السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"فضيحة" في شركات للموضة العالمية تفتح فرصًا للمصريين!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لو كنتَ من مستعملي الماركات العالمية في الحقائب والإكسسوارات وغيرها من المنتجات الفاخرة لأشهر بيوت الموضة فقد لا تحبذ استكمال قراءة هذا المقال، خوفًا مما قد يصيبك جراء الحسرة على أموالك التي تذهب هدرًا في مقابل تلك المنتجات. 

يكفي أن تعرفَ أن الحقيبة من إحدى تلك الماركات، التي يتراوح ثمنها بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار أو يورو، لا تتكلف أكثر من ستين دولارًا! أما لو كنت من المستثمرين الجادين الباحثين عن الفرص، فهذه واحدة من الفرص التجارية الواعدة ويمكن أن تحقق من ورائها الشهد، كما يقال، خاصةً إذا كانت لديك خبرة في صناعة الجلود.

الفرصة تتلخص في أن شركات عالمية في منتجات الموضة تبحث عن مصانع لإنتاج ماركاتها الفاخرة خارج إيطاليا وبعيدًا عن احتكار الصينيين؛ والسبب مخالفات الموردين في إيطاليا لهذه المنتجات والتي تهدد بالإطاحة بسمعة وعرش تلك الماركات. القصة كشفت عنها تحقيقات الشرطة الإيطالية بالنسبة لعدة علامات تجارية، ولم تذكر وسائل الإعلام بشكل واسع ومحدد إلا علامتين بالاسم، هما "ديور" و"أرماني"، إضافة الى علامة ثالثة في إشارات قليلة هي "الفييرو مارتيني"، حيث داهمت قوات الشرطة مصانع لموردي الحقائب الفاخرة لتلك الشركات فوجدت استخدامًا للأطفال في العمل غير القانوني وكذلك للمهاجرين بدون تصريح، بالإضافة لموظفين إيطاليين دون تصاريح عمل. كما لاحظت الشرطة الظروف الصعبة التي يعملون بها في مقابل أجور زهيدة، رغم كونهم يصنعون منتجات فاخرة تباع بالآلاف.

وذكرت التحقيقات أيضًا أن عمليات التفتيش التي أجرتها الشرطة الإيطالية، في مارس وأبريل الماضيين، كشفت أن العمال كانوا يعملون في "ظروف صحية ونظافة أقل من الحد الأدنى المطلوب وفقًا لقانون العمل والنهج الأخلاقي". وأشارت كذلك إلى أن آلات ومعدات العمل تم إزالة أجهزة الأمان منها لزيادة الإنتاجية، كما يعيش العمال ويأكلون وينامون في نفس الورشة التي يعملون فيها. وقد اطلع المحققون على بيانات استهلاك الكهرباء التي أظهرت أن ساعات العمل في الورشة تمتد من السادسة صباحًا إلى بعد التاسعة مساءً، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع والأعياد. وذكر العمال الذين تم استجوابهم أنهم يتقاضون ما بين (2-3) يورو في الساعة. 

ونتيجة لذلك، وضع القضاة إحدى الشركات التابعة لديور تحت ما يسمى بالإدارة القضائية، في يونيو الماضي، من أجل المراقبة وتقديم التحديثات للمحكمة، وذكروا في أمر قضائي، مكون من 34 صفحة، كافة المخالفات المرتكبة من شركات تابعة مباشرة للشركات العالمية أو موردين لها. وقد اتضح أن سلسلة التوريد تشمل شركات مملوكة لصينيين في إيطاليا تسيء معاملة العمال المهاجرين. وأظهرت الوثائق القضائية أن العلامة التجارية "ديور" قدمت مؤخرًا مذكرة توضح الإجراءات التي اتخذتها لحل المشكلات في سلسلة التوريد الخاصة بها. كما وضعت العلامة "أرماني" بدورها إجراءات لمراقبة ومنع الانتهاكات في سلسلة التوريد. 

