يعانى مئات من مرضى الأمراض المزمنة التابعين لعيادات التأمين الصحى من نقص فى العلاجات والأدوية وخصوصًا مرضى السكر؛ بسبب نقص الأنسولين والعديد من الأدوية الأخرى غير المتوافرة، حيث تبدأ رحلة المعاناة الكبيرة بعد خروج المريض من حجرة الكشف وكتابة الطبيب العلاج اللازم فى الروشتة، ليفاجأ المرضى أن العلاج غير موجود وعليه أن يبحث عليه بنفسه.
فى هذا التقرير ترصد "البوابة نيوز" معاناة مرضى تبحث عن الدواء فى ظل نقص السوق من الأدوية المحلية والمستوردة فى صيدليات التأمين الصحى وصيدليات السوق الحر، حيث التقت «البوابة» بـ"أمينة" وهى سيدة خمسينية تعانى من مرض السكر، ذهبت إلى التأمين الصحى فى مدينة المحلة الكبرى، فى محاولة للحصول على علاجها لتصطدم بالواقع وهو عدم توافر العلاج بالصيدليات التابعة للتأمين الصحى، وعلى الرغم من أن التأمين الصحى يخصم اشتراكا ثابتا عن علاجها شهريًا، إلا أن المسئول عن الصيدلية داخل عيادة ابن سينا بالمحلة الكبرى أكد أن العلاج غير متوفر حاليا، وأن على المريضة الذهاب إلى ثلاث صيدليات تابعين لهيئة التأمين الصحى، وثلاث صيدليات خارجها تابعة للتأمين الصحى أيضًا، للحصول على الدواء، وفى حالة عدم توفره تأتى بالعلاج من الصيدليات الحرة ومعه فاتورة إذا كانت تريد صرف ثمن العلاج.
لم تيأس "أمينة" من المحاولات وعلى الرغم من مرضها إلا أنها ذهبت إلى ٦ صيدليات تابعة للتأمين الصحى داخل المقار وخارجها ولم تجد أدوية السكر متوفرة، حتى أنها لم تجده فى السوق الحرة بالصيدليات المختلفة.
المعاناة مستمرة
حالة "أمينة" ليست فريدة من نوعها فى وسط زحام من نقص الأدوية، حيث شكت أيضًا "منة مجدى" من محافظة الجيزة من عدم توافر الأنسولين والشرائط اللازمة لجهاز قياس السكر التى أصبحت نادرة.
وقالت "منة" وهى والدة طفل مصاب بالسكر: "أنا ابنى متشخص من سنة و٤ شهور بالإصابة بالسكرى نوع أول بياخد نوفو رابد والترسيبا، طبعا إحنا المفروض بناخد الأنسولين من التأمين والمفروض حسب القياسات لكن لا هم بيدوا أنسولين كفاية فى وسط نقص الأدوية، ولما بنيجى بنصرف العلاج كل شهرين.. ومش بنلاقى الدواء فبنضطر ناخد من المرضى الآخرين".
وأشارت إلى أن هناك معاناة واضحة تظهر فى جروبات المرضى ونحاول معا إيجاد حلول لنقص الأدوية والأنسولين والشرايط، حتى فى الصيدليات فى الأسواق الحرة لا نجد.
وأضافت فى يأس: "إحنا بقينا نقلل كميات الدواء غصب عننا ومن كم يوم الأنسولين خلص لفيت على صيدليات أكتوبر كلها عشان ألاقى قلم نوفو واحد بس مالقيتش".
وفى محافظة الإسماعيلية على الرغم من تطبيق التأمين الصحى الشامل بالمحافظة إلا أنها شهدت نقص الأدوية داخل الصيدليات، تقول "روضة" أم لاثنين من مرضى السكري، إنها تعانى من توفير الأدوية لابنيها المصابين بسكر الأطفال المناعي، حيث على مدار ٣ شهور مضت لم تستطع توفير الدواء من التأمين الصحي.
