فى ثانى حلقات ملف أدب الطفل تواصل البوابة نيوز طرح التساؤلات حول "ملف الكتابة فى أدب الطفل"، وتطرح التساؤل الأكبر "هل أدب الطفل هو أدب درجة تانية؟ لم يكن طرح التساؤل من فراغ وإنما نابع من تلك النظرة التى ينظر بها لأدب الطفل أو كتاب أدب الطفل سواء على مستوى نوعية الجوائز التى تقدم لهذا النوع الأدبى أو على مستوى عددها، أو حتى دور النشر التى تتعامل مع أدباء وكتاب أدب الطفل.
فى هذه الحلقة نتحاور مع بعض كتاب أدب الطفل ومسئولين لكتب الأطفال بدور النشر الكبرى حول مساواة كتاب أدب الطفل بالكتاب الذين يكتبون الأنواع الأخرى من الكتابات الإبداعية كالرواية والقصة القصيرة والشعراء أيضًا، لماذا لا يعامل كتاب أدب الطفل مثل غيرهم من الأدباء؟ هل حقًا ينظر إليهم باعتبارهم كتابا من الدرجة الثانية، وأن كتابة قصص الأطفال هى كتابات صغيرة لا تتعدى الصفحات القليلة ولهذا لا يكون له نفس شأن كُتاب الأنواع الأدبية الأخرى؟ هذا ما سنعرفه فى تلك الحلقة والتى تحدثت فيها الكاتبة سماح أبوبكر عزت أحد أهم كتاب أدب الطفل فى الوقت الراهن، والكاتب محمد سيد عبد التواب الناقد والأكاديمى وعضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى ومدير نشر كتب الأطفال بدار نهضة مصر.
كتبت – سمية أحمد
سماح أبوبكر عزت: الكتابة للطفل صعبة وتحتاج مهارة خاصة والجوائز التى تقدم لكتاب الاطفال لا تقارن بما يقدم لأدب الكبار ومن ينظر لأدباء الطفل باعتبارهم درجة ثانية لديهم قصور
قالت الكاتبة سماح أبوبكر عزت لـ "البوابة نيوز": "أن من ينظر إلى كتاب أدب الطفل باعتبارهم كتابا من الدرجة الثانية، يؤسفنى أن أقول إن العيب فيهم هم، فأدب الطفل هو أدب رفيع، والكاتب الحق هو من يعرف أن الكتابة للطفل هى أصعب من الكتابة للكبار، لأن كاتب أدب الطفل، يكتب لشريحة تحتاج إلى مهارة فى توصيل الرسالة أو المعلومة والتى تتطلب ألا تكون بشكل بسيط وسطحى وألا تكون مكتوبة بشكل معقد".
الجوائز وأدب الطفل
ولفتت "أبوبكر" إلى أن الجوائز التى تقدم لأدباء أدب الطفل لا تقارن بما يقدم من جوائز لأدب الكبار أو الأنواع الأدبية الأخرى، قائلة: "أرى أن ما يقدم من جوائز لأدب الطفل لا تقارن مع ما يقدم للأنواع الأدبية الأخرى وإن دل ذلك فإنه يدل على قصور، وهذا لا يتنقص من أدب الطفل، إطلاقًا، فالجوائز مهمة ولكنها ليست المعيار الذى يحدد مدى نجاح أو مدى تفرد الكاتب، فالجوائز مهمة ولكن أدب الطفل فى حد ذاته يستحق الكثير من الاهتمام، وأرى أنه كلما نضجت المجتمعات وارتقت كلما اهتمت بأدب الطفل ، لأن أدب الطفل هو الركيزة الأولى التى تعمل على تشكيل وجدان الطفل، والقادر على تشكيل شخصيته، والقادر على فتح أفق جديدة للتفكير والإبداع، والقادر على تنمية الخيال، وبالفعل لا توجد جوائز قيمة تقدم لأدباء الطفل".
