بدأ الجميع يتساءل كيف ستكون السياسة الخارجية لإيران مع الرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، ويبرز بيزشكيان باعتباره الرئيس غير المحافظ، وقد حظى بدعم الإصلاحيين مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذى تشير مشاركته على الأرجح إلى أن بيزشكيان سيسعى إلى تحقيق هدف إصلاحى رئيسى فى السياسة الخارجية، وهو إعادة التفاوض على اتفاق نووى لتخفيف العقوبات على الاقتصاد الإيرانى وتخفيف التوترات مع الغرب.
العقوبات والحد من النووي
وتم توقيع اتفاق عام ٢٠١٥ بين إيران والصين والاتحاد الأوروبى وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة للحد من برنامجها النووى مقابل تخفيف العقوبات، فى ظل رئاسة حسن روحانى الوسطية.
وقال المحللون إن فوز هذا المتشدد القوي، بدعم من المرشحين المحافظين الآخرين فى الجولة الأولى، من شأنه أن يمثل نهجا أكثر تصادمية تجاه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.
بعد أن شغل منصب كبير المفاوضين النوويين بين عامى ٢٠٠٧ و٢٠١٢، عارض جليلى فكرة أنه يجب على إيران أن تناقش أو تتوصل إلى تسوية مع الدول الأخرى بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم - وهو الموقف الذى احتفظ به فى اتفاق ٢٠١٥.
تفويض محدود
وبغض النظر عن مواقف المرشحين المختلفة بشكل ملحوظ، فإن الرئيس الإيرانى يعمل ضمن تفويض محدود، ويتمتع المرشد الأعلى آية الله على خامنئى والحرس الثورى تحت قيادته بمعظم الكلمة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
ويتعين على الرئيس الإصلاحى أن يواجه القوى المحافظة المتطرفة التى تهيمن على البرلمان الإيراني، فى حين أن قدرته على التعامل مع الغرب سوف تخضع للاختبار من خلال المشاركة الإقليمية للبلاد، والتى وضعتها فى مواجهة حلفاء الغرب.
وفى أبريل، شنت إيران هجوما صاروخيا وطائرات بدون طيار ضد إسرائيل ردا على الهجوم الإسرائيلى على المبنى القنصلى الإيرانى فى دمشق، سوريا، والذى أسفر عن مقتل قادة كبار فى الحرس الثورى الإيراني.
وجاء هذا الرد غير المسبوق وسط توترات إقليمية متصاعدة مع استمرار حرب إسرائيل على غزة واحتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران فى لبنان، ولكن فى حين أن الحرس الثورى الإيرانى يتعامل بصرامة مع السياسات الإقليمية منذ فترة طويلة، إلا أن المفاوضات النووية مع القوى العالمية لا تزال مطروحة على الطاولة.
وتشير خلفية بيزشكيان وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية إلى أنه على الرغم من سعيه إلى إحداث بعض التغيير، فإنه لن يحاول تعكير صفو القارب، خلال المناظرات، كان يتعهد فى كثير من الأحيان بالولاء للمرشد الأعلى آية الله على خامنئى ولم يشكك أبدًا فى استمرارية النظام السياسى الإيراني، ولا ينظر إليه على أنه تهديد من قبل المؤسسة.
وهذا على الأرجح هو السبب وراء حصوله على موافقة مجلس صيانة الدستور فى المقام الأول، ليصبح المرشح الإصلاحى الوحيد المسموح له بخوض السباق الرئاسى وأول رئيس إصلاحى منذ ترك محمد خاتمى منصبه فى عام ٢٠٠٥.
ومن خلال شعاره "من أجل إيران"، وعد بيزشكيان بأن يكون صوت من لا صوت لهم، ويتحدث ضد قمع المتظاهرين ويدعم حرية المرأة فى اختيار ارتداء الحجاب.
ومن المرجح أن يحاول خلال فترة ولايته كسب تأييد السكان المحبطين إلى حد كبير والذين شهدوا الإصلاحيين والمعتدلين يحكمون من قبل، دون إحداث تغيير ملموس كبير فى حياتهم اليومية.
ومن المرجح أن تشمل مثل هذه الخطوات الضغط من أجل إنهاء القيود على الإنترنت وتعزيز بعض الحريات الاجتماعية، بما فى ذلك حقوق المرأة والأقليات.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ركزت حملة بيزشكيان على ضرورة التعامل مع الغرب، بما فى ذلك القضية النووية، لتخفيف العقوبات وتحسين الظروف الاقتصادية للبلاد، وكذلك الابتعاد عن شفا الحرب الإقليمية.
كما أشاد بتقارب رئيسى مع الدول العربية، مشيراً إلى أنه فى قضايا أخرى غير العلاقات مع الغرب، من المرجح أن يستمر على نطاق واسع فى سياسة الإدارة السابقة.
ويتلخص التحدى المباشر الذى يواجهه فى اختيار أعضاء مجلس الوزراء القادرين على ضمان تنفيذ أجندته السياسية، والتى سوف تحتاج إلى موافقة البرلمان الذى يهيمن عليه المحافظون.
وتشير الدلائل إلى أن المعسكر الإصلاحى لم يكن لديه مثل هذه القائمة الجاهزة، إذ أن نتائج الانتخابات لم تكن متوقعة، وكانت التوقعات، قبل حادثة رئيسي، هى بقاء القوى المحافظة فى السلطة لمدة خمس سنوات أخرى على الأقل.
وفى نفس السياق، من الواضح أن الرئيس المنتخب ملتزم بمواصلة طريق الوفاق مع الجيران العرب، ولكن كما هو الحال مع خطة العمل الشاملة المشتركة، لا يمكنه التصرف بشكل مستقل عن المجلس الأعلى للأمن القومى الذى يهيمن عليه الحرس الثورى الإيراني، ودون موافقة نهائية من السيد خامنئي.
ومن المرجح أيضاً أن تتشكل سياسات إيران وفقاً لطبيعة علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وإذا امتدت الحرب الرهيبة فى غزة إلى لبنان، وإذا سارعت إيران إلى مساعدة حليفها اللبنانى حزب الله، فقد تتورط واشنطن فى مواجهة مباشرة مع طهران.
وفى الماضي، استهدف النظام الإيرانى وحلفاؤه منشآت الشحن والنفط الدولية ردًا على رغبة إدارة ترامب السابقة فى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
وعلى الرغم من الإشارات الإيجابية للدكتور بيزشكيان، فإن استئناف مثل هذه السياسة يعد احتمالًا واضحًا فى حالة حدوث مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة. باختصار، يبدو الدكتور بيزشكيان ملتزماً بالتوصل إلى حل تفاوضى للأزمة النووية والانخراط فى تعاون بناء مع الدول العربية.
ومن المرجح أيضًا أن يعيد دبلوماسيين أكفاء إلى الحكومة لفرض سياساته، لكن سلوك إيران قد يتغير تبعاً لحالة علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وعلى الرغم من حسن نوايا الرئيس المنتخب، فإنه قد يجد نفسه متورطاً فى نفس أزمات السياسة الخارجية التى واجهها أسلافه.