عندما أخذنا على عاتقنا مهمة حقوق الوطن علينا وواجباتنا تجاهه، قادنا ذلك إلى اتخاذ النقد البناء طريقا لنا لا نحيد ولا نميد عنه ما حيينا محيدين النزعة الذاتية ورسمنا لأنفسنا منهجا علميا اتخذناه سبيلنا للنقد، ألا وهو المنهج التحليلي النقدي، بمعنى نحلل ما يتوافر لنا من معطيات الواقع المرئي المشاهد رابطين بين متشابهاته عسانا نصل إلى خيط دقيق يربط بين هذه المعطيات وبين ما نصبو إليه من نتائج.
ثم نقوم بالنقد متى اقتضت الضرورة المنطقية إلى ذلك، نقدا بناء يؤدي إلى الفهم والإدراك وبناء وعي المواطن وهذه بغيتنا إذا ما أردنا حقا تحقيق تنمية مستدامة والوصول ببلدنا إلى العالمية لنضعها في مكانتها اللائقة التي تستحقها بين الدول فنحن لسنا أقل من أي دولة بل نحن أصحاب سبعة آلاف سنة حضارة، ومن ثم كان لابد لنا أن نحافظ على ما توارثناه من أجدادنا وطورناه وانطلقنا منه إلى العالمية، فنحن لسنا أقل من الصين بل حضارتنا تسبقها وتسبق كل حضارات العالم، شهد بذلك المنصفين من المستشرقين، ومن هنا ضرورة ملحة أن نشمر سواعد الجد لنلحق بالركب الحضاري ونواكب ونساير ونعاصر كل ما يعج به واقعنا من تقنيات حديثة، لكن متى يتحقق ذلك، إذا ما اخلصنا النوايا الحقيقية وتخلصنا من الأثرة وغلبنا الايثار وطرحنا المحسوبية والوساطة وضربنا بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بمقدراتنا، وطرحنا فكرة النوم فى العسل أرضا وان يترك كل مسؤول مكتبه وينزل إلى الشارع ويعايش كل صغيره وكبيرة تمس حياة المواطنين وقتها سيشعر المواطن أن ثم يد حقيقة تحنو عليه، فإذا ما شاهد الكبار يفعلون ذلك حتما سيطرح اللامبالاة جانبا وسيقف جنبا إلى جنب مع كل مسؤول.
إنه فرصة عظيمة أعطتها الدولة، هذه الفرصة فى التعديل الوزاري الشامل الذي حدث وكذلك حركة المحافظين الواسعة وتعيين نواب لهم جميعهم من الشباب، بمعنى لديهم روح وحماس فهل سيترك هؤلاء مكاتبهم المكيفة وينزلون إلى الشارع ويباشرون ما يحدث على أرض الواقع فلا تمر شاردة ولا واردة إلا وكانت تحت أبصارهم، هل سيتصدى هؤلاء للفساد الذي استشرى في معظم المحليات وسيتحملون أذى هؤلاء، هل سيتابعون القرى والنجوع فى الأماكن النائية، هذا ما نصبو إليه، لا نريد مسميات وظيفية صورية شكلية تكلف الدولة ملايين الجنيهات والتي تستقطعه من قوت الشعب، وإنما يكون نائبا على قدر المسؤولية، ومحافظا ووزيرا على قدر القسم الذي أقسمه أمام الله قبل الرئيس، فتلك شهادة أمام الله، وتلك أمانة سيسألون عنها أمام الله تعالى وليكن رائدهم وقائدهم محمد صل الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب رضى الله عنه القائل، لو أن بغلة تعثرت فى العراق لسئل عنها عمر يوم القيامة لما لم تمهد لها الطريق يا عمر.
وليكن قدوتهم عمربن عبد العزيز رحمه الله تعالى، الذي جلس مع عامل من عماله يتباحثون شئون الخلافة ولما فرغا، وكان المصباح مضيئ، وبدأ الرجل يحدثه عن أهل بيته ويسأله عن أولاده، قام عمر فأطفأ المصباح لماذا فعلت ذلك يا أمير المؤمنين، لأنه من بيت مال المسلمين، ولا يحق لنا أن نستعمله في أمورنا الشخصية.
ليس المحافظين ونوابهم وحسب، بل كل وزير تولى مسؤولية وزارته فعليه أن يبدأ بالاصلاحات الداخلية في وزارته والكشف عن مواطن الخلل التي قد تكون قد تسببت فيها ظروف ما سابقة على ولايته، فإن ترتيب البيت من الداخل سينعكس ذلك على الخارج في كل ما يتبع هذه الوزارة من مسؤوليات واشغال، وإدارات، لا أقصد وزارة بعينها حتى لا يؤول كلامي تأويلا خاطئا، بل كل الوزارات وكل المصالح والهيئات التابعة لهذه الوزارات، فالسابقون اجتهدوا قدر استطاعاتهم قد يكونوا وفقوا وهذا واجبهم، وقد يكون أصابهم بعض الإخفاق ومن ثم بات تغييرهم من فقه الأولويات وفقه الضروريات، لكي نصلح اخطأهم حتى لا يقع الشعب والمواطن البسيط في براثن وشراك هذه الأخطاء مرة أخرى.
نعم ما أقصده كل الوزارات، وخصوصا الوزارات الخدمية التي تتعامل مباشرة مع المواطن، فالوزير والمحافظ والمعلم والطبيب وأستاذ الجامعية موظف عند الشعب يأخذون رواتبهم من الشعب، نحن بحاجة إلى علاج ناجع وفوري، فليس المهم تغير وزير بآخر، لكن المهم متابعة هذا الوزير وتقييم أدائه ومتابعة كآفة نشاطاته، التعليم الإلزامي وما أدراكم ما التعليم الإلزامي، يحتاج إلى إعادة هيكلة وإعادة بناء، والتعليم الجامعي وما بعده كثيرة هي مشكلاته التي تحتاج إلى حلول جذرية لا مسكنات تعالج العرض والداء كامن هو كما هو، التموين وإذا ما ذكرت وزارة التموين فنحن نتحدث عن هموم ومشكلات المواطن البسيط الذي يقف بالساعات من أجل الفوز بعشرين رغيف خبز، وسلعه الغذائية الشهرية، وضبط الأسعار فى الأسواق ومنع الاحتكار، وزارة خدمية حساسة كان الله في عون من تولاها إذا كان من المصلحين وكان الله في عون المواطن واعانه والدولة عليه ان كان خلاف ذلك ومن ثم باتت متابعته ضرورية.
أيضا وزارة الثقافة عليها معول كبير ودور فعال فى إعادة البناء الثقافي للوطن والنهوض بالمثقف المصري الحقيقي والقضاء على الفساد والواسطة والشللية وعدد اللجان الكثيرة التي لا يستفيد منها إلا ما رحم ربي، اللهم إلا أموال تنفق أولى بها خزانة الدولة، كذلك عليها دور كبير فى إحياء مشروع الثقافة الجماهيرية ومكتبة الأسرة وإعادة هيكلة قصور الثقافة التابعة لها على مستوى الجمهورية وغيرها من المهام، قس على ذلك وزارة الزراعة، والإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، والنقل الذي شهد طفرة لا بأس بهاء لكن نقول مع الشعب هل من مزيد، أضف إلى ذلك الصناعة، نحن نريد والشعب يريد أن نكون دولة مصنعة، نصنع سلاحنا، نصنع دواءنا، نصنع سياراتنا بل ونكون طموحين إلى أبعد مدى ونقوم بتصدير منتجاتنا إلى الخارج من أجل زيادة الاحتياطي النقدي، فنتحول من دولة مستهلكة إلى دول مصنعة ومصدرة.
وكل ذلك سيعود بالفائدة على المواطن وستتحقق له رفاهيته وحقه فى العيش الكريم وسيتحقق حلمنا جميعا وحلم قيادتنا السياسية ألا وهو تحقيق تنمية مستدامة فى كل المجالات.