل، إعتبار الأرض من المسيحيّين عامّة والموارنة خاصّة، عطيّة من الله، تجعلهم يحترمون هذه العطيّة شاكرين الربّ عليها، الثاني، تصبح الأرض في نظرهم مساحة للعيش الحرّ الكريم، وتأدية الشهادة الصادقة للمسيح، والتفاعل الإنسانيّ السليم مع سواهم من الناس.

مستطردا حديثه ان الأرض في تقليدنا ليست ملكًا نتصرّف به على هوانا، بل هي إرث من الآباء والأجداد، وهي أشبه بوديعة ثمينة أو "ذخيرة مقدّسة". أرضنا ذاكرتنا الحيّة، ومدرسة تعلّمنا الصبر والإخلاص والكرم والعطاء والشفافيّة، وإرهاف المشاعر. الأرض تسهم في أنسنة الإنسان، وهي مكوّنة لهويّته التاريخيّة والإجتماعيّة والوطنيّة والكيانيّة، ينبغي فهمها والمحافظة عليها بكلّ إنتباه.

و أمّا تنميتنا المستدامة الشخصيّة والإجتماعيّة والوطنيّة فهي أوّلًا وآخرًا فرض علينا، وهي جزء مهمٌّ اليوم على عالم الإغتراب. فبدلًا من إعطاء المحتاج سمكة كلّ يوم، أمّن له السنّارة وعلّمه استعمالها، ننظر إلى الإغتراب اللبنانيّ القادر على إنشاء مؤسّسات صناعيّة وزراعيّة متطوّرة تشغّل شعبنا وتخرجه من حالة الفقر والبطالة والعوز والإتّكال اليوميّ على الغير، وهكذا يتجذّر الشباب اللبنانيّ الطالع بأرضه، من خلال عمله بدلًا من بيع الأرض التي ورّثه إيّاها الآباء والأجداد. والمهمّ في هذا العمل الإنتاجيّ تأمين تصدير الإنتاج اللبنانيّ إلى الأسواق الخارجيّة. كما إنشاء مساكن بأسعار ممكنة لشبابنا من أجل حفظه على أرض الوطن.

واضاف إنّ معظم المغتربين هاجروا أرض الوطن مقهورين. لذلك بقي حنينهم للوطن قويًّا، وكذلك تعاطفهم مع أهلهم، فأمدّوهم بالمساعدات كلّما توفّرت الإمكانات. ولكنّ الأهمّ إيجاد الحلول الحياتيّة لهم لتشجيع المنتشرين على دعمهم للحفاظ على الأرض واستغلالها وتثبيت المقيمين فيها، علمًا أنّ مثل هذه الخطّة تفيد المنتشرين أيضًا وأساسًا. فيصار مثلًا إلى إقامة توأمة بين المنتشرين وقراهم ومدنهم الأصليّة. فيتمّ على أساسها إنشاء مشاريع تنمية. كما يمكن تشجيع شبيبة الإنتشار على القدوم إلى وطن المنشأ وتمضية الفرص على أرضه مع برامج مدروسة لإشراكهم في مواسم زراعيّة كالقطاف مثلًا، وإطلاعهم على تراثهم الفكريّ والفلكلوريّ والليتورجيّ، وعلى الإمكانيّات المتوفّرة في الجامعات اللبنانيّة.

واردف قائلا  انّي اذ اوجه تحية اكبار لكل المنتشرين الذين حُرموا التمتع بارض الاجداد في ربوع الوطن، اشكرهم على تضحياتهم وعلى دعمهم للمقيمين، خاصة في هذه الظروف الضيقة، ادعوهم للمحافظة على جذروهم التي منها يستمدون الحياة، وذلك عبر تسجيل وقوعاتهم في سجلات النفوس اللبنانية في سفاراتنا وقنصلياتنا مستعينين بمكاتب المؤسسة المارونية للانتشار التي أُنشأت لهذه الغاية، وقد اصبحت موجودة في كبريات العواصم.

واختتم كلمته إنّي أتمنّى لهذا المؤتمر النجاح المرجوّ، شاكرًا مجدّدًا منظّميه والمشاركين فيه والمتكلّمين. مع التحيّة القلبيّة لحمّانا والمنطقة. 
عشتم! وعاش لبنان!