وسط بيئة محافظة فى وسط القاهرة التاريخية وُلدت عائشة راتب في 22 فبرايرعام 1928، في حي الدرب الأحمر وسط تاريخ مصر العظيم، والذي استمدت من قوته وصلابته شخصيتها التي تبلورت على مدار حياتها لتصبح أيقونة الدبلوماسية المصرية، حيث تم تعيينها أول امرأة مصرية تشغل منصب سفيرة في التاريخ الدبلوماسي، وعلى مدار تاريخها الحافل بالنضال كانت شعلة الضوء في تاريخ ومقاومة النساء في العالم العربي أجمع للحصول على حقوقهن، كما أنها قدمت خدمات جليلة أثناء توليها منصب وزيرة للشئون الاجتماعية في السبعينات، واصدرت عدة قوانين مهمة من ضمنها معاش السادات، وقانون الخدمة العامة، وقانون تعيين ذوي الإعاقة ضمن 5% من المؤسسات الحكومية.
مولدها وتعليمها
وُلدت عائشة راتب في حي الدرب الأحمر وسط القاهرة، في 22 فبرايرعام 1928، لأسرة من الطبقة المتوسطة، وكان أبوها مصري وأمها أجنبية، وكان لذلك أثر عليها عظيم، حيث استمدت من أبيها قوة شخصيتها، ومن أمها حبها للأدب الكلاسيكي الإنجليزي والفرنسي.
تعلمت عائشة راتب في المدارس الحكومية مثل مثيلاتها من الطبقة المتوسطة، حيث أُلحقت بمدرسة السنية بالسيدة زينب وكانت متفوقة في دراستها.
وفي اختيار المرحلة الجامعية كانت عائشة راتب تحتار بين كلية الآداب وكلية الحقوق، حيث قدمت بالفعل في كلية الآداب بفضل شغفها وحبها لثقافة الأدب الإنجليزي والفرنسي، إلا أنها سُرعان ما حولت أوراقها لتستقر في دراستها بكلية الحقوق.
تفوقت عائشة راتب في كلية الحقوق حيث كانت من العشرة الأوائل على الكلية، وكانت تأمل أن تُعين في السلك الدبلوماسي والخارجي أو بالجامعة منذ التحاقها بالكلية.
ولم تتوقف عائشة راتب عند تلك المرحلة ولكن استكملت دراسة الماجستير في كلية الحقوق جامعة القاهرة، وذهبت إلى فرنسا لاستكمال دراستها العليا، حيث حصلت على درجة الدكتوراة في الحقوق.
كفاح ونضال
مع تخرج عائشة راتب بكل طموح من كلية الحقوق، تقدمت إلى شغل منصب مندوب مساعد بمجلس الدولة، إلا أن الدكتور عبدالرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة، ورئيس الوزراء حسين باشا سري آئنذاك رفضا تعيينها لأن ذلك كان مخالفًا للمتعارف عليه من تولي السيدات منصبًا.
لم تكن تلك الحادثة هي الأخيرة من مواجهة عائشة راتب لمعوقات تقف أمام طموحاتها، بل أيضًا واجهت رفض لتعيينها معيدة بجامعة القاهرة أثناء دراستها العليا للماجستير.
كما خاضت "راتب" معركة أمام مجلس الدولة بأحقية تعيينها كقاضية، إلا أنها لم تقبل بسبب أن المجتمع المصري لم يكن مؤهلا بعد لقبول فكرة تعيين قاضية ن على الرغم من عدم وجود ما يمنعها دستوريًا وقانونيًا وباعتراف بعض أعضاء مجلس الدولة ورئيسها عبدالرازق السنهوري.
بعد عودتها من باريس وحصولها على درجة الدكتوراه، تم اختيارها لتصبح عضوا في اللجنة المركزية المسئولة على الإشراف علي انتخابات المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي عام 1971 وكتابة الدستور ومناقشة اختصاصات رئيس الجمهورية في الدستور.
مناصب وخدمات
كانت قوة شخصية عائشة راتب سببًا في اختيار السادات لها لتكون وزيرة في الحكومة وتشغل منصب وزيرة الشئون الاجتماعية، وهي بسن الـ43 عام، حيث نشرت الصحف المصرية خبر تعيينها وزيرة للشئون الاجتماعية في 12 نوفمبر 1971
وذلك على الرغم من اعتراضها أمام صلاحيات السادات التي مُنحت له كرئيس للجمهورية، وعلق السادات على ذلك مشيدًا بشخصيتها القوية، رقائلا: «سيدة قالت رأيها بصراحة وحددت اختصاصات رئيس الدولة، وهو موجود وقاعد فوق في اللجنة المركزية تيجي وزيرة».
وكانت عائشة راتب سببً في إصدار "معاش السادات" للفئات معدومة الدخل في عام 1975، وأعطت حقوقًا واسعا للمرأة في حق الحصول علي المعاش من ابيها بعد طلاقها.
كما أنها صاحبة مشروع الخدمة العامة للمصريين الذين لم يؤدوا الخدمة بالقوات المسلحة، كما كان لها الفضل في تطبيق قانون تعيين ذوي الإعاقة ضمن 5% من العاملين بالمؤسسات الحكومية.
واستقالت عائشة راتب من منصبها إبان أحداث ثورة الخبر في 18 و19 يناير 1977، بعد تاريخ حافل من الخدمات في وزارة الشئون الاجتماعية.
أول سفيرة مصرية
لم تكن استقالة عائشة راتب عائقًا أمام تحقيق مستقبلها، حيث عينها الرئيس السادات سفيرة بوزارة الخارجية وتم اختيارها سفيرة بالدنمارك في عام 1979م، إلى 1981 لتصبح أول سفيرة مصرية في التاريخ. كما عينها السادات سفيرة لدولة ألمانيا عام 1981، لتستمر حتى عام 1984م.
وفي عام 1995 في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك حصلت عائشة راتب على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة.
وعلى الرغم من اعتزال "راتب" العمل الوزاري والدبلوماسي إلا أنها ظلت تعطي من خبراتها في جامعة القاهرة بكلية الحقوق، حتى وفاتها في 2013، وظلت مؤلفتها العظيمة وتاريخها الحافل مصدر إلهام ومرجع مهم للكثيرين.