الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شـواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتابع يورج سورنسن Georg Sorensen أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus University الدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، الذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي، بقوله: نريد أن نعرف ما الأجندة الأمنية التى أسفرت عنها الحرب الباردة، وما النتائج التى ترتبت عليها، بالنسبة إلى الأمن الدولى. على مدى أربع عشريات بقيت الحرب الباردة هى ما يحدد بنية الأمن الدولى. كانت المواجهة قائمة بين قوتين عظميين، مسلحتين بالسلاح النووى. تسليحا كثيفا، ساندت القوتين شبكات من التحالفات، وكانت القوتان مصممتين على أن تمضيا بالمواجهة إلى كل بقاع العالم. 

ومصدر اهتمام الأجندة الأمنية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة بالأمن الإنسانى هو انتشار الصراعات داخل الدول وتزايد التأكيد على حقوق الإنسان والديمقراطية. ووفقًا لهذه الرؤية تبقى المشكلة الأمنية الأشد خطرًا، من حيث الخسائر البشرية وإراقة الدماء، هى الصراعات داخل الدول الهشة. وتنشأ عن التركيز على الأمن الإنسانى مشكلة أمنية ثانية: وهى توسعة الأجندة الأمنية لتشمل عددًا متنوعًا من التهديدات للأفراد، بينها مسائل الأمن المادى كالإرهاب والتحديات البيئية والاقتصادية والأمراض الُمعدية وتهرب المخدرات والسلاح وجملة مخاطر أخرى. ويتصل الأمن الإنسانى، إذن، بالاهتمام بمواطنى كل البلدان، وبينها البلدان الجيدة التنظيم فى الشمال التى تعتبر، فى الأحوال العادية، محلا آمنا لمواطنيها. 

وقد تزايدت أهمية الأمن الجمعى أيضا. إبان الحرب الباردة كانت أى مبادرة تتصل بالأمن الجمعى يجرى تعطيلها من قَبِل قوة من القوتين العظميين. انتهى هذا المأزق بنهاية الحرب الباردة. وكنات نقطة التحول الأوضح هى رد فعل المجتمع الدولى إزاء الغزو العراقى للكويت فى الثانى من أغسطس من العام 1990.   

لكن الأمر لا يسير على المنوال القديم. حدث تحول رئيس باتجاه ما يدعوه إيان كلارك Ian Clark " إضفاء الطابع الجمعى على الأمن" فالدول كلها، وبينها القوى الكبرى، تسعى إلى تبرير أفعالها ليتاح لها ادعاء المشروعية.ويكون هذا هو الحال أيضا عندما ينتهكون الأعراف الدولية، كما وقع من الولايات المتحدة فى العراق فى العام 2003. ويرتبط هذا الانتقال إلى الجمعية وإلى طلب المشروعية باهتمام بالأمن الإنسانى يفوق، بكثير، ما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة. وفى الوقت ذاته لم تختف أجندة الأمن التقليدية، وهى تتصل بنظام أمنى مستقر يقوم بين الدول فى مختلف المناطق، فى مواجهه التحولات فى توازانات القوة وظهور الصراعات وسوف يكون التركيز على منقطة آسيا والمحيط الهادى، وعلى الجوار القريب لروسيا، وعلى الشرق الأوسط.   

وبإيجاز هناك ثلاثة بنود رئيسة على الأجندة الأمينة الجديدة، وتتصل هذه البنود الثلاثة بالصراعات العنيفة فى الدول الهشة، وبالأجندة الأمنية التقليدية للنظام بين الدول، وبالأفق الأوسع للأمن الإنسانى. 

وكانت " أجندة للسلام " Agenda for Peace التى طرحها الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالى فى العام 1992 هى التى فتحت باب مرحلة جديدة من الانخراط الدولى للسلام. فى زمن الحرب الباردة كان التركيز ينصب على حفظ السلام، وعلى التوصل إلى إنهاء العدوات ورصد وقف إطلاق النار فى الصراعات بين الدول فدعت إلى بناء السلام وطرحت مجموعة إجراءات أوسع تستهدف تحقيق سلام أكثر رسوخا واستدامة. وشملت الإجراءات إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية استهدفت الأسباب الجذرية للعنف. وهكذا ينتقل التركيز من الصراعات الحادة إلى الإطار المجتمعى الأوسع. أفضى ذلك إلى مشروعات لبناء الدول وللتحول الديمقراطى وللحوكمة الرشيدة والتنمية الاقتصادية. 

وقد انتقل الأمن الإنسانى إلى مكانة أعلى كثيرًا على الأجندة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة، وأدى ذلك إلى اهتمام بتعاسات البشر فى الدول الهشة. ويتصل العنف فى الدول الهشة اتصالا مباشرًا بحالة الأمن فى الديمقراطيات الليبرالية المتقدمة فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة عن طريقين.يتعلق الأول بأعمال الإرهاب، مثل تلك التى وقعت فى باريس 2015. ويمثل تدفق اللاجئين المتجهين شمالا الطريق الثانى الرابط بين الاضطرابات فى الدول الهشة والأمن فى البلدان الغربية المتقدمة. ملايين اللاجئين يطلبون المأوى فى ألمانيا وفى غيرها من بلدان الاتحاد الأوروبى.

تتصل أجندة الأمن الإنسانى بأخطار متباينة تهدد الناس فى كل مكان. وهذه الأجندة الأمنية الأوسع لم تتحقق لها السيطرة بعد، وبهذا المعنى، لا تزال الدول تركز على الشواغل الأمنية التقليدية. لكن الأمن الإنسانى يبقى مهما، أيا كانت الظروف، لأن الدول، غنيها وفقيرها على السواء، يحكم عليها الآن – وتتأثر مشروعيتها الداخلية والدولية – بمدى قدرتها واستعدادها للعناية بالسلامة العامة لسكانها.   وللحديث بقية.