ارتفعت ديون الدول الناشئة إلى 105 تريليونات دولار من إجمالى الدين العالمى الذى بلغ 315 تريليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي، مسجلاً بذلك مستوى قياسيًا جديدًا.
وزاد الدين العالمى بمقدار 1.3 تريليون دولار مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، وكانت هذه الزيادة فى الغالب ناتجة عن الأسواق الناشئة، حيث ارتفعت ديونها بمقدار 55 تريليون دولار خلال العقد الماضي.
تشمل هذه الديون القروض والتمويلات التى تحصل عليها الدول النامية من المؤسسات المالية الدولية والدول المتقدمة، وتستخدم لتمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية، ولدعم الميزانيات الحكومية.
وقال الدكتور محمد الشوربجى الخبير المصرفي، إن الأسواق الناشئة أصبحت محط أنظار الكثير من المستثمرين للجوء إليها كإحدى أهم الفرص الاستثمارية، نظراً لما تحققه من معدلات نمو سريعة وارتفاع فى عوائدها، وعلى الرغم من تلك المميزات، فإنها تمتلك معدلات عالية المخاطر.
وأضاف الشوربجي: أن الأسواق الناشئة عبارة عن مجموعة أسواق تتمتع بخصائص وسمات الأسواق المتقدمة، وقد انتقلت من مرحلة الاعتماد على الزراعة وتصدير المواد الخام، إلى مرحلة التصنيع والانخراط فى الأسواق العالمية، وتطمح مستقبلاً إلى الدخول فى عالم الأسواق المتقدمة، إلا أنها تعانى من ارتفاع حجم الديون التى تقلص فرص النمو.
كما أشار الخبير إلى أن ديون الدول الناشئة تواصل الارتفاع فى الآونة الأخيرة، حيث شهد بيع السندات الصادرة عن تلك الدول ارتفاعًا كبيرًا بلغ ٤٧ مليار دولار فى مطلع العام الجاري، مما يعنى وجود مزيد من الضغوط التى بلغت ذروتها فى جائحة «كورونا»، والتى أوقفت النمو بصورة شبه كاملة.
وتابع الخبير، إن البنك الدولى أكد أن عوائد بعض السندات التى طرحت فى بلدان أفريقية أقل من عبء الدين، وهنا يمكن فهم التحذيرات الأخيرة من مخاطر ديون الدول الناشئة بشكل عام، فعندما يكون عليك دين بفائدة، يجعلك تعيش حالة من القلق، فى الوقت الذى لا تصل فيه العوائد إلى مستوى عبء الدين.
واستطرد الشوربجى كل هذا يأتى فى ظل اتجاه الاقتصاد العالمى لتسجيل أضعف أداء له منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما يعنى أن مسألة الديون ستكون حاضرة بقوة بضغوطاتها ومشكلاتها وتأثيراتها وسلبياتها فى المرحلة المقبلة، مع نمو بطىء متواضع وهو المتوقع فى المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذى يتطلب التفكير بمسألة إعادة جدولة معظم ديون البلدان الناشئة، مثلما حدث فى عام ٢٠٢٠ عندما أصيب العالم بجائحة «كورونا».
وكان البنك الدولى قد أشار فى تقريره للآفاق الاقتصادية العالمية فى يناير إلى أن الاقتصاد العالمى يتجه لأن يسجل خلال الفترة من ٢٠٢٠ إلى ٢٠٢٤ أضعف أداء لفترة خمس سنوات منذ ٣٠ عامًا، وتوقع تباطؤ النمو العالمى للعام الثالث على التوالى إلى ٢.٤٪ قبل أن يرتفع إلى ٢.٧ ٪ فى عام ٢٠٢٥.
أزمة الديون العالمية
أما عن أزمة الديون العالمية، أكد الشوربجى أنها تمثل تهديدًا وشيكًا لاستقرار الاقتصاد والتنمية المستدامة، بينما تُعد الإجراءات الفورية ضرورية لمنع مزيد من التصاعد، حيث يحث صناع السياسة وخبراء المؤسسات المالية الدولية على التعاون فى تدابير شفافة، وإعادة هيكلة الديون، وممارسات الاقتراض المستدامة.
وأضاف الخبير المصرفى أن خطورة الوضع القائم تتطلب التزامًا عالميًا للحد من المخاطر الاقتصادية المحتملة، مما يضمن توجيه الموارد الحيوية نحو القطاعات الأساسية للنمو الشامل والمستدام، لدعم الاقتصادات الناشئة التى تواجه تحديات فى جذب الاستثمار الأجنبي.
وشدد الخبير على ضرورة أن تتخذ تلك الدول خطوات لدعم عملاتها وتنويع شركائها التجاريين، لأنه فى حال ارتفاع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة، يميل المستثمرون إلى تفضيل الاستثمار فى أصول أمريكية وأدوات دين أكثر أمانًا.
ولمواجهة هذا قد تحتاج الدول الناشئة إلى تحسين بيئاتها الاستثمارية لجذب الاستثمارات الأجنبية، مثل تحسين البنية التحتية، وتعزيز الشفافية، وضمان الاستقرار السياسى والقانوني، ويتعين الأخذ فى الاعتبار تأثير التغيرات فى أسعار الصرف مع ارتفاع أسعار الفائدة، بما يؤدى إلى تعظيم دور الدولار أمام عملات الاقتصادات الناشئة، ما يزيد من تكلفة الواردات ويؤثر على التوازن التجاري.
