يحل عيد الأضحى هذا العام، وقد طالت الحروب والدمار عددا من البلدان العربية والإسلامية لتنتقص من فرحة وبهجة هذه الأيام المباركات التي ينتظرها المسلمين، إلا أن معاناة بعض الشعوب استحوذت على الاهتمامات خاصة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، إلى جانب الحرب في السودان بين الجيش وميليشيات الدعم السريع، بالإضافة إلى الحرب في اليمن بين التحالف العربي وميليشيات الحوثي.
عيد الأضحى في قطاع غزة
الإنسان في غزة تحول من لاجئ إلى نازح، ينتظر دوره إما شهيدا أو مصابا أو مفقودا وأينما تول وجهك لا تجد إلا الدمار وعلى مدار الساعة لا يسمع إلا أصوات القصف يتخللها أنات الضعفاء ونحيب الثكالى وبكاء الأطفال الذين افتقدوا أحبائهم كما يفتقدون فرحة العيد الذي يأتي ثانية على غزة وقد انصرفت من وجوههم الابتسامة.
وتؤجل غزة أفراحها بالعيد انتظارا لعيدها الخاص بانتهاء العدوان الإسرائيلي ليتنفس سكان القطاع المنكوب الصعداء، حيث يعانون منذ أكثر من ثماني أشهر من استهدافهم ومحاولات تل أبيب إبادتهم، حيث يأتي العيد الثاني في ظل العدوان المتواصل.
الأيام في غزة، يملؤها الحزن الدائم وتتشابه أحداثها حيث يهرب من بقي حيا من ويلات قصف الاحتلال ويتحول من لاجئ إلى نازح ومن منطقة لأخرى يلتمس الأمان ويبغي الطمأنينة وهي أمور نادرة أجهضتها آلة القتل الإسرائيلية، إلا من بعض الطقوس الدينية، حيث أن كل بيت داخل غزة يعاني إما من فقد شهيد أو حزنا على جريح، أو انشغالا بتساؤلات حول مصير مفقود.
ويأتي هذا العيد وقد تجاوزت حصيلة الشهداء والمصابين ١٢٢ ألفا ناهيك عن آلاف المفقودين تحت أنقاض المنازل والمنشآت التي تهدمت منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي.
لا أضاحي في غزة
ونتيجة لإغلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي لمعابر قطاع غزة، فقد غابت الأضاحي عن القطاع المنكوب، وخلت حظائر الأبقار من كل أنواع الأضاحي، وأغلقت إسرائيل معابر القطاع بما فيها معبر رفح ومنعت إدخال اللحوم الحية إلى القطاع.
وبحسب وكالة "معا" الإخبارية الفلسطينية فإن وجود عدد قليل من الخراف والأغنام التي تباع بأسعار مرتفعة، حيث كانت الأضاحي تدخل لقطاع غزة من طريقين الأول هو الضفة الغربية حيث تتحكم إسرائيل بالمعابر ومنعت إدخال أي نوع منها والثاني من مصر عبر معبر رفح وهو مغلق منذ أكثر من شهر.
وارتفع سعر كيلو اللحم من الخروف من ست دنانير إلى عشرين وكيلو العجل من عشرين شيكل إلى مائة أي أن السعر تضاعف خمس مرات، ولم يتذوق كثير من سكان غزة اللحم منذ عدة أشهر.
أطفال منكوبين وطفولة مسروقة
وفي سائر بلاد المسلمين ينتظر الأطفال قدوم العيد، الذي يحمل لهم الفرحة والبهجة، إلا أن الطفولة في غزة، سرقت على حد تعبير المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، فيليب لازاريني، الذي أكد أن الأطفال في غزة مروا بما لا ينبغي لأي طفل في أي مكان من العالم أن يمر به.
وأضاف في منشور عبر حسابه الرسمي بمنصة إكس، "أن الكثير من الأطفال في غزة قتلوا أو أصيبوا، وسيظل لدى الكثيرين منهم ندوب مدى الحياة"، مشيرا إلى أن "الأطفال الناجون في غزة يعانون من صدمة عميقة، والحرب سرقت منهم طفولتهم، مضيفا "من دون وقف إطلاق النار في غزة سيصبح لدينا جيل ضائع".
وفي مستهل شهر يونيو الجاري، كشف التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة عن ارتفاع صادم في الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الأطفال عام ٢٠٢٣، حيث أكد التقرير أن العدوان على غزة أدى إلى انتهاكات لحقوق الأطفال "بحجم وكثافة غير مسبوقين"، مع ارتفاع في الانتهاكات الخطرة بنسبة ١٥٥ بالمائة في قطاع غزة.
