يرتبط الإنسان الأوروبي في الذهنية الأفريقية بأنه رجل الاستعمار الأول الذي نهب ولا يزال يحاول نهب ثروات القارة السمراء الزاخرة والغنية، وعلى مدار العقود الماضية تبدلت وتغيرت العلاقات بين الجانبين وانتقلت من مربع الاستعمار إلى الشراكة والتعاون.
وأشار نائب رئيس بنك الاستثمار الأوروبي أمبرواز فايول إلى أن الاتحاد الأوروبي يستثمر بكثافة في أفريقيا، حيث يصب نصف ميزانيته العالمية الضخمة التي تبلغ ٣٠٠ مليار يورو في مشاريع في القارة.
وأوضح أن الطاقة المتجددة والوصول إلى الإنترنت والنقل واللقاحات والتعليم من القطاعات العديدة التي تستفيد من أموال الاتحاد الأوروبي الخاصة والعامة- وهو جهد يدعمه بنك الاستثمار الأوروبي «EIB».
وأشار فايول في حوار أجرته إذاعة فرنسا الدولية في ١٩ مايو الماضي، إلى أن أفريقيا تظل أولوية فيما يتعلق بما يمكننا تحقيقه خارج أوروبا وفي العام الماضي، استثمر بنك الاستثمار الأوروبي أموالًا في أفريقيا أكبر من أي استثمار آخر - حوالي ٤ مليارات يورو ويمثل هذا حوالي ٤٠ بالمائة من استثماراتنا خارج أوروبا.
ويشكل بنك الاستثمار الأوروبي جزءا أساسيا من مجموعة أدوات الاتحاد الأوروبي التي ساعدت على مدى عقود من الزمن في تعزيز الشراكة بين أفريقيا وأوروبا، حيث إن القارة السمراء مقبلة على فترة ستتحول فيها آفاقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبعد قليل من انتهاء القمة الأفريقية الإيطالية التي استضافتها روما في نهاية شهر يناير الماضي، نشر معهد واشنطن تقريرا حول طبيعة العلاقات الأوروبية الأفريقية.
مصير أوروبا متشابك مع مصير أفريقيا
وقال التقرير المنشور تحت عنوان «القمة الإيطالية الأفريقية ٢٠٢٤: واجهة للشراكة؟»، إن مصير أوروبا متشابك مع مصير أفريقيا ومرتبط به ارتباطًا وثيقًا وحاليًا، يعتبر الاتحاد الأوروبي ذاته الشريك التجاري الرئيسي لأفريقيا، حيث شهدت القمة الإيطالية الأفريقية قيام المفوضية الأوروبية ومجموعة بنك التنمية الأفريقي بإضفاء الطابع الرسمي على اتفاقية شراكة الإطار المالي بقيمة ٥٠ مليار يورو «FFPA».
وتدل هذه الاتفاقية، إلى جانب الشراكة الاستراتيجية التي أعلنتها إيطاليا بقيمة ٥.٥ مليار يورو والتي تم الكشف عنها في القمة، على التزام كبير بتعزيز البنية التحتية، وأمن الطاقة، والتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء أفريقيا وحضر القمة ٢٠ زعيمًا أفريقيًا، ومثلت ٤٥ دولة أفريقية، في روما بإيطاليا في ٢٨ يناير ٢٠٢٤.
وأضاف تقرير معهد واشنطن أنه في الوقت نفسه تحتاج أوروبا، في سعيها إلى تنويع مصادر الطاقة، إلى أفريقيا لتزويدها بإمدادات الغاز الطبيعي. ومع الإعلان عن الاستغلال الوشيك لحقول الغاز الشاسعة قبالة ساحل أفريقيا الغربي، بما في ذلك الاحتياطيات التي تقدر بنحو ٢.٨٣ تريليون متر مكعب بين السنغال وموريتانيا، تبرز أفريقيا كلاعب رئيسي في هذا القطاع.
ويمكن أن تصبح الجزائر، التي تحتل المرتبة العاشرة بين أكبر منتجي الغاز في العالم، إلى جانب نيجيريا وأنجولا ومصر وليبيا، محاور أساسية لتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
وأصبحت قارة أفريقيا هي ساحة للنفوذ بين القوى العظمى وجرت في السنوات الماضية عقد قمم دورية بين القارة السمراء وهذه القوى وأشهرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وبريطانيا وإيطاليا، في محاولة للحصول على مزايا تفضيلية لدى الدول التي تزخر بالثروات الطبيعية التي تقوم عليها الصناعة حول العالم.
وعلى الرغم من التكالب العالمي على أفريقيا، إلا أن الشهرين الأولين من عام ٢٠٢٤ شهدا قيام الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بإعادة توجيه مليارات اليورو من تمويل التنمية بعيدًا عن أفريقيا - لكن هذا قد يأتي بتكلفة كبيرة لمصالحهم طويلة المدى في القارة.
وفي نهاية فبراير الماضي، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية «ECFR» تقريرا ينتقد خفض الدول الأوروبية للمساعدات إلى قارة أفريقيا، مشيرا إلى أن الشهرين الأولين من عام ٢٠٢٤ شهدا قيام الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بإعادة توجيه مليارات اليورو من تمويل التنمية بعيدًا عن أفريقيا، مؤكدا أن هذا قد يأتي بتكلفة كبيرة لمصالحهم طويلة المدى في القارة.
وأوضح التقرير المنشور في ٢٨ فبراير الماضي، أنه في شهري يناير وفبراير ٢٠٢٤، خفضت الحكومات والكيانات الأوروبية ٤.٨ مليار يورو من تمويل التنمية والمناخ طويل الأجل، وكان معظمه مخصصا لأفريقيا.
يأتي هذا في وقت يتفاقم فيه الفقر في أفريقيا للمرة الأولى منذ جيل كما يتزامن ذلك مع تراجع النفوذ الأوروبي في القارة، فضلا عن القلق بين زعماء أوروبا وصناع السياسات بشأن كيفية تأثير ذلك على مصالحهم الاستراتيجية وعلى الرغم من الضغوط المتعددة التي يواجهها الأوروبيون، فإن إعادة توجيه التمويل بعيدًا عن أفريقيا يبدو الآن ببساطة أمرًا خاطئًا.
ولفت التقرير إلى أن تخفيضات التمويل ــ والتي تصل في مجموعها إلى ٦٪ من تمويل التنمية السنوي من ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي ــ ترتكز على معضلات وطنية وضرورات سياسية مختلفة.
في الوقت نفسه، قام المجلس الأوروبي، من خلال تأمين حزمة تمويل بقيمة ٥٠ مليار يورو لأوكرانيا، بتحويل أكثر من ملياري يورو بهدوء من برامج التنمية طويلة الأجل لتمويل «إدارة الهجرة» كجزء من نفس الصفقة بشأن برنامج الاتحاد الأوروبي طويل الأجل.
هذه الأمثلة هي جزء من اتجاه أوسع ووفقا لإحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، شهد عام ٢٠٢٢ انخفاض حصة أفريقيا الإجمالية من المساعدات إلى أقل من أي وقت آخر في هذا القرن، حتى مع وصول مستويات المساعدات على نطاق أوسع إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.