تحرص أغلب الكليات على تدريس مادة "مناهج البحث العلمي" لطلبة الفرقة النهائية للمرحلة الجامعية، وذلك تمهيدًا منطقيًّا لمن يستعد من بينهم للقيام بالدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه. وأرى أن المادة المفقودة في هذه المرحلة، والتي الجميع في أمس الحاجة إليها، وليس من يرغبون في الدراسات العليا فقط، هي "علم الإدارة". فكل دارس مهما اختلف مجال دراسته يحتاج لهذا العلم ليدير حياته وعمله، بل وقد يكون من المهم أن يدرس الطلاب هذا العلم الخطير والحيوي في مرحلة سابقة للتعليم الجامعي.
فغياب علم الإدارة عن حياتنا تسبب ويتسبب في مشاكل لا حصر لها. يظهر ذلك بوضوح مع التأمل في حياة عدد كبير من الموهوبين الذين لا تكفي موهبتهم مهما بلغت من سطوع وقوة من الاحتفاظ بالقمة والصمود أمام التقلبات الحياتية ومشاكل المجال المستمرة، ومن استثمارها بصورة مثلى تفيدهم وتفيد المجتمع. فمن يستطيع أن ينكر حجم وتوهج موهبة الفنان الكبير "سعيد صالح"، ولكن من المؤسف أن تقارن إنتاجه الفني بحجم موهبته الفذة، لتجد إهدارًا متعمدًا لموهبة طاغية في عدد كبير من أفلام المقاولات قليلة الإنتاج والقيمة. وهناك أسماء عديدة لا يمكن حصرها تكشف عن فواجع أثر عجز إدارة الموهبة. يمكنك أن تستمع لأغنية "غالي عليا" وأغنية "لو سلمتك قلبي" لمطرب جميل اسمه "كمال حسني"، وسوف تتعجب من غياب هذه الموهبة الجميلة وسقوطها سريعًا، وعجزها عن إدارة موهبتها أمام ذكاء وإدارة عبد الحليم حافظ. أيضًا هناك المطرب "عماد عبد الحليم" الذي منحه حليم اسمه، وامتلك حنجرة ذهبية وأخذ فرصًا سينمائية ثم سقط في نهاية سوداء، ما بين شهرة كبيرة وخواء عقلي يأتي الترنح سريعًا. وأمام هذه الأمثلة نجد على الجانب الآخر مواهب أدركت أهمية الامتلاء الثقافي والقيادة الحكيمة - حتى بدون دراسة - تأمل كيف استفادت "أم كلثوم" من الشاعر الكبير "أحمد رامي"، وكيف نهلت "سعاد حسني" من مواهب بحجم "عبد الرحمن الخميسي" و"إبراهيم سعفان" و"صلاح جاهين". قد يقول البعض إنه لابد من وجود مؤسسات تقود وتدير المواهب، ولكن صاحب الموهبة أيضًا لابد أن يدرك خطورة أن تكون موهبته في مهب الريح بلا علم يسند ويوجه ويقود. أطرح هذا بسبب الخطر الذي أجده يحدق بموهبة صوتية رائعة ومتميزة وفريدة هي "شيرين" صاحبة الصوت الشجي والحس العالي، وطوفان من المشاكل الشخصية التي تؤثر بلا شك على نعمة صوتها الساحر. "شيرين" في حاجة لتثقيف ذاتي وإدارة علمية. "شيرين" في حاجة إلى "هالة" تحافظ على موقعها الفني من خواء كبير وأمور شخصية. ترى من يعلم "شيرين" هذا العلم المرذول في واقعنا؟
إفيه قبل الوداع:
- "شيرين" من النهاردة مفيش ألوان... مفيش أحزان.
- كده فيه لخبطه يا فنانة... مفيش أحزان يبقى فيه ألوان؟