تناولت الإعلامية داليا عبد الرحيم، رئيس تحرير جريدة البوابة، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، أهم وأخطر ركائز جماعة الاخوان التنظيمية والحركية منذ النشأة وحتي الآن.
وأوضحت "عبدالرحيم"، خلال تقديمها برنامج "الضفة الأخرى"، المذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن قصة البداية تعود لحرص المرشد الأول المؤسس حسن البنا على تأكيد عالمية فكرته ودعوته وجماعته، والذي أكده أول إعلان للنظام الأساسي للإخوان، كما سعى "البنا" مبكرا لتحقيق هذا الهدف، ونجح في تشكيل أول فرع خارجي للإخوان في جيبوتي عام 1933، بعد أن التقى بعدد من الطلاب الذين يدرسون في مصر من جيبوتي، وفي عام 1935 اتخذ المؤتمر الثالث للجماعة قرارا بتعميم الدعوة وتشكيل الفروع في الخارج.
وأضافت ، أنه بداية من النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي، توسع الإخوان في إنشاء الفروع ، فكان الفرع السوري في عام 1945، ثم فرع القدس والفرع السوداني 1946، فرع الاخوان في شرق إفريقيا في إريتريا وفرع المغرب في تطوان، لافتة إلى أنه أول فرع في منطقة الخليج العربي فرع الكويت في عام 1947 وفرع بغداد العراق في نفس العام، وتأسس فرع لبنان عام 1949، وشهدت تلك الفترة تأسيس شعب إخوانية في إندونيسيا وسيلان وباكستان وإيران وأفغانستان وتركيا.
وأشارت إلى أنه حسب الوثائق الإخوانية كانت تلك الفروع تنشط تحت مسمى " قسم الاتصال بالعالم الخارجي "، وعقب الصدام مع الحكم في مصرفي 1954 بعد محاولة اغتيالهم لعبد الناصر المعروفة بحادثة المنشية وما ترتب عليها من تضييق وسجون وفرار لمن بقى من القيادات الإخوانية، ومع غياب الإدارة المركزية للجماعة " مكتب الإرشاد "، أسندت إدارة الجماعة الي "المكتب التنفيذي للإخوان في البلاد العربية" ، الحال الذي استمر حتي منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
وتابعت :"هنا لابد من الإشارة إلي الدور المهم الذي قام به سعيد رمضان زوج بنت حسن البنا والذي أسس " المركز الإسلامي " في ميونخ بألمانيا والذي يعتبر في رأي المتابعين لتاريخ ومسيرة الجماعة، بل وحتى في رأي قيادات إخوانية كبيرة ، أن هذا المركز كان بمثابة الميلاد الحقيقي للتنظيم الدولي، ومع التفاهمات التي حدثت بين الرئيس السادات والجماعة، والإفراج عن الإخوان ومنحهم سماحيات للحركة في الداخل والخارج، سارعت قيادات الإخوان في إعادة هيكلة التنظيم الدولي وتقوية آلياته ، وكان لمصطفي مشهور دور كبير في هذا الشأن ، وحرص مشهور ومعه مأمون الهضيبي علي ضمان سيطرة إخوان مصر علي قيادة التنظيم الدولي في مواجهة التنظيمات القطرية " الفروع "، وذلك بأن يكون مرشد التنظيم الدولي هو مرشد مصر، وأخذ البيعة له من قادة الفروع، وحرص إخوان مصر-اقصد القيادات الإخوانية المصرية- على السيطرة على شبكة التنظيم الدولي وشبكة الاستثمارات المالية المرتبطة بالتنظيم الدولي.
