صدر حديثا للروائي المغربي عبدالنور مزين، رواية جديدة بعنوان "جسر النعامية" عن منشورات سليكي أخوين بطنجة.
تتبلور الشخصيات في الرواية بكل صراعاتها النفسية والهوياتية، عبر رشح خصب من التخييل يلقي بدقائق أمور الشخصيات والمدن والبلدات المختلفة والأحداث في المغرب على خارطة جغرافية البلد الذي يتماهى مع أي بلد من بلداننا أو بلدان الجنوب عموما التي عانت وما تزال من ويلات الاستعمار والتخلف والتمزق والاستيلاب غداة الاستقلالات الشكلية وعودة الاستعمار الجديد والتغلغل الامبريالي عبر الثورة الرقمية وعولمة الاتصال وسيادة سرديات الغرب حول الهويات المتشظية.
هكذا تغدو بلدة النعمانية ضحية لتلك الصراعات الهوياتية التي دفعت بالناجين من الغارات التي تعرضت لها، إلى النزوح على طرق الشتات المختلفة حاملين جرح الشتات وجرح الذاكرة ، وكل آمالهم معلقة على أمل نجاة ذلك الجسر الذي يمتد على نهر تيماثان ليربط بين شطري عالم النعمانية المتواجهين. يرحل السعيد وهو ابن العاشرة من الضفة الشرقية بعد أن فقد كل عائلته تقريبا وترحل تزيري من الضفة الغربية، وهي في مثل سنه وزميلته في القسم على طريق شتاتها المختلف.
ومن الجنجاوية، القرية الزنجية التي لا تكاد تبعد عن النعمانية إلا بمقدار تلك المسافة التي تفصل النهر عن عش يمامة في سفح جبل، ينزح سالم نحو الجاكراندا أولا قبل أن ييمم جنوبا صوب تلاليا على طريق ميكدول، بحثا عن أصله وهويته تاركا خيرة، زوجته وابنه البكر، الكبير الذي لن يلبث هوالآخر أن يقرر الرحيل واتباع نداء الجذور. هكذا تتركز الذاكرة والجرح في النعمانية وتنتشر المسارات على طرق النزوح الشتات والمصائر المتشابكة وغير المنفلتة من شباك القدر الدراماتيكية، التي تفننت الصراعات الهوياتية المرعبة التي قادتها وحدات الذئاب القرمزية بنشيدها ومرجعيتها الفكرية في تصادمها مع الذئاب البيض وكل المرجعيات الأخرى، بدعم وتدخل غير موارب من لدن المصالح الخارجية الغربية وغيرها من أجل السيطرة والتحكم في الخيرات والمقدرات وفي المصائر.
هكذا تتصاعد أحداث رواية جسر النعمانية لتلقي تلك الأضواء على أسئلة حان الوقت لطرحها. أسئلة سرديات الغرب حول الهويات وأسئلة رهاناته في الزمن ما بعد الكولونيالي. زمن الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل الرقمي والذكاء الاصطناعي ومسارات العولمة المتوحشة.
وتأتي هذه الرواية بعد تسع سنوات من صدور روايته الأولى رسائل زمن العاصفة التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر لسنة 2016.
يذكر أن عبدالنور مزين، طبيب وكاتب من مواليد بني أحمد بضواحي مدينة شفشاون، ازداد سنة 1965، وقد صدرت له مجموعة قصصية "قبلة اللُّوسْت" سنة 2010 بالرباط، وديوان شعري "وصايا البحر" بطنجة سنة 2013، ورواية "رسائل زمن العاصفة" سنة 2015 بطنجة، والتي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر سنة 2016.