رحلة البحث عن الدواء "البوابة" ترصد معاناة المرضى للحصول على الأدوية
مرضى: نعاني من عدم توافر الأدوية منذ أشهر ونلجأ لتقليل الجرعات ولا يوجد بديل في الصيدليات الحرة
الحق في الدواء: نقص الأدوية مستمر رغم ارتفاع أسعار بعض الأصناف
رئيس شعبة الدواء: الإصرار على استخدام الاسم التجاري يفاقم الأزمة.. وسلوكيات بعض المرضى تؤثر في نقص الأدوية
وزير الصحة: اعتذر للمواطنين عن نقص الأدوية.. وأعد بحل الأزمة قريبًا
هيئة الدواء تنصح بالبدائل الآمنة للأدوية الأصيلة
لم تيأس "أمينة" وهي سيدة خمسينية تعاني من مرض السكري، من محاولات الحصول على الدواء في ظل نقص الأدوية وعدم توافرها في القطاعين العام والخاص، فعلى الرغم من مرضها إلا إنها ذهبت إلى 6 صيدليات تابعة للتأمين الصحي داخل المقار وخارجها ولم تجد أدوية السكر متوفرة، حتى إنها لم تجد الدواء في السوق الحرة بالصيدليات المختلفة.
تروي "أمينة" لـ "البوابة نيوز" رحلة البحث عن الدواء ومعاناتها الصحية لعدم توافر أدوية السكري، حيث ذهبت إلى التأمين الصحي في مدينة المحلة الكبرى، في محاولة للحصول على علاجها لتصطدم بالواقع وهو عدم توافر العلاج بالصيدليات التابعة له، قائلة: "التأمين الصحي بيخصم اشتراكًا ثابتًا عن العلاج شهريًا، إلا أن المسئول عن الصيدلية داخل عيادة ابن سينا بالمحلة الكبرى أكد أن العلاج غير متوفر حاليا، وعشان يسمحولى بصرف ثمن العلاج لازم أروح لثلاث صيدليات تابعين لهيئة التأمين الصحي، وثلاث صيدليات خارجها تابعة للتأمين الصحي أيضًا".
واستطردت "أمينة" إنه في حالة عدم توفر العلاج بـ6 صيدليات (ثلاث داخل التأمين الصحي، وثلاث خارجها تابعة لها)، يمكنها فقط الذهاب إلى الصيدليات في القطاع الخاص تأتى بالعلاج من الصيدليات الحرة وتحصل على فاتورة، ثم تقدمها إلى التأمين الصحي إذا كانت تريد صرف ثمن العلاج.


حالة "أمينة" ليست فريدة من نوعها في وسط زحام من نقص وشح الأدوية، خاصة أدوية السكري والأنسولين، في هذا التحقيق ترصد "البوابة نيوز" معاناة مرضى تبحث عن الدواء في ظل نقص السوق من الأدوية المحلية والمستوردة في صيدليات التأمين الصحي وصيدليات السوق الحر.
المعاناة مستمرة
يعاني ألاف من مرضى الأمراض المزمنة التابعين لعيادات التأمين الصحي من نقص في العلاجات والأدوية وخصوصًا مرضى السكري؛ بسبب نقص الأنسولين والعديد من الأدوية الأخرى غير المتوفرة، حيث تبدأ رحلة المعاناة الكبيرة بعد خروج المريض من حجرة الكشف وكتابة الطبيب العلاج اللازم في الروشتة، ليتفاجئ المرضى أن العلاج غير موجود وعليه أن يبحث عليه بنفسه.
في محافظة الإسماعيلية على الرغم من تطبيق التأمين الصحي الشامل بالمحافظة إلا أنها شهدت نقص الأدوية داخل الصيدليات، تقول "روضة" أم لاثنين من مرضى السكري، إنها تعاني من توفير الأدوية لابنيها المصابين بسكر الأطفال المناعي، حيث على مدار 3 شهور مضت لم تستطع توفير الدواء من التأمين الصحي.
وأضافت أنها بعد معاناة تم صرف جرعات قليلة وبدون شرائط قياس السكر، وأضافت أن بعض بدائل الأدوية للسكري أدت لأعراض مرضية مضاعفة، حيث عانى أحد أطفالها من ارتفاع المعدل التراكمي ليصل إلى 15 ودخل على إثره في غيبوبة اضطرت إلى إلزامه بالدخول إلى العناية المركز أكثر من مرة.