وأشار التقرير إلى أن "أكبر عدد من الانتهاكات تم تسجيله في الأراضي الفلسطينية المحتلة والكونغو وميانمار والصومال ونيجيريا والسودان، حيث تم التحقق من مقتل ٥٣٠١ طفل وجرح ٦٣٤٨ حول العالم ناهيك عن تسجيل أكثر من ثلاثين ألف انتهاك".
وفي نفس السياق، أكد مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية، الجمعة الماضى، تسجيل أعراض سوء التغذية لدى أكثر من ٢٠٠ طفل في قطاع غزة، مشددًا على أن كارثة إنسانية تواجه شمال قطاع غزة وشبح المجاعة يلوح في الأفق.
الأسعار في غزة
وفيما يتصل بأسعار السلع في قطاع غزة، أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك في قطاع غزة سجل ارتفاعًا حادًا نسبته ٣٦.٢٣٪ خلال شهر مايو من العام الجاري ٢٠٢٤ مقارنة مع شهر أبريل من نفس العام.
وأشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في بيان له صدر في ١٣ يونيو الجاري، إلى أنه نتج هذا الارتفاع، بصورة رئيسية عن ارتفاع أسعار مجموعة من السلع، حيث ارتفعت أسعار كل من: الغاز بنسبة ٤٠٥.٢٦٪، السجائر المستوردة بنسبة ٩٧.٢٤٪، البيض بنسبة ٦٩٪، بدائل السكر وسكريات أخرى بنسبة ٦٤.٢٩٪، الديزل بنسبة ٥٢.٨٠٪، الفحم بنسبة ٣٠٪، اللحوم الطازجة بنسبة ١٥.٤٩٪، البنزين بنسبة ١٥.٤٢٪، الخبز بنسبة ٩.١٧٪، الأدوية بنسبة ٧.٩٣٪، الزيوت النباتية بنسبة ٧.٠٧٪، الفواكه الطازجة بنسبة ٤.٠١٪.
العيد في السودان
وفي السودان لا تزال الحرب مستمرة بين الجيش وميليشيات الدعم السريع، التي ترتكب بين الحين والآخر مذبحة جديدة أو انتهاكات ضد المدنيين وكان آخرها مذبحة ود النورة في الخرطوم والتي ارتكبت في الخامس من يونيو الجاري وراح ضحيتها عشرات المدنيين بينهم أكثر من ٣٥ طفلا.
ويهل على السودانيين هذا العام العيد الرابع وسط الحرب وبحسب "سودان تريبيون" فقد أحجم قطاع كبير من الشعب السوداني عن شراء الأضاحي هذا العيد ليس فقط بسبب ارتفاع الأسعار وإنما لأن الكثير منهم فقد مصادر دخله، كما نُهبت معظم الأسواق والمحال التجارية في العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى التي تشهد معارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتسببت الحرب الدائرة منذ أكثر من ١٤ شهرا في مقتل ١٥ ألف شخص ونزوح ولجوء ما يقرب ٨.٥ مليون نازح ولاجئ، حسب الأمم المتحدة، إلى دول الجوار وعلى رأسهم مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد، إلى جانب المعاناة الكبيرة التي طالت ١٨ مليون شخص في أنحاء السودان الذي يبلغ عدد سكانه ٤٨ مليون نسمة، من "الجوع الحاد"، كما يواجه أكثر من ٥ ملايين شخص مستويات طارئة من الجوع في المناطق الأكثر تضررا من الصراع.
ووسط هذه الأزمة المروعة أكد برنامج الغذاء العالمي، أن حوالي ٣.٦ مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد.
مع اقتراب حلول عيد الأضحى للعام الثاني على التوالي، تقضي ملايين الأسر عيد الأضحى بعيدا عن منازلها وأهلها، والذين فقدوهم بسبب الحرب التي شردتهم إما إلى مراكز الإيواء أو الفرار خارج البلاد هربا من ويلات الحرب، لتتلاشى أحلامهم بانتهاء هذا الصراع الدموي الذي أفقدهم أهليهم وأحباءهم وأصدقاءهم.
وتكاد تخلو العاصمة الخرطوم من سكانها إلا من تواجد ميليشيات الدعم السريع في مواجهة الجيش السوداني، حيث يخيم الدمار والخراب على أجزاء كبيرة منها، وصارت شبه مهجورة بسبب الخراب والتدمير الذي طالها.
وبعيدا عن ويلات الحرب والدمار الذي يحاصر السودانيين منذ منتصف شهر أبريل من العام الماضي ٢٠٢٣، إلا أن أسعار الأضاحي أضافت هما جديدا إلى هموهم حيث ارتفعت أسعارها في ظل تفشي البطالة وانخفاض قيمة العملة المحلية.
