الإثنين 01 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

في ذكراه|| العقاد.. عاقد المعارف والأدب

الأديب الكبير عباس
الأديب الكبير عباس العقاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بثقافته الموسوعية التي مكّنته من خوض بحور العديد من المعارف، ونشأته في أسوان التي جعلته يختلط بالعديد من الجنسيات، تمكن الأديب الكبير عباس العقاد من تكوين معرفته الموسوعية مُبكرًا؛ وهي المعرفة التي أهلته لخوض أبرز المعارك الفكرية في الأدب العربي الحديث، والتي خاضها مع عمالقة الأدب في عصره، وأسهمت في إثراء الحياة الأدبية المصرية.


هو عباس محمود العقاد، الطفل الذي تصاعدت صرخاته الأولى في محافظة أسوان في 28 يونيو 1889، ابنا لأم من أصول كردية، واقتصرت دراسته على المرحلة الابتدائية فقط لعدم توافر المدارس الحديثة في أسوان، كما أن موارد أسرته المحدودة لم تكن لتتيح له السفر والتعلم في القاهرة، فاعتمد على ذكائه وصبره على التعلم والمعرفة. 
استخدم العقاد الأدوات التي أتاحتها له بيئته من أجل تنمية مهاراته، فأتقن اللغة الإنجليزية من مخالطته للسياح المتوافدين، لدرجة مكنته من القراءة والاطلاع على الثقافات البعيدة، كما أن الحياة في أسوان رسّخت بداخله عراقة الحضارة المصرية، إضافة إلى الاحتكاك بالحضارة الحديثة التي بدت مظاهرها في الفنادق التي لم تكن تخلو من السائحين، فنشأ الفتى مكتسبًا الصفات التي مكّنته من التعامل مع المجتمعات الحديثة مع الاحتفاظ بأصوله.


صانع الحرير

اتجه العقاد شمالا في بداية حياته ليعمل بمصنع للحرير في مدينة دمياط، ثُم عاد جنوبا ليلتحق بكتابي محافظة قنا، ونقل بعدها إلى محافظة الشرقية؛ وتنقل بين وظائف حكومية كثيرة في المديريات ومصلحة التلغراف ومصلحة السكة الحديد وديوان الأوقاف، لكنه استقال منها واحدة بعد الأخرى، وعندما كتب مقاله الشهير "الاستخدام رق القرن العشرين" عام 1907 كان على أهبة الاستعفاء من وظائف الحكومة والاشتغال بالصحافة، فترك عمله بمصلحة البرق، وجاء إلى القاهرة، وعمل بالصحافة، وتتلمذ على يد المفكر والشاعر محمد حسين محمد.

الديوان 

كان العقاد يشعر بأن الحركة الأدبية المزدهرة في القاهرة، خاصة الحركة الشعرية، لم تكن تُلائم أفكاره الباحثة عن التجديد، وكان دومًا يبحث عمن يشبهون أفكاره. هكذا، أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبدالرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق، واشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة "الدستور"، والتي كانت فرصة لكي يتعرف بالزعيم سعد زغلول ويؤمن بمبادئه، ثُم توقفت الصحيفة عن الصدور بعد فترة، فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل قوت يومه.

ضد القصر

صار العقاد من كبار المدافعين عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، فدخل في معارك حامية مع القصر الملكي، مما أدى إلى ذيع صيته واُنْتخب عضوًا بمجلس النواب، وسجُن لمدة 9 أشهر بتهمة العيب في الذات الملكية، عندما أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، فارتفع صوته أمام أعضاء البرلمان قائلًا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"، كما وقف مُعاديًا للنازية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى أن أبواق الدعاية النازية وضعت اسمه بين المطلوبين للعقاب، وما أن اقترب جنود روميل من مصر سافر إلى السودان، ولم يعد إلا بعد انتهاء الحرب بخسارة دول المحور.

الموسوعي

كان العقاد موسوعي المعرفة، فكان يقرأ في التاريخ الإنساني، والفلسفة، والأدب، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وبدأ حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفة والدين، ودافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيًا وعلميًا، وكتب عن المرأة كتابًّا فلسفيًّا باسم "هذه الشجرة"، عرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة، وعرض فيه نظريته في الجمال، وكان عضوًا في مجمع اللغة العربية وأصدر كتبًا يدافع فيها عن اللغة العربية.

معارك اللغة

 شهدت حياة العقاد معارك أدبية عديدة، منها معاركه مع الرافعي حول فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، ومع محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية، ومعارك أخرى تم جمعها في كتاب "معارك العقاد الأدبية". 
رحل الكبير عباس العقاد في 12 مارس عام 1964 دون أن يتزوج، لكنه ترك إرثًا من الشعر والثقافة ما زال باقيًّا حتى الآن.