الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"أنا لا أكتب رواية تستجيب لمزاج القارئ.. بل تتحداه"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

شخصية الشيخ الأكبر "محي الدين بن عربى" شخصية ثرية يكتنفها الغموض وهو بصدق يعتبر فيلسوف الأضداد وفى سيرته سترى معه الخيال والواقع، والترحال والاستقرار، والمعاناة والارتياح، والحب والابتعاد، والخوف والإقدامٌ، والقرب والبعد، شخصية متفردة، ولهذا كانت رواية "موت صغير" هى بحق إعجاز بكل المقاييس لتناولها جوانب مثيرة من حياة  هذا الفيلسوف الفَذّ الذى يعد من كبار المتصوفين وأبرزهم، وللحق 
استطاع  الروائي  المبدع "محمد حسن علوان"  أن يكتبها بهذا  التميز ويقنعك كقارئ بأن ما تقرأه  ليست أحداثا متخيلة بل هى واقعية لشخصية حقيقية ثقيلة الوزن ومثيرة للجدل بصورة لا مثيل لها.

رواية تسير مجرياتها بين حدث تاريخي واقعي،  وسرد تخييلي، كتبها بلغة شعرية، فيها  متعة الحكى ورشاقة اللفظ ورقى الكلمة مع جمال السرد وسحر القص.

إذا قرأت هذه الرواية، ستعيش  القلق فى سيرة الشيخ الأكبر "محي الدين  بن عربى" منذ ولادته حتى وفاته ومن خلالها يسيطر عليك توتر مشاعره  فى ترحاله من الأندلس غربًا وحتى آذربيجان شرقًا، مرورًا بالمغرب ومصر والحجاز والشام والعراق وتركيا، وتعيش معه تجربته الصوفية المتفردة والعميقة  في ظل دول وأحداث متخيّلة، مارًا بمدن عديدة وأشخاص من مختلف الطبقات  والأمزجة  وحروب لا تبقى ولا تذر.

هى بصدق من أجمل الروايات التاريخية، وستجد في سطورها ما  أكده كاتبها بقوله:

 «أنا لا أكتب رواية تستجيب لمزاج القارئ، بل تتحداه».

فى هذه الرواية تعيش مع الشيخ الأكبر وكأنك تراه  امامك، وبذكاء شديد وبمهارة فائقة ادخلك الروائى المتميز محمد حسن علوان فى بدايتها  إلى فلسفته  غموضه حيث كتب فى البداية على لسانه:

أعطانى الله برزخين:
برزخ قبل ولادتى وآخر بعد مماتى، فى الأول رأيت أمى وهى تلدنى، وفى الثانى رأيت ابنى وهو يدفنى،رأيت أبى يضحك مستبشرا بِبَكْرَه  الذكر، وزوجتى تبكى مفجوعةً  فى زوجها  الْمُسِنّ،رأيت فتيل دولة المرابطين يطفئه  الموحِّدون فى  ،"مرسيّة" قبل ولادتى، ورأيت التتر يدكّون  بغداد  دكًا دكًا.

بعد مماتى، رأيت الأولياء بستبشرون بمولد سلطان العارفين، والفقهاء
يكبرون لهلاك إمام المتزنقدين.. رأيت كل هذا بكشف الله الأعم ونوره الأسنى فى سنوات قليلة من برزخين.. فانكشفت لى سرعة عبورى، وضرورة فنائى فى هذا العمر الذى ليس سوى محض سطرٍٍ  فى رسالته الإلهية، لمعة شهابٍ  فى سمائه العلوية،أثر خفٍّ فى أرضه  الواسعة.. انتهى برزخي الأول في رمضان عندما شعرت أمي بآلام الوضع، اعتصرت يداها طرفي الفراش وابتهل فمها إلى الله أن يجعل مولودها ذكرًا  ومخاضه سهلًا.

مسحت "فاطمة" عن  جبينها عرق الولادة، وعن قلبها قوارض الخوف ولما  ولدتُ أَخيرًا  كان وجه هذه القابلة الطيبة أول وجهٍ أراه في بداية الحياة.. قارنته  بآلاف الوجوه التي رأيتها في برزخي، آلاف  الأولياء، آلاف  الأتقياء، آلاف الزهَّاد.. وكان وجهها أوسع رحمة وهو حقيقة ماثلة أمامي!

هذا ما بدأ به الروائي المبدع سرده وجعل  لهذه القابلة  "فاطمة" دورًا كبيرًا  فى حياة الشيخ الأكبر محي الدين بن عربى".

فى الأسبوع المقبل بإذن الله سنعرف ما هو   الدور الهام  الذي  لعبته هذه القابلة.