الخميس 14 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

مصر وصربيا.. عقود من الصداقة والتبادل الثقافي

تمثالا الرئيسان السيسي
تمثالا الرئيسان السيسي وجمال عبد الناصر في متحف شمع مدينة يا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كلمته خلال افتتاح الجناح المصري بمعرض بلجراد الدولي للكتاب عام 2019، والذي حمل شعار "تاريخ ثقافي ورؤى متعددة" قال وزير الثقافة والإعلام الصربي -آنذاك- فلادان فوكوسافليفيتش إن مصر دولة تتميز بالتنوع والتعدد الثقافي، لافتًا إلى أن العلاقات المصرية الصربية تشهد تطورًا ونموًا ملحوظًا، وأن التطور الثقافي والاجتماعي لأكثر من خمسة آلاف عام، جعل الحضارة المصرية العلامة الأكثر رمزية للتراث الثقافي العالمي.

وفي الحدث نفسه، قال عمدة بلجراد زوران رادوجيتش، إن المعرض "فرصة للتعرف على الثقافة المصرية الخصبة"، وأن التبادلات الثقافية فرصة ممتازة للمواطن الصربي، وخطوة مهمة نحو دعم وتعميق التقارب بين البلدين.

وفي العام نفسه، شارك سفير مصر في بلجراد -آنذاك- عمرو الجويلى، في احتفالية كبيرة نظمها متحف شمع مدينة ياجودينا بمناسبة إقامة تمثالين للرئيس عبد الفتاح السيسي وللرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالمتحف، بمشاركة النائب الأول لرئيسة الوزراء ووزير الخارجية وقتها، إيفتسا داشيتش، وبمبادرة مشتركة لرئيس الجمعية النيابية لمدينة ياجودينا مع اللواء أحمد عبد الله محافظ البحر الأحمر السابق، في إطار التوأمة مع مدينة مرسى علم التي تم التوقيع عليها العام الماضي.

وبعد 5 سنوات من الفعاليات التي لم تتوقف بين البلدين، انطلقت في القاهرة فعاليات "أيام الثقافة الصربية في مصر"، بمناسبة مرور 116 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في تأكيد على أهمية الثقافة، ودورها الفاعل فى ربط العلاقات بين البلدين، واستثمار هذا النشاط فى التعريف بالتاريخ المشترك بينهما. 

وشارك في الفعاليات عدد من المؤسسات المصرية والصربية، من بينها وزارة الخارجية المصرية، الهيئة العامة لتنشيط السياحة، سفارة صربيا بالقاهرة، سفارة جمهورية مصر العربية في صربيا.

وتضمنت الفعاليات ندوة بعنوان "حركة عدم الانحياز ودورها العالمي"، أدارها الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة القاهرة، وندوة بعنوان "مصر وصربيا ـ علاقات ثقافية"، والتي شهدت عرض فيلم تسجيلي عن دولة صربيا. 

كما نظمت دار الكتب والوثائق القومية، بالتعاون مع الأرشيف الوطني الصربي، معرضًا ضخمًا يتضمن عرضًا لأبرز وثائق حركة عدم الانحياز، ومجموعة من الصور النادرة للمؤتمر الأول لرؤساء دول الحركة، الذي عُقد في بلجراد عام 1961 بمشاركة مصر؛ كما استضافت قاعة صلاح طاهر بالأوبرا، عددًا من المعارض الفنية والتاريخية الصربية، من بينها معرض للحرف اليدوية الصربية، ومعرض للصور الفوتوغرافية بعنوان "تجربة صربيا الجبال و الأنهار"، ومعرض يضم عددًا من مقتنيات السيدة الأولى زوجة الرئيس الراحل تيتو أحد مؤسسي حركة عدم الانحياز، والتي تحظى بتقدير بالغ من الشعب الصربي لدورها المجتمعي البارز خلال هذه الفترة.