واستطردت : أن وثيقة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان صدرت في يوليو 1982والتي أكدت أن كل تنظيم قطري -تقصد فرع للجماعة جزء من التنظيم الدولي- ومرشد أو مراقب الفرع يعطي البيعة للمرشد العام في مصر، وعقد وقتها اجتماع لمجلس الشوري العالمي، والذي كانت اغلبية قيادته لإخوان مصر، ومن هنا بدأت تظهر الاختلافات والمشاكسات من بعض الفروع مع القيادة المصرية المهيمنة، وتركز الخلاف حول : هل التنظيم الدولي اطار قيادي ملزم في قراراته لكل الفروع القطرية ؟، ام هو اطار تنسيقي ؟، ام مكتب اتصال بين تنظيمات مستقلة، وبقيت السيطرة المصرية علي المناصب والملفات المهمة تمثل حالة غبن تحول الي سخط وسرعان ما أصبح نقد وتعنيف قاسي ، قاد الي خروج وانسلاخ عن التنظيم ..وكان الفرع السوداني بقيادة حسن الترابي اول من خلع عباءة التنظيم الدولي ورفض الانصياع لأوامر ورؤى جماعة مصر كما كان يطلق عليهم، وتصاعدت الانتقادات والتململ من توجيهات القيادة في فترة التسعينيات، وجاء غزو العراق للكويت ونشوب حرب الخليج الثانية.
وأوضحت أنه مع تحول جماعة الاخوان من تنظيم شديد السرية الي ما اطلق عليه من منتصف تسعينيات القرن الماضي " لتنظيم نصف علني"، وما صاحب ذلك من ثورة معلوماتية وانفتاح علي شبكات التواصل الاجتماعي، لتتصاعد أصوات النقد والرفض لوصاية مكتب ارشاد مصر علي أولويات ورؤى الفروع القطرية، وما تعرضت له بعض الفروع من ضربات وملاحقات امنية وتضيق في بلدانها بسبب علاقاتها بالتنظيم الدولي، ليتواصل الانسلاخ والتمرد والخروج عن التنظيم الدولي، وشهدت فروع انقسامات داخلية، فريق رفض الاستمرار في الولاء للتنظيم الدولي، وفريق استمر في التواصل مع "القيادة الأم".
وتابعت أن احداث 11سبتمبر 2001 ، وما تلاها من سياسات ومعالجات اتخذتها أمريكا وحلفائها، في مراقبة أنشطة، وتتبع مصادر تمويل واستخدام اليات المراقبة الرقمية وتعزيز واستحداث بعض التشريعات القانونية والتدابير الأمنية ...وهي أمور القت بظلالها على مسار التنظيم الدولي، وسعت جماعة الاخوان وتنظيمها الدولي في مواجهة تلك المصاعب لإنتاج رؤية واستراتيجية، وتعتمد على التسلل الناعم خاصة في أوروبا وأمريكا وتركز على العمل الخيري ومنظمات المجتمع المدني وضخ استثمارات و تخليق كيانات اقتصادية ومالية بالشراكة مع هيئات وافراد في تلك البلدان.
ولفتت إلى أن تحركات ونشاطات التنظيم الدولي للإخوان في أوروبا اتخذت أشكال وأساليب مختلفة من خلال هيئات ومؤسسات وجمعيات أهلية وخيرية، وأن هذه الجمعيات والمؤسسات تتشكل وتكتسب شرعية قانونية وفقا للقوانين والاشتراطات المعمول بها في أوروبا وتنجح كوادر الاخوان في الهيمنة عليها واداراتها لتحقيق اهداف الجماعة في التواجد وبث خطابها الدعوي والدعائي خاصة بين الجاليات الإسلامية في أوروبا مع التركيز علي التجمعات الشبابية والطلابية.
وتساءلت داليا عبدالرحيم، إلي أي مدى تمثل استراتيجية التسلل الناعم لخلق مناطق نفوذ وتواجد في محيط الجاليات العربية والإسلامية كمقدمة لخلق نفوذ وتأثير في عموم المجتمعات الاوروبية؟، وإلي أي مدى تمثل هذه الاستراتيجية خطرا على أمن واستقرار المجتمعات الاوروبية ؟.