وقالت صحيفة "سودان تريبيون" السودانية، إن أسعار المواشي في أسواق ولايات القضارف وسنار ونهر النيل والبحر الأحمر ارتفعت خلال شهر مايو الماضي، تزامنا مع أكبر تراجع في قيمة العملة الوطنية السودانية منذ اندلاع النزاع في ١٥ أبريل ٢٠٢٤، حيث يساوي الدولار الواحد حوالي ١٩٠٠ جنيه سوداني.
وتتراوح أسعار الخراف المتوسطة بين ٣٠٠ إلى ٤٠٠ ألف جنيه، فيما تصل أسعار الخراف الكبيرة إلى أكثر من ٥٠٠ ألف جنيه، لكن لا تزال أسعار المواشي الإناث منخفضة، حيث تتراوح بين ١٥٠ إلى ٢٠٠ ألف جنيه.
وأشارت الصحيفة السودانية إلى أن أحد أسباب ارتفاع أسعار الأضاحي هو توقف حركة الوارد من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور بسبب انعدام الأمن، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف والبرسيم والأدوية البيطرية.
وكان السودانيون، قبل اندلاع النزاع، يسافرون من مناطق عملهم، خاصة في العاصمة الخرطوم، إلى أسرهم في الولايات لقضاء عطلة عيد الأضحى، الذي يُسمى العيد الكبير، حيث صار هذا الأمر عادة اجتماعية، لا سيما وسط الأطفال.
العيد في اليمن
وعلى مدار تسع سنوات عاش اليمن حربا ضروسا بين ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، وقوات التحالف العربي، وسط أزمات إنسانية مروعة تواجه الشعب بين الحين والآخر وما زاد الطين بلة هو هجمات ميليشيات الحوثي على السفن المارة بالبحر الأحمر ما تسبب في زيادة الضربات الجوية التي يشنها تحالف الازدهار الذي تقوده الولايات المتحدة بزعم حماية الملاحة.
وبسبب الأوضاع المأزومة في اليمن الذي كان يوما ما "سعيدا" تخلت الأسر عن احتياجات عيد الأضحى، في ظل ضعف القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات التضخم.
وبحسب الأمم المتحدة فقد ارتفعت نسبة الفقر في اليمن إلى أكثر من ٨٢٪، إلى جانب عدم انتظام دفع الرواتب للموظفين، إلى جانب استمرار الانهيار المتسارع وغير المسبوق للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى ١٨٢٥ ريالا يمنيا يوم الخميس الماضي.
وفي ظل استمرار الحرب، اعتمدت السلطات على استيراد ٩٦٪ من احتياجات الشعب، في الوقت الذي وقع فيه الشعب فريسة للإجراءات الصادرة من جانب الحكومة الشرعية والتي سرعان ما تصدر ضدها قرارات من جانب ميليشيات الحوثي المسيطرة على بعض المناطق ما ينعكس بالسلب على اليمنيين، حيث أصدر مؤخرا البنك المركزي اليمني بعض القرارات من شأنها تخفيف العبء عن المواطنين وتوفير الحدّ الأدنى من المعايير المصرفية، إلا أن ردود الفعل المعاكسة من قبل بنك صنعاء الخاضع للحوثيين، "تسببت في اضطرابات وهلع وحالة من عدم الثقة بالريال المعمول به في مناطق الحكومة".
وأعلنت الحكومة اليمنية الشرعية وقف التعامل مع ٦ من أكبر بنوك البلاد لتعاملها مع الحوثيين، فيما ردت الأخيرة بوقف التعامل مع ١٣ بنكا في مناطق نفوذ الحكومة.
وكان سعر الدولار يبلغ ٢١٥ ريالا يمنيا نهاية عام ٢٠١٤، قبل اندلاع الحرب، وتجاوز متوسط سعر رأس الماعز أو الضأن الذي يزن بين ٢٠ و٣٠ كيلوجرامًا ٢٠٠ دولار، في عدد من مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، أي ما يزيد على ١٠٠ ألف ريال يمني (حيث تفرض الجماعة سعرًا ثابتًا للدولار يبلغ ٥٣٠ ريالًا).
بينما يبلغ سعر رأس الماشية نفسها في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن ١٠٠ دولار؛ حيث وصل سعر الدولار أخيرًا إلى ١٨٠٠ ريال يمني، بحسب بعض وسائل الإعلام اليمنية.
وفيما يتعلق بمتوسط رواتب الموظفين اليمنيين فقبل اندلاع الحرب، كان متوسط الرواتب حوالي ٧٠ ألف ريال (قرابة ٣٥٠ دولارا)، أما الآن بات هذا المبلغ يساوي نحو ٤٠ دولارا وفقا لأسعار الصرف.