ويتجلى تباطؤ النمو بشكل خاص فى الاقتصادات الناشئة، حيث لم يشهد نحو ثلثها أى انتعاش منذ ظهور جائحة «كوفيد-١٩»، ويظل نصيب الفرد فى الدخل أقل من مستويات عام ٢٠١٩، مع الأخذ فى الاعتبار أن الصراع فى الشرق الأوسط يشكل خطرًا آخر، إذ يزيد من المخاوف بشأن تشديد السياسة النقدية وتأثر التجارة العالمية.
إعادة هيكلة الديون
وأوضح الشوربجي، أنه إذا ظل النمو منخفضاً، فقد تضطر بعض الأسواق الناشئة إلى إعادة هيكلة الديون، وذلك من خلال إعادة جدولة استحقاقات الديون أو الموافقة على تخفيضات مع الدائنين، قائلًا: إذا ظل النمو ضعيفاً وظلت ظروف التمويل صعبة، فلن تشهد تلك الدول مخرجاً سهلاً لهذه المشكلة، ولكن إذا ارتفع النمو بشكل سحري، فسيكون ذلك بمثابة دواء وهذا مانأمله .
فيما حذرت مجموعة الضغط المصرفية التابعة لمعهد التمويل الدولى من أن «الاحتكاكات التجارية المتزايدة والتجزئة الجيواقتصادية الأعمق يمكن أن تقلل من قدرة الأسواق الناشئة على خدمة الديون الخارجية»، حيث تعانى العديد من الاقتصادات النامية من ارتفاع الديون المقومة بالدولار.
كما أن الاحتكاكات التجارية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية تمثل أيضًا تحديًا كبيرًا لأسواق الديون. فالقيود الأكثر صرامة على سلسلة التوريد، التى تغذيها سياسات الحماية الصناعية، يمكن أن تبقى التضخم وأسعار الفائدة أعلى من مستويات ما قبل الوباء. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يقوض تدفقات التجارة والاستثمار ويقلل بشكل أكبر من قدرة الأسواق الناشئة والحدودية على خدمة الديون الخارجية.
تحديات
ويقول الدكتور أحمد شوقى الخبير المصرفي، تواجه الدول الناشئة تحديًا كبيرًا يتمثل فى تراكم الديون بشكل متزايد، وسجلت هذه الدول ارتفاعًا ملحوظًا فى ديونها المقومة بالدولار، مما يزيد من أعباء خدمة الدين فى ظل تقلبات أسعار الصرف وارتفاع أسعار الفائدة.
وأضاف تعانى العديد من الاقتصادات النامية من ضغوط إضافية ناجمة عن الاحتكاكات التجارية المتزايدة والتوترات الجيوسياسية، التى تؤدى إلى قيود أشد على سلاسل التوريد وترفع مستويات التضخم.
وتتفاقم هذه الأوضاع بسبب سياسات الحماية الصناعية التى تعرقل تدفقات التجارة والاستثمار، مما يحد من قدرة هذه الدول على الوفاء بالتزاماتها المالية وخدمة ديونها الخارجية، وتسلط هذه التحديات الضوء على الحاجة الملحة للتعاون الدولى والسياسات الاقتصادية الرشيدة للتخفيف من أعباء الديون وتعزيز الاستقرار الاقتصادى فى الأسواق الناشئة، التى تراكمت ديونها لعدة أسباب كالتالي:
أسباب تراكم الديون
الاحتياجات التنموية: تسعى الدول الناشئة إلى تطوير بنيتها التحتية وتحسين مستوى الخدمات العامة مما يدفعها إلى الاقتراض لتمويل هذه المشاريع.
العجز فى الميزانية: تواجه العديد من الدول الناشئة عجزاً فى ميزانياتها نتيجة لمحدودية الإيرادات وزيادة النفقات، مما يجعلها تلجأ إلى الاقتراض لسد هذا العجز.
التقلبات الاقتصادية: تتعرض الدول الناشئة لتقلبات اقتصادية شديدة، مثل انخفاض أسعار السلع الأساسية التى تعتمد عليها اقتصادياتها، مما يؤثر على قدرتها على سداد الديون.
تأثير ديون الدول الناشئة على الاقتصاد
الاستقرار المالى العالمي: تشكل ديون الدول الناشئة جزءًا كبيرًا من النظام المالى العالمي. ارتفاع مستوى هذه الديون يزيد من المخاطر المالية ويهدد الاستقرار الاقتصادى العالمي.
التجارة العالمية: تعانى الدول الناشئة من ضغوط مالية نتيجة ارتفاع الديون، مما يضعف قدرتها على المشاركة بفعالية فى التجارة العالمية ويؤثر على النمو الاقتصادى العالمي.
الاستثمار الأجنبي: يزيد تراكم الديون من مخاطر الاستثمار فى الدول الناشئة، مما يؤدى إلى انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر ويؤثر سلباً على النمو الاقتصادى فى هذه الدول.