تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تواترت الأنباء عن طرح قضية التقارب بين الكنائس الكبرى والعائلات اللاهوتية المسيحية في لقاءات قداسة البابا تواضروس، وقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس في الفاتيكان، وصادفت ارتياحًا لدى الكافة، فقد داعبت حلمًا أثيرًا لدى المسيحيين.
وهي لم تكن وليدة لحظة أو في مواجهة حالة راهنة مرتبكة وملتبسة تغشي خارطة عالم اليوم بأسره؛ بل هي خطوة جادة غير منبتة الصلة بجهود ممتدة غطت القرن الماضي بجملته، شهدت انتعاشات وجمودًا، وتحركًا وقعودًا، كان فارسها الأكثر حراكًا قداسة البابا كيرلس السادس بإسهاماته على الأرض في تأسيس الحركة المسكونية التي تولى تفعيلها الراحل الشهيد الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات الاجتماعية والأب الروحي المؤسس لكنائس المهجر.
وهي ترجمة لمطلب يتردد مع كل صلاة ترفعها الكنيسة في طقسها المبدع، في طلبة يخفق معها قلوب المصلين حين يتضرع الكاهن إلى الله “,”لنتقض انقسامات الكنيسة“,”، وقد حرصت الكنيسة إلى تنبيه الأذهان يوميًا إلى أن يكون هاجس الوحدة حاضرًا فقررته في أول صلاة في فجر اليوم ـ كل يوم ـ فيما عرف بصلاة باكر بقولها نقلًا عن القديس بولس “,”أسألكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم إليها، بكل تواضع القلب والوداعة وطول الأناة، محتملين بعضكم بعضًا بالمحبة، مسرعين إلى حفظ وحدانية الروح برباط الصلح الكامل لكي تكونوا جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا، كما دعيتم في رجاء دعوتكم الواحد، ربٌ واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة“,”.
وعلى المستوى الفكري واللاهوتي ومع عودة الاهتمام بالتراث الآبائي ظهرت دراسات جادة ومعمقة في ذات الاتجاه تقرأ وتفحص تاريخ الانشقاق والذي تفجر في القرن الخامس الميلادي فيما عرف بعصر المجامع المسكونية ـ والمجمع المسكوني هو اجتماع يضم كل كنائس العالم لبحث قضية أو إشكالية لاهوتية في حينها لضبطها وصياغتها بما يتفق والإيمان الذي تسلمته الكنيسة في متوالية تنتهي عند السيد المسيح والكنيسة الأولى ويسمى المجمع باسم المدينة التي عُقد فيها ـ وكان مجمع خلقيدونية 451 م محل دراسة أكاديمية قام بها لاهوتي وباحث أرثوذكسي من الكنيسة الهندية، والتي تتزامل مع الكنيسة المصرية الأرثوذكسية في عائلة واحدة، الأب الدكتور ف. س. صموئيل، وترجمها الباحث المصري الدكتور عماد موريس إسكندر، وراجعها الدكتور جوزيف موريس فلتس، من علماء مركز دراسات الآباء الذي يقود حركة البعث الآبائي في مصر.
جاءت الدراسة بعنوان موحي “,”مجمع خلقيدونية ـ إعادة فحص“,” وظني أنه يصلح لنؤسس عليه ومنه رؤية علمية لسعي المصالحة والوحدة على مستوياتها المتعددة، على أن الأمر على الأرض يصطدم بمراكز استقرت، ومدخلات حملها التاريخ الصراعى الممتد، وثوابت استقرت في رقائق الذهنية الشعبية وعند كثيرين من القيادات، وقد وقر عندهم أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وأن أي اقتراب منها هو تفريط في الإيمان “,”المستقيم“,” وخضوع لضغوطات ما، بل عند بعضهم تحسب غفلة وربما خيانة، وهي توجسات يمكن تفهمها خاصة في مناخ انقطع فيه التواصل المعرفي مع يونانية الآباء، انتهى بنا إلى الاعتماد على ترجمات تحتاج إلى معايرة أكاديمية، وقد تكونت بالأساس بعد أن تحولنا مرتين بشكل متعسف من اليونانية إلى القبطية ومن القبطية إلى العربية، وفي كل مرة كنا نعيد البناء التنظيري مجددًا، ولم يكن الصراع بعيدًا عن ظروف البناء.
ظني أن الأزمة الحقيقية التي تواجهنا هي تصدي غير العلماء لهذه القضية استنادًا إلى مواقعهم المتقدمة، وإن كنا نقدر غيرة بعضهم بغير غرض، وإقصاء أهل الاختصاص من الأكاديميين، وبينهما يندس بعض من أصحاب الهوى على مستوى الصراعات وتصفية الحسابات مدعومة بمن أصابتهم حركة التجديد والإصلاح التي تبدت مع المرحلة الانتقالية وتأكدت مع تسلم البابا لزمام القيادة، وهنا يأتي المأزق الذي يواجه سعي الوحدة، وقد تحمل الأيام المقبلة بعضًا من ظواهر الصدام المغلف بغطاء لاهوتي، لكنه قد ينبئ بنهاية مبكرة لشهر عسل تعيشه الكنيسة.