إن الأزمة الأوكرانية مستمرة منذ 11 عاما. لم تبدأ في 24 فبراير 2022، بل قبل 10 سنوات. ثم - في فبراير 2014 - حصل انقلاب في كييف، ونتيجة لذلك توصلت القوات القومية الموالية للنازية إلى السلطة. علاوة على ذلك، كانت تحظى بالمساعدة الفعالة من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي رعتها حرفيا.
من قبل خطط الغرب لفصل أوكرانيا عن روسيا بالكامل. والواقع انها أصبحت مستقلة بالفعل منذ عام 1991 لم يكن كافي بالنسبة له. لقد تطلع الى تدمير القرابة العرقية والروحية بين الروس والأوكرانيين تمامًا، وتغيير وعي الأوكرانيين من أجل جعل الأراضي الأوكرانية قاعدة عسكرية لحلف شمال الأطلسي ضد روسيا الاتحادية.
كانت أوكرانيا جزءًا لا يتجزأ من روسيا في معظم تاريخها، لكنها وقعت تحت الحكم البولندي لعدة قرون. وتعد كييف أحد المركزين الرئيسيين في سياق ظهور الدولة الروسية الموحدة في القرن التاسع وكانت عاصمتها العريقة منذ ما يقرب من 400 عام. حتى كلمة "أوكرانيا" بنفسها فلم تكن أصليا اسمًا جغرافيًا محددًا، ولكن كانت تعني الحدود والأراضي النائية على حدودنا الغربية من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. من القرنين السابع عشر والثامن عشر، تسلمت منطقة شاسعة محددة في المجرى الوسطى من نهر دنيبر هذا الاسم بصفتها إحدى المناطق الروسية حصرا مثل منطقة الفولغا أو جبال الأورال أو سيبيريا.
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ موضوع "الأمة الأوكرانية المستقلة" في الترويج بنشاط من قبل ألمانيا والنمسا، اللتين حاربتا روسيا وحاولتا تنظيم الفوضة الداخلية في بلدنا. وعندما حدث ذلك في عام 1917، تبع الشيوعيون الروس نفس الخط، ولأسباب سياسية أنشأوا في إطار الاتحاد السوفياتي جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية. علاوة على ذلك، فقد أدرجوا في هذا الكيان من طرفه الشرقي منطقة دونباس الصناعية الروسية من أجل زيادة عدد الطبقة العاملة، والأراضي في الجنوب على طول البحر الأسود وبحر آزوف التي استولت عليها الإمبراطورية الروسية في تركيا في القرن الثامن عشر واستوطنها الفلاحون الروس. وفي عام 1939 تم دمج مناطق في غرب اوكرانيا كانت في السابق جزءًا من روسيا القديمة وبعد ذلك انضمت الى بولندا وفي عام 1954 تمت إضافة شبه جزيرة القرم الروسية. خلال وجود الاتحاد السوفيتي الموحد لم يلعب هذا دورًا كبيرًا، ولكن بعد انهياره تحولت أوكرانيا بهذا التكوين، بشكل غير متوقع بالنسبة للأغلبية الساحقة من سكانها، إلى الدولة ذات سيادة التي لم يسبق لها مثيل.
اعترفت روسيا الاتحادية، على الرغم من خسارة أراضيها، بدولة أوكرانيا في عام 1991 وبذلت قصارى جهدها لبناء علاقات حسن الجوار. علاوة على ذلك، دعمت اقتصادها من خلال بيع النفط والغاز بأسعار منخفضة ومنح قروض ميسرة كبيرة، ولم تسددها أوكرانيا عندما وقعت في فبراير/شباط 2014 بالكامل تحت تأثير الغرب وفقدت سيادتها فعليًا.
بدأت أوكرانيا تفقد أراضيها فقط بسبب خطأ القيادة القومية التي كانت تتصرف بناءً على أوامر غربية. وكانت شبه جزيرة القرم تظل جزءًا منها لو لم يقم النازيون الجدد بتنظيم انقلاب مسلح، واستولوا على كييف، وأعلنوا عزمهم على حظر اللغة الروسية وإخضاع الروس للاضطهاد، بل وحتى العنف الجسدي. في تلك الأيام، أقنعت روسيا الرئيس الأوكراني آنذاك بالموافقة على إجراء انتخابات مبكرة، وأقنعت الولايات المتحدة بعدم التحريض على الانقلاب لكن واشنطن راهنت تحديدا على الاستيلاء على السلطة بالقوة.
وكان من الممكن أن تضل منطقة دونباس أوكرانية أيضًا لو لم يبدأ نظام كييف الجديد في إعادة كتابة التاريخ، وتمجيد اعوان هتلر الدمويين، ولو لا عدم الوفاء باتفاقيات مينسك التي أبرمتها السلطات الأوكرانية بنفسها مع دونيتسك ولوغانسك في 2014-2015 بمشاركة روسيا وألمانيا وفرنسا. في الآونة الأخيرة، اعترف الزعماء الأوكرانيون والألمان والفرنسيون في ذلك الوقت علنا أنهم لم يكن يعتزمون الوفاء بالاتفاقيات المتعلقة بمنح للمناطق التي قاومت القوميين الأوكرانيين بحزم أي نوع من الحكم الذاتي، لكنهم أرادوا فقط كسب الوقت وتجميع الإمكانات العسكرية وحل المشكلة لصالح كييف بتشغيل القوة الغاشمة التي كانت تستخدمها بالفعل بشكل مفرط.