وأضافت أنها بعد معاناة تم صرف جرعات قليلة وبدون شرائط قياس السكر، وأضافت أن بعض بدائل الأدوية للسكرى أدت لأعراض مرضية مضاعفة، حيث عانى أحد أطفالها من ارتفاع المعدل التراكمى ليصل إلى ١٥ ويدخل على إثره للعناية المركزة.
وأشارت إلى أن نقص الأدوية ليس فقط فى صيدليات التأمين الصحى والقطاع العام، ولكن فى الصيدليات الحرة، حيث تبحث عن الأدوية فى محافظتها والمحافظات المجاورة فى سبيل الحصول على جرعات السكر المقررة لابنيها.
نقص الأدوية
وترصد جمعية الحق فى الدواء على مدار السنة شكاوى المرضى والصيادلة من عدم توافر أصناف بعض الأدوية أو ارتفاع أسعارها على مدد زمنية متقاربة، حيث أكد "محمود فؤاد" المدير التنفيذى لجمعية الحق فى الدواء أن هناك نقصا فى العديد من الأدوية لأمراض عديدة مثل الأمراض المناعية وأنيميا البحر المتوسط والذئبة الحمراء، وأمراض الدوشين وضمور العضلات، والأدوية الخاصة بالعصبية والنفسية، إضافة إلى بعض أدوية الهرمونات.
وأوضح "فؤاد" فى تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن مرضى السكر يعانون من عدم توفر بعض أدوية السكر خاصة الأنسولين الشعبى على الرغم من أن هناك زيادة للأصناف الدوائية الأخيرة لأكثر من ٣٠٪ من الأدوية.
وأشار "فؤاد" إلى أن هناك بعض التجار يقومون بتخزين الأدوية فى مخازن لعرضها فى السوق بأسعار جديدة، إضافة إلى مشكلات عديدة تخص الأدوية المستوردة والتى زاد ثمنها بشكل كبير أيضًا.
ولفت "فؤاد" إلى أن هناك زيادة جديدة فى عدد كبير من الأصناف خلال الأيام القادمة بنسب تصل إلى ٥٠٪ وإلى ٨٠٪ للأدوية المستوردة.
فى السياق نفسه؛ قال الدكتور على عوف رئيس شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية إن مشكلة نقص الدواء لا يرتبط فقط بتوفيره من الدولة أو مصانع الأدوية، ولكن يرتبط أيضًا بثقافة المواطن فى التعامل مع تلك الأدوية.
وأوضح رئيس شعبة الدواء فى تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن المواطن يتعامل بشكل سيء مع الأدوية فى حالتين أولهما تخزين كمية كبيرة فى حالة وجود نقص ثم توفيره فى الصيدليات؛ وذلك خوفًا من معاناته فى الحصول عليه إذا نقص، وبالتالى يتسبب ذلك السلوك فى حرمان غيره من المرضى فى الحصول على جرعاتهم فى مواعيدها المحددة.
وأضاف "عوف" أن السلوك الخاطئ الآخر هو استعمال الأدوية الأساسية لعلاج بعض الأمراض مثل السكر فى علاج مرض آخر مثل السمنة، وبالتالى يتم استهلاك أدوية بنسبة أعلى من إنتاج الشركات، وهو الأمر الذى يجعل فترة انتهاء الأزمة أطول من اللازم.
وأشار إلى أن معظم أدوية السكر (الحبوب) متوفرة بالاسم العلمى وليس التجاري، وأن الأنسولين المحلى يتم تصنيعه داخليًا ويعتبر ٨٥٪ من الأنسولين المتوافر فى مصر إنتاج محلي، ولكن يغطى الإنتاج فى الأولوية احتياجات التأمين الصحى ومستشفيات وزارة الصحة والقطاع الحكومي.