وأكدت أن مخاطر الأفكار المتطرفة تستوجب التصدي لها وتأمين المجتمع من أضرارها، جهدا وحسما لا يقل ابدا بل ربما يزيد عن الجهد والحسم الواجب في التصدي لرصاص العمليات الإرهابية، كما أنه مازالت بعض الدول غير جادة ولا نقول غير مدركة لمخططات وأخطار التسلل الإخواني لشرايين مجتمعاتها، مع أن تلك المخططات باتت واضحة، وما اكثر التقارير والدراسات و الآراء التي اشارت لها على الصعيد الأمني والسياسي والاجتماعي والثقافي.
وأوضحت داليا عبدالرحيم، أنه خلال الأعوام الأخيرة تناولت تقارير أجهزة أمنية أوروبية، ونشرت صحف ومحطات أوروبية كبيرة تقارير تكشف عن رشاوي مباشرة أو دعم مالي لأحزاب أو شخصيات سياسية وحزبية ونواب برلمان تمت عن طريق وسطاء، أو بشكل مباشر من هيئات أو أفراد على علاقة بجماعة الإخوان، ووصل الأمر لتقديم دعم مالي من جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي لمنظمات أو مراكز بحثية تنشط في مجال حقوق الانسان، لأعداد تقارير داعمة للإخوان ومواقفهم السياسية.
وقالت إن جماعة الإخوان دخلت مرحلة وحالة غير مسبوقة عبر مسيرتها التي اقتربت من المائة عام، وأنه يمكن أن نشير هنا لعمق وشدة الصراع الجيلي، أي صراع العضوية الشابة والكوادر الوسطي مع جيل القيادات التاريخية وصراع التيار المتشدد "القطبيون" مع تيار جيل الوسط، وصراع الداخل مع صراع الخارج، وصراع التشدد من بقايا مكتب الارشاد في الخارج مع تيار التهدئة في قيادة التنظيم الدولي التي تعيش رموزه في أوروبا منذ عقود طويلة.
وأوضحت قائلة: :"اننا امام حال وواقع يقول ان الجماعة توشك على الوصول لخط النهاية، وفي افضل الأحوال بالنسبة لها طبعا ستخرج ، إن خرجت من محنتها الأخيرة المسيطرة على كل تفاصيلها جماعة أو بالأدق جماعات وبؤر وتكتلات ورؤوس عديدة متناطحة ، ولعل ما يرجح وصول الجماعة لخط النهاية إصرارها ورفضها واستنكارها لأي صوت أو نصيحة تقدم لها من داخل الصف الإخواني أو من خارجها للإقدام على عملية نقد ذاتي أو مراجعة لأفكارها أو ممارساتها في الماضي البعيد أو في سنواتها الأخيرة وبالتحديد في سلوكها وممارساتها في الثلاثين عاما الماضية.
واختتمت داليا عبدالرحيم :"أن واقع الحال يؤكد علي أننا أمام جماعة ترفض الاعتراف أو الاعتذار عن اخطائها، بل تفاخر بها وتمجدها وتزهو بها، جماعة أدمنت الاتكاء على تقديم نفسها في ثوب الضحية المغدورة، جماعة تري ان انكسارها وابتلائها ومحنتها هي مدخلها لكسب التعاطف وطريق نصرتها وخروجها من المحنة، وكأنها غير مدركة ان محنتها هذه المرة جاءتها من داخلها، وانها وقد سقطت عنها تلك الأقنعة وتكشفت حقيقتها، بفضل جرائمها ورغباتها المحمومة في الاستحواذ والهيمنة والسيطرة والاستعلاء والخداع، سقطت معها رايتها المتسترة بالدين، زيفا وبهتانا وعلى الباغي تدور الدوائر".
ومن جانبه قال مصطفى كمال الباحث في شؤون الأمن الإقليمي، إن بداية التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الذي اعلن بشكل رسمي في 29 يونيو 1982 وظهور لائحته الخاصة باسم "النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، موضحا أن تنظيم الإخوان الدولي مر بعدة متغيرات قبل وصوله للشكل الحالي وأخذ ثلاثة أشكال تنظيمي في أكثر من حقبة زمنية.