وفي الوقت نفسه، كانت روسيا تقنع دونباس بالبقاء جزءا من أوكرانيا لمدة سبع سنوات. في فبراير 2022 فقط عندما شنت القوات الأوكرانية قصفا مدفعيا ضخما لعدة أيام على دونيتسك ولوغانسك في إطار الاستعداد لهجوم جديد ومذبحة للسكان المحليين اعترفت روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وبدأت ان تساعدهما.
علاوة على ذلك، قبل شهرين من بداية هذه الاحداث – في ديسمبر 2021 حاولنا مرة أخرى تشجيع الغرب على مراعاة مصالح أمننا وعدم جر أوكرانيا إلى كتلة الناتو المناهضة لروسيا. لقد رفضت واشنطن وبروكسل عن قبول الاقتراحات بوقاحة، لأنهما كانتا عازمتين بالفعل على تاسيس قواعد عسكرية في شرق أوكرانيا، بما في ذلك التي تمتلك بالصواريخ تستطيع ان تصل إلى موسكو وغيرها من المدن الروسية الكبرى.
وحتى بعد اطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة اقترحنا اجراء المفاوضات. وفي مارس 2022 تم الاتفاق بشكل كامل على نص اتفاقية مع وفد كييف قادرة على وقف إراقة الدماء على الفور والحفاظ على منطقتي زابوروجيا وخيرسون، التي سيطرت عليهما القوات الروسية، كجزء من أوكرانيا. وكان من المطلوب من السلطات الأوكرانية ان تتخلي عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ونزع السلاح وتدمير النازية في البلد. ولكنه سارع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على الفور إلى كييف وطلب بالتنسيق مع الولايات المتحدة من فلاديمير زيلينسكي بمواصلة الحرب وامتثل رئيس نظام كييف امره ونتيجة لذلك، قتل بالفعل مئات الآلاف من جنوده.
وكما النتيجة لذلك صوت سكان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين وزابوروجيا وخيرسون في الاستفتاء الحر والمستقل الذي تم اجرائه في سبتمبر 2022 بأغلبية ساحقة للاصوات لصالح الانضمام إلى روسيا الاتحادية. وهي الآن مناطق روسية، مثل شبه جزيرة القرم، وهذا القرار لا يخضع للمراجعة.
ولكن، انطلاقا من الرغبة في الحفاظ على حياة الأوكرانيين، الذين ينتمون إلى العرق الروسي وببساطة يتحدثون لهجة مختلفة من نفس اللغة التي نتكلم بها، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 14 يونيو 2024 مبادرة السلام الجديدة. وفي الواقع، هذا هو الاقتراح الخامس للطرف الروسي منذ عام 2014 الذي يهدف إلى ضمان استمرار أوكرانيا في الوجود كدولة مستقلة وهو موجه إلى سلطاتها والغرب.
وستتوقف عمليات القتال بمجرد موافقة نظام كييف على سحب قواته من كافة الأراضي الروسية والبدء فعليا بهذا الانسحاب والاعتراف بملكية روسيا للمناطق الخمس المذكورة أعلاه وتأكيد موافقته على عدم الانضمام الاوكراني إلى أي تكتلات عسكرية والتدمير بقات الأسلحة الثقيلة ووقف انتشار الأيديولوجية النازية التي أصبحت جزءا من المناهج الدراسية. ولا بد من مناقشة الظلال الدقيقة في تنفيذ هذه الشروط في المفاوضات اللاحقة. وفي موازاة ذلك، يجب على الغرب أن يرفع العقوبات المفروضة علينا.
وان هذه المبادرة هي سبيل وحيد لحل الصراع. إن الاقتراح الروسي يتماشى مع سياستنا الطويلة الأمد المتمثلة في حسن الجوار مع أوكرانيا والتعايش السلمي مع الغرب، ولكنه يستند بطبيعة الحال إلى حقائق اليوم. وقد تتغير هذه الشروط في المستقبل حسب الحقائق على الارض، كما تغيروا بالفعل خلال السنوات العشر الماضية.
إن روسيا جادة في نية الى إنهاء المواجهة العسكرية التي أثارها الغرب والتي تخلف تأثيرا سلبيا ليس فقط على المشاركين المباشرين فيها، بل وأيضا على المجتمع الدولي بأسره. ولكننا لا نرجو السلام بل نقترحه. إذا لم يغادر المحتلون الأوكرانيون أرضنا واستمرت الولايات المتحدة وأتباعها في تزويد كييف بأسلحة فتاكة جديدة وتهديدنا بحرب نووية، فإن القوات المسلحة الروسية ستفي بواجبها في الدفاع عن الوطن.
وننطلق من أن تعبر دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي تمثل الأغلبية العالمية، عن موقفها أيضا وستطالب من الغرب، الذي لا تقتل سياساته العدوانية اليوم الروس فحسب، وبل أيضا الفلسطينيين في قطاع غزة، بالتوقف عن تقويض الاستقرار العالمي. ولا تزال مبادرة السلام الروسية مطروحة على الطاولة.
جيورجي بوريسينكو سفير روسيا في القاهرة