وأشارت إلى أن نقص الأدوية ليس فقط في صيدليات التأمين الصحي والقطاع العام، ولكن فى الصيدليات الحرة، حيث تبحث عن الأدوية في محافظتها والمحافظات المجاورة في سبيل الحصول على جرعات السكر المقررة لابنيها.
أزمات مرضية
معاناة المرضى وذويهم في الحصول على الدواء لا تقتصر على محافظات نائية أو محددة، فشح الأدوية شمل معظم المحافظات ويعاني منه آلاف من المرضى، ويتسبب في أزمات مرضية مختلفة بسبب ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم وعدم توفر العلاج.
"منة مجدى" من محافظة الجيزة تعاني أيضًا من توفير الأنسولين لطفلها المصاب بالمرض، وعدم استطاعتها توفير الشرائط اللازمة لجهاز قياس السكر التي أصبحت نادرة. قالت "منة": "أنا ابني متشخص من سنة و4 شهور بالإصابة بالسكري نوع أول بياخد نوفو رابد والترسيبا، طبعا إحنا المفروض بناخد الأنسولين من التأمين الصحي، والمفروض حسب القياسات لكن للأسف هم مش بيدوا أنسولين كفاية في وسط نقص الأدوية، ولما بنيجي بيتم صرف العلاج كل شهرين.. ومش بنلاقي الدواء فبنضطر ناخد من المرضى الآخرين جرعات تمكن ابني من عدم الدخول في غيبوبة سكر".
وأشارت إلى أن هناك معاناة واضحة تظهر في جروبات المرضى ونحاول معا إيجاد حلول لنقص الأدوية والأنسولين والشرائط، حتى في الصيدليات في الأسواق الحرة لا نجد. وأضافت في يأس: "إحنا بقينا نقلل كميات الدواء غصب عننا ومن كم يوم الأنسولين خلص لفيت على صيدليات أكتوبر كلها عشان ألاقي قلم نوفو واحد بس مالقيتش".
يقدر مرصد الاتحاد الدولي للسكري أعداد مرضى السكري في مصر وفقا لعام 2021، ما يبلغ 10 مليون و930 ألف مريض سكري للبالغين في عمر من 20 إلى 79 عام، ويتوقع أن تزيد الأعداد في عام 2030 لـ 13 مليون و744 ألف مريض، كما يقدر أعداد الأطفال المصابين من عمر يوم إلى 19 عام من مصابي النوع الأول ما يبلغ 19.4 في الألف، أي ما يبلغ 2 مليون طفل تقريبا.

وفي ديسمبر الماضي 2023 أكد الدكتور محمد ضاحي رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي خلال الاحتفال باليوم العالمي للسكري، أن أعداد مصابي السكري في مصر وصل إلى 11 مليون مريض مصري تغطيهم هيئة التأمين الصحي بالفحوصات اللازمة والعلاج.
وتُعد مصر من أعلى معدلات الإصابة بالسكري في الشرق الأوسط وحول العالم حسب تقديرات الاتحاد الدولي للسكري (كما توضحها الخريطة التالية)

مضاعفات خطيرة لعدم تلقى العلاج
تحذر منظمة الصحة العالمية من أن نصف المصابين بداء السكري لم يحصلوا على أدوية العلاج خلال عام 2022، خاصة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، وأن داء السكري ومرض الكلى الناتج عن الإصابة بالسكري تسببا في عام 2021 إلى وفاة أكثر من مليوني مريض، كما تسبب ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم في وفاة 11% من الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، كما يسبب السكري أمراض العمي والنوبات القلبية والسكتات الدماغية وبتر الأطراف السفلية.
وتبلغ نسبة مضاعفات مرض السكري في مصر، 1.4% لأمراض الكلى، 19.9% للاعتلال العصبي، 2.4% اعتلال الشبكية، ويسبب السكري 7.5% من مرض القلب التاجي للمصابين، و1.2% من أمراض الشرايين الطرفية، و1.5 % لأمراض الأوعية الدموية الدماغية، ويتسبب في 0.7% من السكتات القلبية للمرضي المصابين بالسكري.

