"إنه فلسطيني" هكذا قال ترامب موجها كلامه إلى بايدن في المناظرة التي تمت بينهما، وعندما يصف ترامب بايدن أنه فلسطيني لا يقصد مدحه، ولكن سياق العبارة يذهب إلى أن ترامب يقصد شتيمة بايدن والتقليل من شأنه بل ومعايرته، ولم يجد من الأوصاف ما يعبر بها عن ذلك سوى اختياره المكثف بقوله "إنه فلسطيني".
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتلاعب فيها ترامب باسم الفلسطينيين ولكن سبق له استخدام مصطلح "فلسطيني" بطريقة مماثلة، عندما وصف في تجمع حاشد نظمه زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وهو يهودي، عندما قال ترامب عنه إنه فلسطيني، مضيفا: "لقد أصبح فلسطينيا لأن لديهم بضعة أصوات أو شيء من هذا القبيل".
لهذه الدرجة وصل بنا الحال أن يستخدم اسم فلسطين كنوع من السباب، لن أبحث عن مبرر خفيف وأقول إن ذلك يأتي في سياق انهيار المنظومة الأخلاقية والسياسية للحكام الأمريكيين، ولكنني سوف ألقي اللوم وبشكل متعمد على حالنا العربي الذي يتراجع من سيئ إلى أسوأ وكذلك على حالنا الفلسطيني الذي فشل بامتياز في بناء وحدته الداخلية للدرجة التي أوصلتنا إلى أن يكون الحوار بين فتح وحماس لا يتم إلا هناك في أقاصي الأرض في العاصمة الصينية بكين، وكأن عواصم الأردن والقاهرة لا تليق بهم.
مناظرة بايدن وترامب لم تأت بجديد يخص القضية الفلسطينية، الطرفان قد اتفقا على منح إسرائيل الفرصة كي تؤمن حدودها، تلك الحدود المراوغة والتي طالما استخدمت إسرائيل حجتها من أجل العدوان على الآخرين، بايدن يعرف ذلك وكذلك ترامب يعرف.
أما الشتيمة بكلمة إنه فلسطيني فهذه جديدة تماما في القاموس السياسي، التي وإن دلت إنما تدل على العنصرية الفجة التي يتمتع بها ترامب، لذلك
اعترض مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية.
على تعبير ترامب عندما استخدم كلمة "فلسطيني" في النقاش واعتبرها المجلس إهانة عنصرية، كما اعترض المجلس أيضا على إدعاء بايدن بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد إنهاء الحرب، وهو ادعاء مخالف للحقيقة، بايدن لم يتوقف عند إبراء ذمة نتنياهو ولكنه ألقى المسئولية كاملة علينا بقوله"الوحيد الذي يريد استمرار الحرب هو حماس"، وهنا ثمة مفارقة عجيبة يلعبها ترامب الذي رد على بايدن في هذه النقطة بقوله "في الواقع، إسرائيل هي التي تريد الاستمرار، ويجب أن تتركهم ينهون المهمة، وبشكل كوميدي يشير إلى بايدن قائلا " إنه - يقصد بايدن - لا يريد القيام بذلك. لقد أصبح مثل فلسطيني لكنهم لا يحبونه لأنه فلسطيني سيئ للغاية، إنه ضعيف".
يتفق الطرفان علينا وإن اختلفت مدخلات ومخرجات كل منهما، ولم يتوقف واحد منهما عند رقم 38 ألف شهيد، ذلك الرقم الرسمي الذي أعلنته وزارة الصحة في غزة، لم يتوقف واحد منهما عند الرقم الذي يدور حول مئة ألف مصاب ولا عند الجوع والحصار والهدم والتخريب، كل منهما يغازل تل أبيب على طريقته، بينما نحن ضحايا بين مطرقة وسندان، ولا ضوء في نهاية النفق، حتى وصل الحال بنا أن تصبح كلمة "فلسطيني" تهمة أو سبة يتقاذفها المتخاصمون،
لم نكن في انتظار بايدن وترامب حتى نعرف موقعنا على الخريطة الرسمية عند القطب الأمريكي الذي يحاول أن يكون وحده في تسيير شؤون العالم، ولكننا في حاجة أن نعرف موضع خطوتنا القادمة.
البوارج الحربية التي تعيش في البحر المتوسط والخناق المصنوع فى باب المندب والدم الذي يسيل في البلدان العربية - فلسطين ولبنان كنماذج بارزة - ثم مفاوضات فاشلة تتبعها مفاوضات أكثر فشلا تجعلنا نشك بأن لعبة التفاوض هي جزء من مخطط الإبادة الذي تسعى إليه إسرائيل بهمة ونشاط، لنبقى في نهاية المطاف مجرد إسم يستخدم كـ"شتيمة" إذا اقتضى الأمر بين خصمين من خندق واحد.
آراء حرة
«إنه فلسطيني».. هكذا شتم ترامب بايدن
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق