كانت العادة قديمًا في عهد الرّسل أن يقرأ المصلون صلوات السجدة وهم واقفون، ويقال أن السبب في اتخاذ السجود عند قراءتها كما هو متبع الآن يرجع إلى ما حدث مرة عندما كان القديس مكاريوس البطريرك الأنطاكي يتلو الطلبات، هبت ريح عاتية كما حدث في علية صهيون يوم عيد الخمسين فخر المصلون ساجدين، ثم قاموا ليكملوا وقوفًا، فهبّت الرّيح ثانيةً فسجدوا، فهبطت الرّيح، ثم قاموا ليكملوا الصلاة وقوفًا فهبّت الرّيح ثالثةً، فسجدوا وبعدها هدأت الريح... وأدركوا أن مشيئة الله تريد أن تؤدى هذه الصلوات في حالة سجود وخشوع. ومن ذلك الحين أخذت الكنيسة هذه العادة إلى يومنا هذا.
ولا يخفى أن هذه الأمور ظاهرة في الكتاب المقدس، إذ كان كلما حل الله في مكان تهب الريح العاصفة وقد حدث ذلك مرات عديدة (1 مل 19: 11).
والسجود ملازم لصلوات استدعاء الروح القدس في الكنيسة سواء في المعمودية أو في سر الافخارستيا وفي سر التوبة والاعتراف والزواج والكهنوت.. وعلى هذا الرسم تستقبل الكنيسة فعل الروح القدس وهى ساجدة. أيضًا في صلوات السجدة يحرق البخور، وهذا لأنه في يوم الخمسين انتشرت رائحة الروح القدس الذكية بين التلاميذ وملأت العالم كله بواسطة عملهم الكرازي. في سيناء، عندما صارت الرعود ونزل الربّ على الجبل بالنار، لم يقترب الشعب منه بل بقوا في أسفل الجبل.
حين ينحدر الروح الإلهيّ ننطرح نحن أسفل. وكما أنَّ التلاميذ سجدوا للربّ يسوع وهم يرونه صاعدًا، نسجد نحن له أيضًا إذ نراه (الروح) نازلًا. والسجدة هنا تحمل اللياقة المطلوبة لحلول الروح النازل على التلاميذ بألسنة ناريّة. الروح لم يستقرّ على بعضهم في العهد القديم لأنَّهم “ما كانوا إلاَّ بشرًا” أي جسدانيين يحيون للبشرة.
لا يستقرّ الروح إلاَّ على الرُّكب المنحنية.
أما السجدات الثلاثة فترمز إلى:
السّجدة الأولى: نرى فيها صلاة السيد المسيح الشفاعية من أجل التلاميذ والمؤمنين به، مجد الروح القدس، فيقول الرب: "يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي" (يو 17: 24).
السّجدة الثّانية: نلمس وعد الله لنا بإرسال الروح القدس بقوله: "وها أنا أرسل لكم موعد أبي" (لو 24: 49).
السّجدة الثّالثة: ترى فيها بركات الروح القدس المشبهة بالماء الذي يعطيه الرب يسوع، يطلب فينبع فيه ويجرى من بطنه أنهار ماء حي (يو 4: 14).
يقول القديس باسيليوس الكبير عن السجود: "كلّ مرّة نسجد فيها إلى الأرض، نشير إلى كيف أحدرتنا الخطيةإلى الأرض.
وحينما يقومون منتصبين ذلك اعتراف بنعمة الله ورحمته التي رفعتهم من الأرض وجعلت لنا نصيبًا في السماء".