نقص الأدوية
وترصد جمعية الحق فى الدواء على مدار السنة شكاوى المرضى والصيادلة من عدم توافر أصناف بعض الأدوية أو ارتفاع أسعارها على مدد زمنية متقاربة، حيث أكد "محمود فؤاد" المدير التنفيذى لجمعية الحق فى الدواء أن هناك نقصا فى العديد من الأدوية لأمراض عديدة مثل الأمراض المناعية وأنيميا البحر المتوسط والذئبة الحمراء، وأمراض الدوشين وضمور العضلات، والأدوية الخاصة بالعصبية والنفسية، إضافة إلى بعض أدوية الهرمونات.
وأوضح "فؤاد" فى تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن مرضى السكر يعانون من عدم توفر بعض أدوية السكر خاصة الأنسولين الشعبى على الرغم من أن هناك زيادة للأصناف الدوائية الأخيرة لأكثر من ٣٠٪ من الأدوية.
وأشار "فؤاد" إلى أن هناك بعض التجار يقومون بتخزين الأدوية فى مخازن لعرضها فى السوق بأسعار جديدة، إضافة إلى مشكلات عديدة تخص الأدوية المستوردة والتى زاد ثمنها بشكل كبير أيضًا.
ولفت "فؤاد" إلى أن هناك زيادة جديدة فى عدد كبير من الأصناف خلال الأيام القادمة بنسب تصل إلى ٥٠٪ وإلى ٨٠٪ للأدوية المستوردة.


فى السياق نفسه؛ قال الدكتور على عوف رئيس شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية إن مشكلة نقص الدواء لا يرتبط فقط بتوفيره من الدولة أو مصانع الأدوية، ولكن يرتبط أيضًا بثقافة المواطن فى التعامل مع تلك الأدوية.
وأوضح رئيس شعبة الدواء فى تصريحات لـ"البوابة نيوز" أن المواطن يتعامل بشكل سيء مع الأدوية فى حالتين أولهما تخزين كمية كبيرة فى حالة وجود نقص ثم توفيره فى الصيدليات؛ وذلك خوفًا من معاناته فى الحصول عليه إذا نقص، وبالتالى يتسبب ذلك السلوك فى حرمان غيره من المرضى فى الحصول على جرعاتهم فى مواعيدها المحددة.
وأضاف "عوف" أن السلوك الخاطئ الآخر هو استعمال الأدوية الأساسية لعلاج بعض الأمراض مثل السكر فى علاج مرض آخر مثل السمنة، وبالتالى يتم استهلاك أدوية بنسبة أعلى من إنتاج الشركات، وهو الأمر الذى يجعل فترة انتهاء الأزمة أطول من اللازم.
وأشار إلى أن معظم أدوية السكر (الحبوب) متوفرة بالاسم العلمى وليس التجاري، وأن الأنسولين المحلى يتم تصنيعه داخليًا ويعتبر ٨٥٪ من الأنسولين المتوافر فى مصر إنتاج محلي، ولكن يغطى الإنتاج فى الأولوية احتياجات التأمين الصحى ومستشفيات وزارة الصحة والقطاع الحكومي.
وأضاف أن هناك أزمة فى الأنسولين المستورد حيث يتوفر فقط بنسبة ١٥٪، والمصانع الدولية تلتزم بخطة إنتاج، وبالتالى فى حالة زيادة الاستهلاك على الأدوية لا تتم زيادة الإنتاج فى الوقت الفعلى لنقص الدواء، وبالتالى يلجأ المرضى فى السوق المحلية إلى الأنسولين المصرى فيظهر الإقبال على الدواء مما يشكل ضغطًا وتظهر حالات نقص الدواء.
ولفت رئيس اتحاد غرف الأدوية أن هناك انفراجة قريبة لتوفير الدواء، وأنه تسهيلا على المصريين يجب التعامل بالاسم العلمى وليس التجاري، وفى حالة وجود أى نقص دوائى يتم الاتصال بصيدليات الإسعاف المتوافرة فى القاهرة الكبرى والمحافظات من خلال الرقم الساخن ١٦٦٨٢ أو بالاتصال بهيئة الدواء على الرقم الساخن ١٥٣٠١؛ لمعرفة مكان تواجد أى أدوية ناقصة والبديل العلمى له، وذلك تسهيلًا على المرضى للوصول إلى الدواء.