 مصر التي في صربيا

بعد إقامتها فى قرية "ترشيش" مسقط رأس أبوالفلكلور الصربي فوك كارديتش، التى تبعد عن بلجراد العاصمة ساعتين بالسيارة، كانت الروائية مي خالد تضع خطوط كتابها "مصر التي في صربيا، والذي صدر عن دار "العربي للنشر" بالقاهرة، والذي مزجت فيه الوصف الأدبى بدقة المعلومة. 

ذهبت مي إلى صربيا بعد تلقي دعوة أثناء وجودها فى معرض الكتاب بلايبزج فى ألمانيا لإقامة أدبية فى صربيا. وقتها، طلب منها الداعي أن تسجل انطباعاتها بالطريقة التي تحلو لها، وستكون مرافقتها ليبوكا هى مرآتها فى تلك الرحلة؛ وكانت كل منهما تحاول معرفة عالم الأخرى، من خلال نقاشات وحكايات طويلة دارت بينهما على امتداد الكتاب.

في بداية رحلتها، كانت مي تكتب تعليقات ساخرة على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كانطباعات أولية عن المكان. كان من تلك التعليقات: "عندنا في صربيا: أول حاجة تشوفها وانت قاعد تنتظر شنطتك في المطار كلمات عن أديبهم الفائز بجائزة نوبل إيفو أندريتش، نفسي حد يشوف اسمي إنشالله وهو واقف مستني دوره في طابور العيش"، و"عندنا في صربيا: يقولولك القهوة عندنا مختلفة خالص فتطلع قهوة تركي، ويقولولك إن مرقة اللحم عندهم اسمها شوربة، والميكس جريل اسمه كباب، منه لله الاحتلال التركي"، وتعلق بسخرية تغلف لغتها: "حاولت ليوبكا أن تضع هذه التعليقات على جوجل للترجمة فظهر لها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأظنهم يعيدون النظر في أمري الآن"!

خاضت مي خالد رحلة للتعرف على طبيعة الشعب الصربي، الذي يكون شديد الكرم مع أي أجنبي، كمحاولة لطمس الصورة الذهنية التي ألصقها به الغرب، كما أن الصربي يفهم اللغة الإنجليزية لكنه يخجل أن يتحدث بها، لأن طريقة تعلمها في المدارس تعتمد على تلقين المعلومات في النحو والصرف وعدم الحرص على تعليم الطالب أن يفكر بالإنجليزية، وهكذا حين يفكر بالصربية ويتكلم بالإنجليزية يقول أشياء مضحكة.

وطوال الوقت، عقدت الكاتبة مقارنات بين صربيا ومصر، خصوصاً في العادات. مثلما ذكرت أن "الصربي يفتخر بأنه يعيش في بيت العائلة حتى بعد أن يتخرج ويعمل، وربما قامت الأسرة ببناء غرفة إضافية حين يتزوج، ويعيش أغلب الناس في عائلات ممتدة. 

في بعض الأماكن، كانت الكاتبة تشعر بأنها تعود إلى الوراء سنوات، تستخدم سيارات ماركات قديمة، تدخل أماكن غير مكيفة وتتذكر تذمرنا كمصريين من فاتورة الكهرباء رغم أننا لا نتنفس سوى هواء التكييف، تدخل في حوارات سياسية، تشاهد المنحيات الجبلية، تزور الأديرة والكنائس، وتصف المناطق الأثرية، وأماكن تشبه تشبه حي الزمالك وجاردن سيتي، وتدخل متحف الكاتب الحائز على نوبل إيفو أندريتش، أو شقته بشكل أدق، التي عاش فيها أجمل سنوات عمره مع زوجته، قبل أن تفارقه سريعاً مغادرة الدنيا، فيصبح زاهداً في الحياة حتى يلحق بها في 1975.

