رصدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في عددها الصادر، اليوم الجمعة، مشاعر الإحباط والخوف واليأس التي باتت تسيطر على العديد من سكان قطاع غزة المنكوب من جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل بعد حوالي 9 أشهر من الحرب، مما دفعهم إلى تجاهل أوامر الجيش الإسرائيلي الأخيرة بالإخلاء والفرار.
وذكرت الصحيفة، في سياق مقال تحليلي، أن بعض المدنيين في غزة يشعرون بالإرهاق من نزوحهم المتكرر، بينما يقول آخرون إنه لا فائدة من الذهاب إلى مناطق أخرى قد تكون بنفس الخطورة.
وأجرى مراسلو الصحيفة في القطاع المنكوب لقاء مع عائلة أماني زنين، التي ظلت أسرتها تنزح من مكان إلى آخر، هربًا من القصف الإسرائيلي الذي دمر العديد من الأحياء في شمال غزة.
ولكن في هذا الأسبوع، عندما أصدر الجيش الإسرائيلي نداءات متكررة للفلسطينيين للخروج من مدينة غزة، قررت عائلة الزنين والعديد من الأشخاص الآخرين عدم المغادرة.
ونقلت الصحيفة عن زنين التي تعيش أسرتها الآن في مبنى مدرسة، قولها إن "الطريق ليس آمنًا".
وقالت "نيويورك تايمز" إن العائلات في شمال قطاع غزة، التي استجابت للتحذيرات السابقة بالفرار، تخاطر الآن، بعد أن أنهكها التهديد المستمر بالقصف وأصبحت محاطة بالموت والدمار، بالبقاء في أماكنها.. وأشارت إلى أن المنشورات التي أسقطها الجيش الإسرائيلي فوق أجزاء من مدينة غزة ونُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشرت أربعة "ممرات آمنة" يمكن للفلسطينيين استخدامها للوصول إلى وسط غزة "بسرعة ودون تفتيش".. وحذرت المنشورات من أن "مدينة غزة ستبقى منطقة قتال خطيرة".
وأفاد السكان أيضًا بأنهم تلقوا مكالمات متعددة على هواتفهم المحمولة من الجيش الإسرائيلي مع رسالة مسجلة تحذرهم من الفرار جنوبًا. ولكن يبدو أن القليل منهم يستجيبون للتحذيرات!.
وفي المقابلات التي أُجريت مع الصحيفة، قال الناس في مدينة غزة، التي كانت قبل الحرب المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في القطاع، إنهم قرروا البقاء في منازلهم أو في الأماكن التي لجأوا إليها، مثل منازل أقاربهم والمستشفيات والمدارس، وأعربوا عن مخاوفهم من المخاطر المحتملة من قبل القوات الإسرائيلية على طرق الإخلاء، وأنهم يعلمون أنه لا يوجد أمان حقيقي في الجنوب.
وقال أحمد سيدو، وهو من سكان مدينة غزة: "الحقيقة هي أن الناس يُقتلون أينما كنا، سواء في الشمال أو الجنوب. اتفقنا في عائلتي على عدم تهجير أحد".
كما قالت السيدة زانين إن الرحلة جنوبًا كان لا بد من القيام بها سيرًا على الأقدام لأن الجيش الإسرائيلي لا يسمح للمركبات بالسير في أجزاء من الطريق. إن المشي لساعات طويلة في حرارة الصيف سيكون خطيرًا للغاية خاصة بالنسبة لبعض أقاربها الأكبر سنًا. وأضافت: "لم نر أحدًا غادر".
مع ذلك.. أكدت "نيويورك تايمز"- في مقالها- أنه في بعض أجزاء الشمال، لم يكن أمام سكان غزة خيار سوى المغادرة.. وقالت: إن القوات الإسرائيلية تشن منذ الشهر الماضي هجمات على عدة أجزاء من الشمال بزعم أنها عائدة إلى قتال مقاتلين أعيد تجميعهم من حماس وغيرها من التحالفات الفلسطينية المسلحة. وقد أدت عودة الإسرائيليين إلى نزوح جديد للمدنيين.
في السياق.. قالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" جولييت توما: "الناس هاربون في كل مكان".. وأشارت إلى أنه في جميع أنحاء غزة، نزح حوالي 1.9 مليون شخص- حوالي 90 بالمائة من السكان- بسبب الحرب، وقد يصل عددهم إلى 10 مرات، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
أما في الشمال، ومع استئناف القتال، أصبحت الخدمات الطبية شبه معدومة وقالت منظمة أطباء بلا حدود، أمس الأول، إنها أغلقت مؤقتا آخر مركز صحي لها هناك بعد تعرض المنطقة لإطلاق نار كثيف. وقالت إن أوامر الإخلاء وتدمير المرافق الصحية لم تترك أمام المرضى أو المصابين في شمال غزة سوى خيارات قليلة للغاية.
ويأتي الوضع اليائس في شمال غزة وسط حملة دولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وأفادت الصحيفة الأمريكية، بأن إسرائيل تعرضت أمس الخميس لضغوط متزايدة لكبح جماح توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية التي تحتلها والحد من عنف المستوطنين هناك. وأعلنت الولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات على الجماعات الاستيطانية المتطرفة في حين أدانت مجموعة السبع تحركات الحكومة الإسرائيلية لتوسيع البؤر الاستيطانية اليهودية.
في السياق.. قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر- في بيان- "لا تزال الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء العنف المتطرف وعدم الاستقرار في الضفة الغربية، مما يقوض أمن إسرائيل" وشجع ميلر إسرائيل على "اتخاذ خطوات فورية" لمحاسبة الأفراد والكيانات. وأضاف: "في غياب مثل هذه الخطوات، سنواصل فرض إجراءات المساءلة الخاصة بنا".
مع ذلك.. تابعت "نيويورك تايمز" أنه من غير المرجح أن تتأثر حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة بهذه الانتقادات. إن توسيع سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية هو هدف للعديد من الوزراء في ائتلافه، بما في ذلك بتسلئيل سموتريش، الناشط الاستيطاني الذي حصل مؤخرًا على الموافقة لإضفاء الشرعية على خمس بؤر استيطانية يهودية، وهو ما أدانته مجموعة السبع.