وأضاف كمال، خلال مشاركته في برنامج "الضفة الأخرى" الذي تقدمه الإعلامية داليا عبدالرحيم على قناة "القاهرة الإخبارية، أنه في الثلاثينيات أخذ الشكل التنظيمي الأول وهو كقسم للاتصال السياسي بالعالم الإسلامي وكان هدفه هو ، إنشاء أفرع لجماعة الإخوان في العالم الإسلامي واجتذاب القيادات الإسلامية الموجودة في الدول العربية.
وتابع أنه في الأربعينيات أخذ شكل تنظيمي أخر وأكبر بعد أن قامت الأفرع الرئيسية في العالم الإسلامي بالعمل سواء كانت في إندونيسيا أو جيبوتي أو المغرب أو السودان أو الأردن، وأخذ شكل جديد باسم المكتب التنفيذي، الذي كان يعمل كوسيط بين التنظيم في القاهرة و الفرع الرئيسية.
وأشار إلى أنه منذ أن جاء مصطفي مشورة الذي يعد الأب لهذه التنظيم بشكله أساسي وعمل على تقويته عن طريق أن يكون رسالة مثل التي أرساه حسن البنا في عام 1928، بأن تكون الجماعة عاملية الرسالة.
وفى نفس السياق ، قالت أمنة فايد، باحثة في شؤون الإرهاب والتطرف، إن جماعة الإخوان اتخذت نمط للتوغل في المجتمعات الغربية بهدف تحقيق هدفها الأساسي وهو الوصول لأستاذية العالم وبناء دولة الخلافة الإسلامية وفقا لفكر مؤسسها حسن البنا.
وأضافت فايد، أنه لتحقيق هذا الهدف استخدمت جماعة الإخوان مجموعة من الاستراتيجيات والأدوات التي اتسمت بالاستراتيجيات الناعمة من خلال الأدوات التعليمية والثقافية والدينية والاجتماعية وغيرها.
وأشارت إلى أنه في خمسينيات القرن الماضي من بعد تأسيس سعيد رمضان، ثم تم تأسيس المركز الإسلامي في جينيف 1961، الذي كان نواة وجود الإخوان في الغرب، والبداية الأساسية لبداية نشاط جماعة الإخوان في المجتمعات الغربية، لافتة إلى أن الهدف الأساسي من هذا المركز هو دمج المهاجرين وتكييفهم في المجتمعات المحلية.
ولفتت إلى أنه بعد ذلك تنامت وتزايدت اعداد الأفرع والمؤسسات التابعة بجماعة الإخوان فى مختلف الدول الغربية منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا وغيرهم، مؤكدا أن جميع هذه المؤسسات والجمعيات كانت ولازالت تعمل تحت مظلة مجلس مسلمي أوروبا.
من ناحيته، أوضح منير أديب الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، إن تنظيم الإخوان تعرض لعدد من الانقسامات والانشقاقات ربما لها علاقة بطبيعة ما يحدث داخل التنظيم، ولكن هذا انعكس بصورة كبيرة على وضعية التنظيم الدولي، خاصة إن الجبهات المنشقة والمنقسمة على بعضها البعض، هذه الجبهات بعضها شأن ما يسمي بالتنظيم الدولي .
وأضاف أديب، أنه إذا افترضنا أن جبهة كبيرة مثل جبهة إبراهيم منير، هذه الجبهة التي كان يتولى فيها الراحل إبراهيم منير منصب القائم بأعمال مرشد الإخوان، وكان يتولى أمانة التنظيم الدولي، لافتا إلى أنه عندما رحل إبراهيم منير تولي خلفه صلاح عبدالحق، وبالتالي ترك إبراهيم منير عددا من التلاميذ الذين كانوا يقودون التنظيم الدولي وفي نفس الوقت يقودون قيادة التنظيم المركزية في القاهرة بعد عام 2013.
وأشار إلى أن ما حدث في قيادة التنظيم في القاهرة من انشطار وانقسام انعكس بصورة كبيرة على وضعية التنظيم الدولي، وعلى أفرع التنظيم في عدد من الدول العربية وغير العربية، ولذلك أن ما حدث في تونس وفي المغرب من تراجع كبير للحركة، بالإضافة إلى ما حدث في عددا من الدول العربية.