مسئولية غائبة
حاولت "البوابة نيوز" التواصل مع كلا من الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، والدكتور محمد ضاحي رئيس هيئة التأمين الصحي عبر الهاتف والواتس آب، والرسائل النصية؛ للوقوف على عدم توفر أدوية السكري في العيادات والصيدليات التابعة للهيئة دون استجابة منه.
من جهتها؛ أوضحت هيئة الدواء عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك أن هناك العديد من البدائل للأدوية الأصيلة وجميعها آمنة ولها نفس التأثير والفعالية كالدواء الأصيل؛ مشيرةً إلى أن الدواء البديل، هو دواء يتكون من مادة فعالة مختلفة عن الدواء الأصيل، لكنه يستخدم لعلاج نفس المرض.
ونصحت هيئة الدواء المصرية بضرورة استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل استخدام دواء بديل حيث يمكنهم مساعدتك في التأكد من أن الدواء البديل مناسب لك وأنّه لن يتفاعل مع أي أدوية أخرى تتناولها.
في السياق ذاته؛ قالت الهيئة في بيان صحفي، إن الدكتور على الغمراوي، رئيس هيئة الدواء المصرية، استقبل وفدًا من ممثلي الشركات المحلية وغرفة صناعة الأدوية، لبحث سبل التعاون بين الهيئة والشركات والغرفة، لتوفير الأدوية والمستلزمات اللازمة في السوق المصرية، وناقش "الغمراوي" دعم الشركات بما يضمن توافر المستحضرات الطبية لصالح المريض المصري.
وعود الحكومة الجديدة
مع تولى الحكومة الجديدة ملفاتها برزت أمة نقص الدواء على صفيح ساخن للحكومة الجديدة، وكانت أولى تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، في مؤتمر صحفي، حول نقص الدواء إنه تم التنسيق لتحديد أسعار الدواء من قبل هيئة الدواء بعد وضع خطة مع الشركات لعدم تواجد أي نقص في الأدوية الفترة المقبلة، وأوضح أن إنتاجية الدواء تأخذ وقتا كبيرا في التصنيع وبالتالي هناك نقص في الأدوية بالأسواق؛ لافتًا إلى أن الفترة المقبلة ستشهد الأسواق وفرة كبيرة في الأدوية.
وأضاف أن قطاع الدواء في مصر يتبع بشكل كبير القطاع الخاص، وأن الدولة تقوم بالتنسيق مع القطاع الخاص لخفض أسعار الدواء، مؤكدًا أن الدولة حريصة على تثبيت أسعار الدواء، خاصة أن الدواء المصري أرخص من معظم دول العالم. كما أن الدولة تقوم بتدبير الدولار لتوفير المواد الخام للتصنيع، وأن استيراد المادة الخام بالسعر اليومي للدولار تسبب في خسائر كبيرة للدولة.
من جانبه؛ اعتذر الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، عن نقص بعض الأدوية في الأسواق خلال الفترة الأخيرة؛ مؤكدا أنه خلال الشهور القليلة القادمة لن يكون هناك نقص في الأدوية المستوردة أو المحلية، حيث بدأ استيراد المواد الخام لإعادة تشغيل الإنتاج وسيتم بالتعاون مع الفريق كامل الوزير للاهتمام بصناعة الدواء، وأن الدواء تأثر كأي سلعة بها مكونات دولاريه خلال العام والنصف الأخيرين في ظل وجود أزمات عالمية.
وأوضح أنه منذ بداية الأزمة واستشعار عدم وجود عملة تغطي الاحتياجات تم وضع أولويات حتى لا يشعر المواطن بوجود نقص، مؤكدا أن الضيوف من غزة والسودان كلها إضافات أثرت على مستلزمات الإنتاج وأساسيات صناعة الدواء من المواد الخام.
وأضاف أنه كانت هناك نواقص في بعض أنواع الأدوية، ولكن توجد أدوية بديلة أو مثيلة وهذه ثقافة غير معتمدة عند الكثيرين، ففي حال عدم وجود الدواء الذي كتبه الطبيب يقولون عليه ناقص.
وواصل الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس الوزراء، ووزير الصحة، أن مصر أرخص دولة في العالم في الدواء، وغير القادر لا يتأثر بارتفاع أسعار الدواء، مضيفا أن الدولة توفره له وصناعة الدواء المصرية تغطي 95 % من الاحتياجات.