وأضاف أن هناك أزمة فى الأنسولين المستورد حيث يتوفر فقط بنسبة ١٥٪، والمصانع الدولية تلتزم بخطة إنتاج، وبالتالى فى حالة زيادة الاستهلاك على الأدوية لا تتم زيادة الإنتاج فى الوقت الفعلى لنقص الدواء، وبالتالى يلجأ المرضى فى السوق المحلية إلى الأنسولين المصرى فيظهر الإقبال على الدواء مما يشكل ضغطًا وتظهر حالات نقص الدواء.
ولفت رئيس اتحاد غرف الأدوية أن هناك انفراجة قريبة لتوفير الدواء، وأنه تسهيلا على المصريين يجب التعامل بالاسم العلمى وليس التجاري، وفى حالة وجود أى نقص دوائى يتم الاتصال بصيدليات الإسعاف المتوافرة فى القاهرة الكبرى والمحافظات من خلال الرقم الساخن ١٦٦٨٢ أو بالاتصال بهيئة الدواء على الرقم الساخن ١٥٣٠١؛ لمعرفة مكان تواجد أى أدوية ناقصة والبديل العلمى له، وذلك تسهيلًا على المرضى للوصول إلى الدواء.
من جهتها؛ أوضحت هيئة الدواء عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك أن هناك العديد من البدائل للأدوية الأصيلة وجميعها آمنة ولها نفس التأثير والفعالية كالدواء الأصيل؛ مشيرةً إلى أن الدواء البديل، هو دواء بيتكون من مادة فعالة مختلفة عن الدواء الأصيل، لكنه بيستخدم لعلاج نفس المرض.
ونصحت هيئة الدواء المصرية بضرورة استشارة الطبيب أو الصيدلى قبل استخدام دواء بديل حيث يمكنهم مساعدتك فى التأكد من أن الدواء البديل مناسب لك وأنّه لن يتفاعل مع أى أدوية أخرى تتناولها.
فى السياق ذاته؛ قالت الهيئة فى بيان صحفي، إن الدكتور على الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، استقبل وفدًا من ممثلى الشركات المحلية وغرفة صناعة الأدوية، لبحث سبل التعاون بين الهيئة والشركات والغرفة، لتوفير الأدوية والمستلزمات اللازمة فى السوق المصرية، وناقش "الغمراوي" دعم الشركات بما يضمن توافر المستحضرات الطبية لصالح المريض المصري.
وعود الحكومة الجديدة
وفى أول تصريحات للحكومة الجديدة حول أزمات الدواء قال الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، اليوم فى مؤتمر صحفي، أن قطاع الدواء فى مصر يتبع بشكل كبير القطاع الخاص، وأن الدولة تقوم بالتنسيق مع القطاع الخاص لخفض أسعار الدواء، مؤكدًا أن الدولة حريصة على تثبيت أسعار الدواء، خاصة أن الدواء المصرى أرخص من معظم دول العالم.
وأوضح أن الدولة تقوم بتدبير الدولار لتوفير المواد الخام للتصنيع، وأن استيراد المادة الخام بالسعر اليومى للدولار تسبب فى خسائر كبيرة للدولة.
خطة زمنية
وحول نقص الدواء قال رئيس الوزراء إنه تم التنسيق لتحديد أسعار الدواء من قبل هيئة الدواء بعد وضع خطة مع الشركات لعدم تواجد أى نقص فى الأدوية الفترة المقبلة، وأوضح أن إنتاجية الدواء تأخذ وقتا كبيرا فى التصنيع وبالتالى هناك نقص فى الأدوية بالأسواق؛ لافتًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد الأسواق وفرة كبيرة فى الأدوية.
من جانبه؛ كشف الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، أن ملف الدواء مهم وله بعد فى الأمن القومى المصري، وتأثر كأى سلعة بها مكونات دولارية خلال العام والنصف الأخيرين فى ظل وجود أزمات عالمية.
وأوضح أنه منذ بداية الأزمة واستشعار عدم وجود عملة تغطى الاحتياجات تم وضع أولويات حتى لا يشعر المواطن بوجود نقص، مؤكدا أن الضيوف من غزة والسودان كلها إضافات أثرت على مستلزمات الإنتاج وأساسيات صناعة الدواء من المواد الخام.
