أوشكت الحرب الإسرائيلية على الانتهاء، ولذلك تُحاول كل من حماس وتل أبيب، جني ثمار هذه الحرب؛ إذ إن كل طرف يُحاول أنّ يخرج بأكبر قدر من المكاسب أو يظهر وكأنه المنتصر بعد قرابة 9 أشهر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية.
تعيش حماس وإسرائيل، مرحلة عض الأصابع الأخيرة، صحيح أن واشنطن قررت إسكات صوت المدافع، لكنها في نفس الوقت أعطت الفرصة لتل أبيب كي ترتدي ثوب المنتصر، وإنّ كانت نصيحة الأولى أنّ استكمال أهداف إسرائيل لا بُدّ أنّ يكون بعد الحرب، وليس الآن، ولذلك كانت نصيحتها بوقف الحرب أو تغيير استراتيجيتها فيما يتعلق بهذه المواجهة.
أدركت المخابرات المركزية الأمريكية، في وقت مبكر، أنّ إسرائيل لن تستطيع تحقيق أهدافها المرتبطة بالقضاء على حماس أو حتى تحرير الأسرى، ولهذا بدأ التناقض في التصريحات بين الحليفين واشنطن وتل أبيب، حيث جاء هذا التناقض في الخلاف على الأدوات وليس الغايات.
كما ترى وكالة الاستخبارات الأمريكية، أنّ اتساع نطاق الحرب، سوف يضر بمصالحها ومصالح إسرائيل، كما سيكون عائقًا أمام إسرائيل في تحقيق مصالحها، ولن يُؤدي إلا إلى مزيدٍ من الهزيمة النكراء.
نحن لا نتحدث هنا عن هزيمة مطلقة، لكننا نتحدث عن الهزيمة العسكرية المرتبطة بتحقيق أهداف كل طرف من طرفي الصراع، والتي أعلن عنها منذ بداية الحرب، فأكبر هزيمة حققتها حماس في بدايات عمليتها، هو إسقاط منظومة الردع الإسرائيلية، وهو ما ترك أثرًا بالغًا على إسرائيل، كما أنه سوف يدفع دفعًا في اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية المتخيلة.
لا يوجد منتصر بشكل كامل في هذه الحرب، لكن تعرض جيش الدفاع الإسرائيلي لهزيمة وانكسار كبيرين، كما أنه خسر كثيرًا من أدواته وأسلحته، وأهب الشعوب العربية لمواجهة قد تكون قريبة، بالإضافة إلى كشف القناع عن أحلامه الشريرة في احتلال أرض عربية أخرى.
إسرائيل كشفت عن وجهها الحقيقي، رغم المحاولات الأمريكية للتسويق، بأنها دولة يمكن التعايش معها، وبالتالي التطبيع معها، فإذًا بها تكشف عن وجهها العدائي تجاه كل العرب، ولعل الكثير من الدول العربية سوف تُعيد قرأتها لإسرائيل على خلفية الحرب الأخيرة وسلوكها العدواني والوحشي تجاه الفلسطينيين، والدول العربية التي تجمعها حدودًا معها.
الشعب الفلسطيني قدم تضحيات غالية في هذه الحرب، ولا يمكن أنّ يقبل بما هو دون إنهاء الحرب، مهما كان الضغط العسكري، مع العلم أنّ إسرائيل كل يوم تخسر الكثير من جنودها ما بين قتيل وجريح، فانقلب الضغط العسكري عليها، وهذا ما تُراهن عليه حماس.
ما يحدث الآن، هو بمثابة إضاعة الوقت لما ينبغي أنّ يحدث من وقف تام ونهائي للحرب، لكن إسرائيل ما زالت مؤمنة بأنّ ضغوطها قد تأتي بنتيجة تُعلن من خلالها نصرًا، ولو كان مزيفًا.
لذلك، نحن نعتبر أنّ الحرب قد انتهت، لكننا في نفس الوقت نعتقد أنّ مرحلة عض الأصابع، قد تأخذ وقتًا طويلًا من 3 أسابيع إلى 3 أشهر، وقد تمتد لطول مدة الصراع التي استمرت أكثر من 8 أشهر.
وهذا ما يتوافق مع التصريحات الإسرائيلية، بأنها سوف تخرج من جنوب غزة، وتحديدًا من رفح، إذ إنها تارة تتحدث عن استراحة محارب، وأخرى تتحدث عن أهدافها حققتها في الجنوب، والحقيقة أنها لا تجد ما تستطيع أنّ تحققه، كما أنها استنزفت في الجنوب كما استنزفت من قبل في الشمال.
بالمقاييس العسكرية ومعيار المكسب والخسارة، نستطيع أنّ نقول إنّ خسائر إسرائيل أكبر من أنّ حصرها في الخسائر البشرية؛ هي خسائر معنوية واستراتيجية وعسكرية وبشرية أيضًا، ولكن ما لا يمكن أنّ تعوضه الخسائر الاستراتيجية والبشرية، لذلك هذه البقعة عاشت نكبتين إحداهما عاشها الفلسطينيون في العام 1948، والأخرى عاشها الإسرائيليون في أكتوبر عام 2023.
الفلسطينيون سوف يحتفلون قريبًا بانتصارهم، انتصار الصمود رغم الوجع والألم، وسوف يبنون على هذا الانتصار حلم دولتهم التي باتت الآن رغم حجم الشهداء والتضحيات في المسافة صفر، وهنا سوف يكون الانتصار مبطنًا بالحلم الكبير، والجميل المرتبط بإقامة دولتهم.
لا أحد يستطيع أنّ يقف أمام شعب الجبارين، سوف يحققون ما قدموا أرواحهم من أجله، يقف العرب كل العرب بجوارهم، وما حصاد هذا الانتصار إلا بالدعم العربي والإسلامي في السر والعلن، فليس كل ما يُعرف يُقال، ولكن كل ما يٌقال لا بُدّ أنّ يمر على العقل، فهذه القضية تعيش في قلوب كل العرب والمسلمين، حكامًا ومحكومين.