كاتب من الدرجة الثانية
وعن نظره المجتمع لكتاب أدب الطفل باعتباره كاتبا درجة ثانية، تلك النظرة التى ينظر بها إلى كتاب أدب الطفل بغض النظر عن صعوبة الكتابة للطفل قالت "سماح أبو بكر":" أنا عمرى ما شوفت نفسى كاتب من الدرجة الثانية، بل على العكس، فأنا أرى أن الكتابة للطفل هى فخر وشرف، ولم أرى فى يوم من الأيام أن هناك أى شيء ينقصني، أو حتى تمنيت يومًا أن اكتب للكبار، فلم أفكر فى الكتابة للكبار مطلقًا، كما أننى أرى أن من يكتب للأطفال وعينه على الكتابة للكبار، أو الذين يأخذون الكتابة للطفل وكأنها الصعود لنقطة أكبر، وأرى أن الكاتب الذى يكتب للأطفال وعينه على الكتابة للكبار ليس بالكاتب الأصيل، وأن كاتب الأطفال الحقيقى هو من يشعر أنه يقدم تضيف له أولاً ثم تضيف للأطفال؛ ولا يفكر مطلقًا فى الكتابة للكبار" .
مقومات كاتب أدب الطفل
وباعتبار أن الكتابة للطفل هى من أصعب أنواع الكتابات الإبداعية، فإن كاتب أدب الطفل يجب أن يتمتع بصفات عدة، ومقومات شخصية تجعله يستطيع الولوج إلى عقلية الطفل، وفى هذا الشأن تقول الكاتبة "سماح أبو بكر عزت" :" أن أهم المقومات التى يتمتع بها كاتب أدب الطفل، أنه لابد وأن تكون طفولته حيَّة، وأن يعرف جيدًا كيف يدخل إلى عقلية الطفل، كيف يفكر؟ ماهى مشكلاتهم؟ ما هى أحلامهم؟ وأن يكون بداخلة الفصول الأربعة فى لحظة واحدة، يعرف متى يكون حكيمًا؟ ومتى يكون طفلا صغيرًا يملأ الأجواء صخبًا؟، فكاتب الأطفال الحقيقى يعرف كيف يكون متفردًا.
يلعب أدب الأطفال دورًا حاسمًا وحساسًا فى الدفع بالطفل إلى الابتكار وتنمية قدراته وطاقاته الإنتاجية والابتكارية، فهو يحوى على الكثير من المعارف والخبرات المتنوعة، التى ينهل منها الطفل المعرفة وتنمية خياله وتوسيع مداركه، كما أن أدب الطفل يخلق سياقًا اجتماعيًّا ونفسيًّا جيدًا للطفل، كما أنه يعتبر البنية الأساسية الأولى لاكتشاف مواهب الطفل واستثارتها، ويمثل ثقافة جزئية مؤثرة على الطفل فى المرحلة العمرية التى ينمو فيها معرفيًّا ووجدانيًّا، ومن خلال هذا الأثر الذى يخلفه أدب الطفل، لايزال السؤال يطرح نفسه لماذا ينظر لأدب الطفل على أنه أدب درجة ثانية على الرغم من أهميته القسوة فى تنمية عقل الطفل وتوسيع مداركة.
وفى هذا الصدد كان لنا حوارًا مع الكاتب محمد سيد عبد التواب الناقد والأكاديمى وعضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة ومدير نشر كتب الأطفال بدار نهضة مصر.
تصنيف كُتاب أدب الأطفال كأدباء درجة ثانية خطأ كبير وفادح ويجب تغييره
محمد سيد عبد التواب: نحتاج إلى كتابات مدهشة وكاتب متفرد ينقلنا إلى عوالم مختلفة
وقال الكاتب محمد سيد عبد التواب لـ "البوابة نيوز" أنه للأسف فى العالم ينظر لأدب الطفل على أنه أدب درجة ثانية، فى حين أن كل الدراسات والأبحاث أكدت على أن أدب الأطفال هو أدب مستقل سواءً على مستوى الكتابة والنقد مما يؤكد أنه أدب مستقل"
متابعًا :" وأن تصنيف كُتاب أدب الأطفال باعتبارهم أدباء درجة ثانية، فهذا خطأ كبير وفادح ويجب تغييره، لأنه كاتب أدب الأطفال هو من يُعيد تشكيل وعى وتكوين وجدان الطفل على المستوى النفسى والعقلى والمعرفى والفكري، فكيف ينظرون إليهم تلك النظرة".