وفي البيت الذي خصصوه لسكنها، كانت مي تشم رائحة "عطانة محببة" حسب وصفها، والتي تذكّرها برائحة الشقق في الإسكندرية حين كانت تمتزج رائحة الرطوبة التي تتخزن في الجدران بعبق خشب الأثاث الداكن القديم؛ كما حاولت تقريب الصورة إلى القراء بأن تشبهها دائماً بأشياء في مصر "في طريق الذهاب إلى المطعم صباحاً لتناول الفطور سأبدأ في مصادقة المكان. طريقتي في تحقيق هذا الهدف هو أن أجد له شبيهاً في مكان آخر حبيب، الجداول المائية الساكنة بطول الطريق الترابي المدقوق تشبه ترعة المنصورية والطريق يشبه طريق الحرانية، إلا أنه على الجانب الآخر في مقابل الترعة تجد أدواراً من التلال الخضراء ليس بفعل حشيش عادي، بل لتراص ناطحات سحاب رشيقة من آلاف الأشجار".

ورغم أنها لا تطيق العيش سوى كمصرية، كان المكان يجعلها تكتشف جزءاً من شخصيتها، واختلافها، فكانت تكره جداً رؤية امرأة تصيح في جارتها من نافذة، أو شاب يخلع ملابسه ليشتبك مع أحد في الشارع، كما يحدث في مصر "هذا المكان يقول لي خذي نفساً عميقاً فأنت بخير. لست مزدوجة الشخصية، فقط تتمتعين بتوليفة خاصة. قليل من الشرق وقليل من الغرب مع تحويجة من روح الستينيات".

صربيا بعيون مصرية

في كتابه "صربيا فى عيون مصرية: ذكريات دبلوماسية ومذكرات ثقافية"، تناول سفير مصر السابق في بلجراد، عمرو الجويلي، في ثلاثة فصول، حكايات عدة عن البلد التي قضى فيها سنوات ممثلا للدبلوماسية المصرية.

وقد قدم الكتاب وزير الخارجية السابق، السفير سامح شكري، الذي أعرب عن تقديره فكرة تحرير كتاب عن العلاقات المصرية الصربية بشكل يعكس البعد الحضاري والأدبي فى العلاقات المتميزة التي تربط بين البلدين. ووصف الكتاب بأنه تجميع لذكريات السفراء ومذكرات المثقفين، آملا أن يكون الكتاب اضافة للمهتمين بالعلاقات بين مصر ودول شرق أوروبا بشكل عام، ومصر وصربيا بشكل خاص.

جاء الفصل الأول للكتاب حاملا ذكريات دبلوماسية لرؤساء بعثة مصر فى بلجراد منذ بدء تفكك يوغوسلافيا، وهم السفراء حسين حسونة الذي كتب فى "إرهاصات التحول في بلجراد"، و هاني خلاف الذى تناول تجربته المنقوصة فى بلجراد أيام ميلوسوفيتش، وعمرو خضير وعادل نجيب وعلى جلال بسيونى ومنحة باخوم وعز الدين فهمى، وباسم خليل القائم بالأعمال حينذاك. وجميعهم تحدثوا عن طبيعة مهامهم وخبرتهم فى بلجراد وذكرياتهم من خلال عملهم فى السلك الدبلوماسي. 

أما الفصل الثاني "مذكرات ثقافية" فقد شارك فيه عالم الأثريات المصري زاهى حواس، الذى سبق له زيارة صربيا عدة مرات، بمعلومات ثرية جاءت تحت عنوان "صربيا وعيون فرعونية"، وعرضت الدكتورة مرفت السويفى تجربتها فى دراسة وتدريس فن الخزف فى صربيا. كما قدم جمال زايدة الكاتب الصحفى بالأهرام وأمين عام مؤسسة نون للثقافة والفنون ورئيس مهرجان شرم الشيخ للسينما الأوروبية عرضا لتجربته فى بلجراد ومقابلاته الصحفية المهمة ووضعها تحت عنوان "القاهرة.. بلجراد من الحرب الباردة الى عصر التجزئة وانهيار القوميات".

وجاءت اللوحات الفنية المعبرة عن صربيا فى الفصل الثالث لدكتور ابراهيم غزالة أستاذ بكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا وقوميسير عام ملتقى الأقصر الدولي للتصوير والفنانة لمياء السيد.