وأضاف أنه كانت هناك نواقص فى بعض أنواع الأدوية، ولكن توجد أدوية بديلة أو مثيلة وهذه ثقافة غير معتمدة عند الكثيرين، ففى حال عدم وجود الدواء الذى كتبه الطبيب يقولون عليه ناقص.
وواصل الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، أن مصر أرخص دولة فى العالم فى الدواء، وغير القادر لا يتأثر بارتفاع أسعار الدواء، مضيفا أن الدولة توفره له وصناعة الدواء المصرية تغطى ٩٥ ٪ من الاحتياجات.
وأكمل أن هناك ٦٩ مليون مواطن مؤمن عليهم فى منظومة التأمين الصحى الموجودة منذ ستينيات القرن الماضي، يضاف عليهم المستفيدون من قرارات العلاج على نفقة الدولة.
وأردف الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، أن إجراءات تسعير الدواء من اختصاصات هيئة الدواء المصرية، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار الدواء ستكون فى حدود ٣٠ إلى ٣٥٪.
الوزير يعتذر
واعتذر وزير الصحة للمواطنين عن نقص بعض الأدوية فى الأسواق خلال الفترة الأخيرة؛ مؤكدا أنه خلال الشهور القليلة القادمة لن يكون هناك نقص فى الأدوية المستوردة أو المحلية، حيث بدأ استيراد المواد الخام لإعادة تشغيل الإنتاج وسيتم بالتعاون مع الفريق كامل الوزير للاهتمام بصناعة الدواء.
وتابع أن الدولة حريصة على توفير كل الإمكانيات اللازمة لعلاج المرضى وتوفير الأدوية، وأن هناك تعاونا دوليا مقبلا مع مؤسسة "جوستاف" الدولية لعلاج الأورام فى فرنسا والتى لا يوجد لها تواجد خارج فرنسا.
ويستقبل مرضى من كل أنحاء العالم، وهو مركز التميز العالمى لعلاج الأورام فى العالم، وبجهود الحكومة المصرية تم النجاح فى إقناعها لاستقبال المركز بكل كفاءاته وخبراته لمشاركة وزارة الصحة فى عمل مستشفى بمصر وهذا مثال بسيط لقانون المنشآت الطبية ويكون ٧٠٪ من الأسرة لصالح وزارة الصحة للعلاج على نفقة الدولة.
وأوضح أنه سيتم تدريب الأطباء المصريين فى الخارج لنقل التجارب والخبرات الدولية لمصر، مؤكدا أنه سيتم علاج المواطن على أرقى مستوى عالمى دون أن يتحمل أى مليم بل تدفع بدل عنه الدولة من خلال التأمين الصحي.
وشدد على إنهاء ٢٤ مشروعا لتطوير المستشفيات بتكلفة ٧.٣٤ مليار جنيه، مضيفا أن هناك ٢٠ مشروعا جديدا بـ١١ محافظة وستعمل تلك المستشفيات بسعة ٢٧٤٧ سريرا.
وأردف الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، أن المبادرات الرئاسية التى أطلقها الرئيس السيسى أدت لارتفاع متوسط عمر الإنسان المصري.
وأوضح الدكتور عبدالغفار، أن خطة المشروعات القومية من ٢٠٢٥ وحتى ٢٠٢٦ مؤكدة أنها تتضمن ٥٤ مشروعا بـ٢٤ محافظة بالجمهورية وستعمل بسعة ٩٥٨٨ سريرا.
وأكمل الدكتور عبد الغفار، أن مشروع التأمين الصحى الشامل ستنتهى فى ٢٠٣٠ وستغطى كل محافظات الجمهورية، وأكد أن مصر استقبلت آلاف الحالات المريضة والمصابة القادمة من قطاع غزة، وستتم المساعدة فى إعادة بناء المنظومة الصحية بقطاع غزة وهذا فى إطار المساعدات المصرية للأشقاء.