القراءة للأجنة
القراءة للطفل فى سن مبكر تجعل على الكاتب مهمة كبيرة حينما يكتب للطفل، فلابد أن يراعى عقلية الطفل والمراحل العمرية التى يمر بها، وأن يكون هناك توافق بين ما يقدمه من ألوان أدبية سواء على مستوى الشكل أو المضمون بما يتناسب مع المرحلة العمرية، وأيضًا بما يتناسب مع استعدادات الطفل الفكرية وقدراته الاستيعابية، ونستحضر هنا ما قاله رائد أدب الطفل الكاتب الكبير يعقوب الشاروني: "يجب أن يكون طول القصة مناسبًا لسن الأطفال، ففى السن الصغيرة قبل الخمس سنوات يجب أن لا تستغرق حكاية القصة أكثر من عشرة دقائق أو أقل من ذلك، لعدم قدرة الأطفال على التركيز لفترة طويلة ولسرعة إحساسهم بالملل"
ومن هنا تصبح مهمة كاتب أدب الطفل مهمة صعبة وفى هذا الشأن قال مسؤول النشر بدار نهضة مصر :" بالفعل كاتب أدب الطفل يُعيد تكوين عقلية الأطفال، وهناك الكثير من الأبحاث العلمية التى أكدت من خلالها ما أشيع من أخطاء حول المرحلة العمرية لأدب الطفل وأن القراءة للأطفال وهم فى مرحلة الأجنة وهو "فى بطن أمه" لها دور كبير فى تشكيل وجدان الطفل وأن قراءة الأم لطفلها القصص والحكايات والروايات تعمل على تشكيل هويته ولغته".
مستكملاً :" فعبر الأدب وقراءة الأم لطفلها وهو فى الشهور الأخيرة قبل ميلاده، سوف نفاجئ أن الطفل قد تشكل بحب الاستماع والقراءة والخيال، وهذا ما خلصت إليه أخر الأبحاث العلمية فى العالم كله، وهذه نقطة يجب أن نعيها تمامًا".
المجتمعات وأدب الطفل
ولفت إلى أن المجتمعات العربية سواء على مستوى المؤسسات أو حتى الأفراد دائمًا ينظرون إلى الأطفال باعتبارهم أقل شأنًا، ولهذا يجب أن نتحاور معهم فالعقل الجمعى للمجتمعات، يرى الطفل أقل شأنًا او أنه ليس له صوت، وهذا ما انعكس على كل ما يتعلق بالطفل حتى على مستوى الأدب المقدم له.
مضيفًا :"وهو ما انعكس أيضًا على عدد وقيم الجوائز التى تقدم لأدباء كتب الأطفال، ومنها جوائز الدولة، على الرغم من أن هذا حدث بشكل استثنائى مع الكاتب الراحل يعقوب الشارونى رائد أدب الطفل والذى حصل على جائزة الدولة عن مجمل أعماله، إلا أنه يظل مجرد استثناء، على الرغم من أن العالم كله بدأ ينظر لأدب الطفل بنظره مغايره، وهناك بعض الدول الأوروبية بدأت تدهم كتاب أدب الطفل والرسامين، وصناع كتب الأطفال أيضًا، باعتبار أن أدب الأطفال هو الذى يشكل وعى هذه المجتمعات، كما تقوم بعمل الإقامة وبدأت بعض الدول العربية تُعيد تشكيل رؤيتها حول الطفل" .
جوائز أدب الطفل
عن الجوائز التى تقدم لأدباء الطفل فى مصر أو فى الدول العربية قال الدكتور محمد سيد عبد التواب :" نحن فى حاجة ماسة إلى زيادة عدد الجوائز التى تقدم لأدب الطفل وأن تكون ضمن جوائز الدولة سواء التقديرية أو التشجيعية، كما أنه على الرغم من إطلاق جائزة كامل الكيلانى لأدب الطفل ، إلا أنها لم تمنح سوى مرة واحدة وبعدها توقفت، وهنا بعض الجوائز فى الدول العربية مثل جائزة زايد للكتاب، وغيرها من الجوائز، ولكننا نحتاج إلى تضافر الكثير من الجهات لزيادة الجوائز التى تقدم لأدب الطفل، وأن تتساوى قيمتها المادية بما يقدم فى الجوائز الأدبية الأخرى، فالجوائز تعطى أمل لكاتب الأطفال ويعطى حراك كبير فى أدب الأطفال ، وهناك جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب الكتاب، ولكننا نريد أن تزيد قيمتها المادية.