وكان الأمر القضائي المتعلق بشركة ديور قد شمل أربع شركات في منطقة ميلانو ضمن سلسلة توريد منتجات هذه الشركة الفرنسية الأصل، اثنتان منها تزودان العلامة التجارية مباشرة. كما تم اتخاذ الإجراء نفسه ضد العلامة أرماني، الإيطالية الأصل، وذلك في إبريل الماضي، والذي يوضح كيف قامت إحدى الشركات التابعة لها بتوظيف موردين فرعيين، والذين وظفوا بدورهم عددًا من المقاولين الفرعيين المملوكين لصينيين في إيطاليا. كما صدر حكم في يناير الماضي ضد علامة ألفييرو مارتيني، المعروفة بحقائبها المطبوعة بالخرائط وغيرها من المنتجات، والتي ذكرت أن اثنين فقط من بين أكثر من 40 موردًا قد أسندا أجزاء من الإنتاج بشكل غير مشروع إلى أطراف ثالثة دون علم الشركة. 

هذه التحقيقات نشرتها بشكل واسع العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، منها وول ستريت جورنال وبزنيس انسايدر. ولا تخفى الدوافع التي تجعل الأمريكيين يهتمون بهذه القضايا؛ وهنا ابحث عن المنافسة التجارية "وصاحب كارك عدوك" كما يقول المثل؛ والمستفيدون من فضح هذه الممارسات غير القانونية هم بالتأكيد المستهلكون لهذه المنتجات الفاخرة الذين من حقهم التعرف على رحلة المنتج في عملية التصنيع وحتى الوصول إلى الأسواق، خاصة في ضوء هذه المعلومات التي تثير تساؤلات حول تكلفة الإنتاج القليلة في مقابل ارتفاع أسعار تلك المنتجات بشكل جنوني حيث يدفع فيها المستهلكون آلاف الدولارات. وتنتج إيطاليا حوالي نصف السلع الفاخرة التي تباع حول العالم (50٪؜)، حسب أرقام شركة استشارات تدعى "بان". 

وقد دارت نقاشات مطولة واجتماعات كثيرة داخل شركات الموضة العالمية منذ بداية الألفية الثانية حول جدوى استمرار تصنيع منتجاتها في إيطاليا أو الاتجاه نحو الصين أو دول أخرى ذات أجور منخفضة، مثلما فعلت بعض العلامات التجارية. وكان قرار العديد من العلامات التجارية الفاخرة بالاحتفاظ بخطوط الإنتاج في إيطاليا نظرًا لاعتقادهم أن شارة "صنع في إيطاليا" ستكون عاملًا حاسمًا في استمرار إقبال المستهلكين على تلك المنتجات مقارنة بتلك المصنَّعة في الصين أو دول أخرى مثل ألبانيا وماليزيا وبنغلاديش وغيرها. لكن الحل الذي اهتدى إليه الموردون الإيطاليون لهذه المنتجات بعلامة "صنع في إيطاليا"، هو جذب الصينيين للقيام بالمهمة بدلًا من الذهاب إليهم. وعمد الصينيون إلى تصنيع تلك السلع الفاخرة بواسطة عمال، كثير منهم من الصينيين والمهاجرين، يؤدون عملهم في ظروف سيئة وبعيدة عن المعايير القانونية. وأغمضت الشركات -على ما يبدو لفترات طويلة-أعينها عن هذه المخالفات من أجل تحقيق أرباح فلكية. 

ولم يعد هذا "التطنيش" ممكنًا الآن بعد الأمر القضائي الصادر بحقها والذي يهدد بالإطاحة بعرشها. ولا مفر أمامها سوى الانتقال إلى التصنيع داخل دول يتوفر بها أجود الخامات وأرخصها مع انخفاض تكلفة الإنتاج؛ ومن بين المرشحين بقوة لذلك مصر والمغرب، وربما يفوزان معًا بذلك؛ وستبذل الصين كل ما تستطيع من سبل حتى تفوز بتلك الصفقات؛ غير أن ما تم ارتكابه من المقاولين الصينيين داخل إيطاليا قد يعيق إتمام الصفقة مجددًا وإسنادها إلى الصين. والجهد مطلوب من القطاع الخاص والحكومي في مصر الآن وبإخلاص ومثابرة من أجل الفوز بالصفقة، ولعلنا قد نحتاج للدعاء أيضًا!