مواصفات كاتب أدب الطفل
وعن المقومات التى يجب أن يتمتع بها كاتب أدب الأطفال اضاف: "أديب الأطفال الجيد يجب أن يكون ملمًا بكل شيء باللغة وفنيتها وبالمدارس الأدبية ويتابع بشكل دقيق كل ما يطرأ على الساحة، وأن يكون ملمًا بمدارس العلوم فى كل التخصصات، وأن يفهم فى البعد النفسى للأطفال والأجهزة الحديثة التى يتعاملون عليها، وانماط تفكيرهم المتباينة، نحن فى حاجة إلى كاتب أطفال متكامل وملم بهذه التفاصيل، وقطعاً سيكون هناك أدب أطفال جيد وفى هذه الحالة يصبح لدينا أديب للأطفال مؤثر ولديه القدرة على الدخول إلى قلب وعقلية الطفل من خلال ما يقدمه من أعمال أدبية ، هو الذى يعيش والموهوب سيظل حتمًا حتى لو كان من أقصى الريف، وهناك يمكن كثير سوف يسقط وسوف يختفى.
معوقات أدب الأطفال
وعن المعوقات التى تواجه كُتاب أدب الطفل قال :" أن أى كاتب طفل يجب أن نعطى له قيمته من ناحية أن يتم تقدير عمله من دور النشر المختلفة، لأنه يقوم بعمل شيء مهم، ويجب تقديره على المستوى المادي، ويجب أن نشعره بذاته وقيمته فى المجتمع ، فلا يستطيع أن يبدع إذا شعر بعكس ذلك، لأن النفس لا تستطيع أن تكتب أدبًا حقيقًا، وأتصور أن تكريم الكاتبة سماح أبو بكر عزت من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسى هو اعتراف من الدولة بأهمية أدب الطفل، ولحظة فاصلة فى تاريخ أدب الطفل، والان علينا إعادة التكفير فيما يقدم للطفل ونحن نحتاج إلى كتابات مدهشة ونحن نحتاج إلى كاتب مختلف يستطيع أن ينقلنا إلى عوالم مختلفة.
يجب على الدولة إعادة النظر فيما يقدم له من جوائز
رعاية وتشجيع
ماجد أبادير: مقياس لتقدم الدول
الأطفال من أهم أعمدة بناء مستقبل المجتمعات
فيما قال الكاتب ماجد أبادير فى تصريحات خاصة لـ "البوابة نيوز" يقاس تقدم الدول بمدى حصول الطفل على حقوقه ، وفى الوقت الذى نجد الأطفال من أهم أعمدة المجتمعات المتقدمة، وتعطيهم الدول والحكومات بل والشعوب المتقدمة جل اهتمامهم، وهو ما نجده على النقيض فى المجتمعات العربية -بكل أسف - مازالت تنظر للطفل النظرة الأقل سواء فى الاهتمام والرعاية أو حصولهم على حقوقهم الكاملة .
واشار إلى استمرار العقاب الجسدى للأطفال فى بعض المدارس إذ قال: "فمازال العقاب الجسدى والنفسى سواء فى المدرسة أو داخل الأسرة لا نهاية له إلى يومنا هذا".
واضاف :" وإذا كنا بصدد الحديث عن الطفل والاهتمام به وما يقدم له من أدب فسنجد أن حتى ما يكتب للطفل من ابداع يأتى فى مستوى أقل من الابداع للكبار.. فلكم أن تتخيلوا أن رئيس اتحاد كتاب مصر يرى ذلك فلقد رفض طلب الشاعر عبده الزراع فى مساواة كتاب أدب الطفل بالأنواع الأدبية الأخرى للحصول على عضوية اتحاد كتاب مصر فى عدد ما يقدم من كتب، لكنه رفض رفضًا باتًا موضحًا أن قصص الأطفال أو الأشعار التى تكتب للأطفال لا تتعدى عدة صفحات قليلة، وهنا نظرية بالكم وليس بالكيف فلا يقاس الإبداع "بالمتر " وهذا غير مقبول شكلا وموضوعا .
مستكملاً :" أرى بكل بساطة أن الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة ولكن بكل أسف نحن نرى أن الطفل أقل من أن يلقى الاهتمام وأن يلقى ما يكتب له الرعاية والتشجيع .. ولذلك أرى أنه على الدول أن تتخذ من القرارات والقوانين التى تعطى الطفل الأولوية فى المجتمع منذ نعومة أظافره حتى يخرج لنا شاب سوى واثق من نفسه ملم بحقوقه وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه "