يصدر قريبًا عن العربي للنشر، الترجمة العربية لكتاب روبن فيلبوت "رواندا والتدافع الجديد على إفريقيا.. من المأساة إلى الخيال الإمبراطوري المفيد"، بترجمة جوزفين عاطف. حيث تنشر "البوابة" مقدمة الكتاب، والتي تتصدرها كلمات الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة "بطرس بطرس غالي"، والذي كرر أكثر من مرة في مناسبات وأعوام متفرقة، أن مسؤولية الإبادة الجماعية في رواندا تقع على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية.
حتى يبزغ من بين الأسود مؤرخيها، لن تمجد قصة الصياد إياه.
(مثل أفريقي)
تقع مسؤولية الإبادة الجماعية في رواندا على عاتق أمريكا بالكامل. هذه ليست كلمات زعيم سياسي هُمش، مثل: "روبرت موجابي" أو "فيدل كاسترو" أو "بشار الأسد". وليست أيضًا بكلمات ناشط أفريقي يتحسر على سقوط الكتلة السوفيتية في غمرة حنينه إلى الماضي. ولكن جاءت هذه الكلمات على لسان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة "بطرس بطرس غالي" في يوليو 1998، ورددها مرة أخرى في نوفمبر 2002، ثم في عام 2004. أحب مسؤولو البيت الأبيض أن يطلقوا على "بطرس غالي" اسم "بوبو غالي" أو "فرينشي"، بينما استبعدوه استبعادًا منهجيًا من الأمم المتحدة، وهي العملية التي أجرتها "مادلين أولبرايت" سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة آنذاك، التي اعترضت على إعادة انتخابه في 19 نوفمبر 1996.
تعارض تحليل "بطرس غالي" مع جميع الأفكار المبتذلة والمقبولة بشأن الكارثة الرواندية التي توغلت آثارها متجاوزة حدود تلك الدولة الأفريقية الصغيرة. نجّد أن قصة رواندا تعج بالأقاويل المبتذلة والخرافات، لذا من الحكمة أن يصيغ أي روائي حديث يتبع مذهب "فلوبير" قاموسًا جديدًا للأفكار الواردة.
أراد "فلوبير" طوال حياته إعداد قاموسًا يحتوي على جميع المفردات التي يجب أن تقال في حضور صحبة جيدة حتى تكون صحيحة ومناسبة، وأيضًا للإشادة بالأمور التي يتفق عليها المنطق الصحيح. ما الذي يجب أن يقال عن رواندا في حفلات السهرة في أوروبا وأمريكا الشمالية، والذي من الواضح أن "بطرس غالي" تغاضى عن ذكره، لكي تكون أفكار مدروسة جيدًا من بين المنطق الصحيح، إذا كُنت منتهبًا إلى تلك الأحداث التي ذُكرت بها رواندا، فمن المؤكد أنك سمعت بعض أو كل العبارات التالية:
رواندا بلد صغير جميل متمركز على قمة هضبة في قلب أفريقيا السمراء، هناك حيث قتل منفذو الإبادة الجماعية "الهوتو" المرعبون مليون شخص من "التوتسيين" العزل بعد أن أسفر حادث تحطم طائرة عن مقتل ديكتاتورًا أفريقيًا في 6 أبريل 1994.
فشلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في الاستجابة في الوقت المناسب على الرغم من التحذير الواضح في فاكس أرسله الجنرال الكندي الشجاع "روميو دالير" في 11 يناير 1994 والتحذيرات العديدة الصادرة عن ناشطين مخلصين ومحايدين في مجال حقوق الإنسان.
عادت فرنسا - في ارتداد متوقع إلى ماضيها الظالم والاستعماري لإنقاذ مرتكبي الإبادة الجماعية والديكتاتوريين، حيث نشرت جيشها في عملية تسمي بـ"عملية الفيروز".
وضعت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة الإستراتيجي العسكري والسياسي اللامع "بول كاجامي"، الرئيس الحالي لرواندا، حدًا للإبادة الجماعية عندما زحف من الشمال وسار إلى كيجالي في 4 يوليو 1994، وتولى السلطة في 19 يوليو 1994.
تحت ضغط منظمات حقوق الإنسان المحايدة وغير الحكومية، وفي ضوء المعلومات الموثوقة التي قدموها، استعاد المجتمع الدولي رشده، وأنشأ المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، واعتقل مرتكبي الإبادة الجماعية المتعطشين للدماء ووجه الاتهام لهم، وطبق العدالة على هؤلاء اللصوص الكبار في أروشا. ويعود الفضل في هذا إلى "لويز أربور " - المدعي العام الكندي - التي أصبح فيما بعد قاضية في المحكمة العليا لكندا، ثم تولت رئاسة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ومن حسن الحظ، بعد قرون هيمن عليها الاغتصاب بكونه سلاح للحرب والهيمنة، أدانت المحكمة الجنائية الدولية رجلًا أخيرًا بتهمة الاغتصاب بوصفه جريمة حرب. وبسبب هذه الجريمة والجرائم الأخرى التي اُرتكبت ضد الإنسانية، يقضى ذلك المتوحش الآن حكمًا بالسجن مدى الحياة في أحد سجون مالي.
بطرس بطرس غالي
أعلن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة أن الإبادة الجماعية في رواندا تقع على عاتق الأمريكيين بالكامل.
فر مرتكبو الإبادة الجماعية من رواندا، في حين استمر الحكام المستبدون في أفريقيا في حمايتهم. نتيجة لذلك، شنت رواندا حربًا دفاعية عدوانية حقًا في دولة الكونغو المجاورة التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. على الرغم من ذلك، بفضل "جان كريتيان"، وابن أخيه السفير "ريموند كريتيان"، والجنرال الكندي "موريس باريل"، تدخل المجتمع الدولي لإنقاذ اللاجئين الروانديين وحررهم من الإبادة الجماعية ومكّنهم من العودة إلى بلادهم بحرية. بيدا أن وبسبب بقاء البعض، كان لدى رواندا ولا يزال المبرر في شن حربها الدفاعية العدوانية في الكونغو. لسوء الحظ، قُتل أكثر من أربعة ملايين شخص منذ ذلك الحين.
اعتذر الرئيس "ويليام جيفرسون كلينتون"، "ومادلين أولبرايت" - وزيرة الخارجية آنذاك - بالإنابة عن المجتمع الدولي، بشأن رد فعلهما المتخاذل، وكذا رد فعلنا، خلا الإبادة الجماعية ووعدا بعد التسامح مرة أخرى مع مثل هذه الجرائم.
نظرًا لفشلنا في الاستماع إلى الدعوات المطالبة بحماية رواندا، يحق لنا - نحن المجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا - ونلتزم بغزو ليبيا وسوريا وإيران ومالي والسودان وأي دولة أخرى يقع عليها اختيارنا.
من منا لم يقرأ أو يسمع مثل هذه التفاصيل؟ هل من الممكن أن تكون مجرد المفاهيم المبتذلة أو العصرية الخاطئة؟ هل تقبع الحقيقة في مكان آخر؟ هل كان "بطرس بطرس غالي" محقًا في رفع عبء المسؤولية الأمريكية الساحقة لنرى ما يختبئ خلفها؟
تكمن مشكلة بمأساة رواندا هي أنه لا يوجد أحد يجرؤ على الالتفات لها. يشبه الأمر قصة الرجل ذو اللحية الزرقاء، الذي سلم زوجته مفاتيح قلعته طواعيةً، ولكنه حذرها من باب واحد بعينه، إذ يجب عليها ألا تفتحه. إلا أننا في هذه القصة نختلف تمامًا عن زوجة الرجل ذي اللحية الزرقاء، إذ أطاعنا جميعًا الطاغية.
يكمن هدف هذا الكتاب في إعلان العصيان، واستخدام هذا المفتاح أو تلك المفاتيح من أحل فتح الباب ومعرفة ما يكمن خلفه. كُتبت رزم من الورق عن رواندا ومنطقة البحيرات الكبرى الأفريقية، حتى أن المساحات، التي شغلتها تلك الكتب في المكتبات ومتاجر الكتب تُقاس بالأمتار. إلا أن هذه الكتب والتقارير تقول الشيء نفسه باستثناء النقاط الدقيقة.
كما هو الحال مع إجماع الآراء في كثير من الأحيان، لا يجرى التسامح مع الانشقاق، أو ببساطة يجرى طمس الإغفالات والأخطاء الواقعية، ويفرض الصمت حيال الحداث الحاسمة. في حالة رواندا، تتفاقم هذه المشكلات بسبب الخنوع المخزي تجاه أولئك الذين يتمتعون بسلطة حقيقية في العالم، فضلًا عن الازدراء المتأصل تجاه أفريقيا.
يبدأ إجماع الآراء بالاستخدام المتعجرف والمسيء لمصطلح "الإبادة الجماعية"، وجميع مشتقاته، مثل: منفذي الإبادة الجماعية المستعارة مباشرة من اللغة الفرنسية، بما في ذلك لهجة نطقها وكل شيء، ما يجعلها أشد وطأة. علاوة على ذلك، تخبرنا خارطة الطريق، التي أدت إلى استخدامها على نطاق واسع، عن أهداف القوى الكبرى والأطراف المتحاربة وسياساتها، أكثر ما تخبرنا به عن الجريمة نفسها. هذا المصطلح بمثابة هراوة، وأمر حظر لملايين الروانديين، ولأي شخص يجرؤ على طرح الأسئلة. ويتسبب استخدامه العشوائي المستمر في إدامة الحرب أكثر من تحقيق العدالة. أما بالنسبة لمصطلح "الإبادة الجماعية" - وفقًا لما كتبه "نعوم تشومسكي" في مقدمة كتابه "سياسة الإبادة الجماعية" - فربما يكون المسار الأكثر شرفًا هو شطبها من المفردات حتى تاريخه، حيث يمكن أن يصبح الصدق والنزاهة "المعيار الناشئ "، في حالة حدوث ذلك.
إن الصمت المدوي أكثر يتعلق بأسوأ عمل إرهابي اُرتكب في التسعينيات، إلا وهو اغتيال "جوفينال هابياريمانا" - الرئيس الرواندي – و"سيبريان نتارياميرا" - الرئيس البوروندي - في 6 أبريل 1994. لقد تحول هذا الاغتيال المأساوي لرئيسي الدولتين الأفريقيتين إلى خبر "تحطم طائرة" في الخطاب الدولي الرسمي، ومؤخرًا دفن تحت جبل من التقارير الرسمية، التي تهدف إلى منعنا من سبر أغوار الحقيقة.
لماذا لم تصر "لويز أربور"، و"كوفي عنان"، و"مادلين أولبرايت" ورؤسائهم من "جان كريتيان" إلى "توني بلير"، و"بيل كلينتون"، و"جورج دبليو بوش"، و"باراك أوباما" على تحديد القتلة وتقديمهم إلى العدالة؟ فبعد كل شيء، وعد "المجتمع الدولي" رسميًا بالقيام بذلك في 7 أبريل 1994. إلا أن الجواب واضح. إذ أن أي تحقيق جدي في هذا الاغتيال من شأنه أن يقضي على الرواية، التي صيغت بعناية من أجل شرح مأساة رواندا.
وما يثير الدهشة أيضًا الصمت المحيق بثلاث سنوات ونصف من الحرب في رواندا، بدءًا بغزو القوات الأوغندية في 1 أكتوبر 1990، والذي نتج عنه اغتيال الرئيسين. إن إلقاء نظرة فاحصة على تلك الحرب، التي شنها جيش الجبهة الوطنية الرواندية الغازي بين 1990 و1994، وما بعد ذلك من شأنه أن يحطم الرواية الرسمية بقوة. لقد أنذرت تلك الحرب بحروب أخرى مزقت جميع البلدان المجاورة وأرعبتها، ولا سيما جمهورية الكونغو الديمقراطية. كان المنتصرون في الحرب الرواندية - وهي الجبهة الوطنية الرواندية - المعتدين الرئيسين في الكونغو، مع ذلك ظلوا أقوى حلفاء للولايات المتحدة والمملكة المتحدة. (على سبيل المثال، كان "بول كاجامي" أول رئيس دولة أفريقية يدعم غزو الولايات المتحدة للعراق. علاوة على ذلك، انفصلت رواندا بقيادة "كاجامي" عن الاتحاد الأفريقي لدعم غزو ليبيا، وتحدث "بول كاجامي" في سبتمبر 2013 في مدينة نيويورك داعيًا للتدخل الدولي في سوريا).
ابتداءً من عام 1989، تركزت القوة في العالم كما لم يحدث من قبل في أيدي دولة واحدة. ربما كان المرء يتوقع أنه مع سقوط الاتحاد السوفيتي، كان سيصبح انتقاد ما كان يُطلق عليه اسم "الإمبريالية الأمريكية" أكثر حدة وأقوى، وسيبحث المزيد من الناس عن المعلومات، ويشيرون إلى المصالح، والمعلومات الخاطئة، والتلاعب، والعمل السري لتلك القوة العظمى. وهذا بالتأكيد لم يحدث فيما يتعلق برواندا.
في حين صورت فرنسا على أنها مليئة بالدوافع والمذنبين في ارتكاب أبشع الخطايا، فإن الولايات المتحدة وأتباعها المخلصين، وخاصة كندا والمملكة المتحدة، لم تصيبهما شائبة تقريبًا، وتلحفا بمظهر من السلطة الأخلاقية والصدق. استعادت فرنسا الاحترام فقط عندما وصل "نيكولا ساركوزي" إلى السلطة، وبمساعدة "برنار كوشنار"، انقلب على سلفيه "فرنسوا ميتران" و"جاك شيراك" في محاولة فاشلة لكسب ود واشنطن.
مثل جميع البلدان، تضطلع رواندا بتاريخ معقد ومثير للجدل. تزخر ملخصات التاريخ الرواندي في الكتب المنشورة مؤخرًا إلزامًا بمواقف المؤلفين من مأساة عام 1994. إلا أن ثمة القليل جدًا من الإشارات إلى التاريخ الرواندي في هذا الكتاب. لم يُتخذ هذا الاختيار لأن التاريخ الرواندي غير شيق أو غير مهم، بل لأن مؤلفي الرواية الرسمية للمأساة الأخيرة يستخدمون التاريخ الرواندي، أو بمعنى أدق نسختهم منه، لإخفاء الأسباب الحقيقية، وبالتالي حماية المجرمين. يشرح هؤلاء المؤلفون دائمًا أحداث 1994 من خلال الإشارة انتقائيًا إلى جوانب من تاريخ رواندا التي يقدمونها عمدًا على أنها شريرة وتنذر بأحداث مؤسفة قادمة. فيبدو الأمر كما لو أن الطريق نحو "الإبادة الجماعية" يمكن تتبعه في التاريخ الرواندي وحده، ولم تتدخل به أي قوى أخرى.
ومع ذلك، نجد أن إلقاء نظرة عامة محايدة على تاريخ رواندا وجغرافيتها وديمجرافيتاها مفيدة للغاية. وتشمل الكتب الموثوقة لموضوعيتها أعمال "رينيه ليمارشاند" الموثوقة، التي نُشرت في عام 1970 في رواندا وبوروندي (مطبعة بال مول، لندن).
كانت رواندا مملكة إقطاعية تسيطر عليها أقلية "التوتسي" (باتوتسي). كان "التوتسي" أساسًا من رعاة الماشية قبل وقت طويل من وصول الأوروبيين. وكان الإخلاص للملك والشعر يحظيان بتقدير كبير من "التوتسي"، الذين احتقروا العمل الزراعي. بينما كانت غالبية "الهوتو" (باهوتو) في الغالب من الفلاحين الذين عملوا في الأرض وكانوا تابعين لطبقة "التوتسي" الأرستقراطية، الذين يدينون لهم بالولاء والضرائب. كما يزعم بعض المدافعين عن الجبهة الوطنية الرواندية أن الروانديين عاشوا معًا في سعادة حتى وصول المستعمرين الأوروبيين. إلا أن هذا المفهوم محل جدال واسع.
بعد مؤتمر برلين عام 1885 والتزاحم الأوروبي على أفريقيا، أصبحت رواندا وبوروندي تحت السيادة الألمانية لكنهما حكمتا حكمًا غير مباشرًا من خلال الملوك المعروفين باسم "موامي". حتى نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918، حكمت ألمانيا أيضًا بلدًا يُعرف الآن باسم تنزانيا ولكن حكمًا مباشرًا أكثر، إذ كانت بمثابة مستعمرة. عندما قسمت القوى المنتصرة ممتلكات ألمانيا وضعت رواندا وبوروندي تحت الانتداب البلجيكي. أدارت بلجيكا رواندا وبوروندي من خلال ملكين (مواميين)، وكان كلاهما من "التوتسي"، ما أدى إلى تفاقم الانقسام بين "التوتسي" و"الهوتو"، حيث تمثل لبمجموعة العرقية الأخيرة أكثر من ثمانين بالمئة من السكان. دُمجت رواندا وبوروندي اقتصاديًا في الكونغو البلجيكية التي كانت عاصمتها الإدارية ليوبولدفيل، والتي أعيدت تسميتها باسم كينشاسا في عام 1971.
في عام 1956، بادر البلجيكيون إلى تنظيم انتخابات هزت النظام الإقطاعي والملكي. وفي رواندا، ثارت أغلبية "الهوتو" ضد الطبقة الأرستقراطية "التوتسية" في نوفمبر 1959. بينما فر العديد من التوتسي إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك أوغندا، في حين قُتل آخرون. توجت هذه الثورة الاجتماعية في رواندا في استفتاء أجرته الأمم المتحدة في سبتمبر 1961، واستقلال رواندا في 1 يوليو1962، وإعادة توزيع الأراضي بين فلاحي "الهوتو". ولقد أشار المؤرخ "رينيه ليمارشاند" - في محاولة للمساعدة في فهم الأحداث الأخيرة - منذ الستينيات إلى أن رواندا وزنجبار كانتا الدولتين الوحيدتين في إفريقيا حيث حدث التغيير الثوري.
فر الملك الرواندي الموامي (كيجيري الخامس) قبل الاستقلال. ومن ثم، أصبحت رواندا جمهورية وأصبح "جريجوار كايباندا"، زعيم حزب "بارمهوتو"، أول رئيس ينتخب بالاقتراع العام. بينما حافظت بوروندي على النظام الملكي بعد الاستقلال واستمرت أقلية التوتسي في تولي زمام السلطة، خاصة في الجيش البوروندي.
بين 1960 و1967 شن المنفيون من التوتسي الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "إنياينزي" العديد من الهجمات العنيفة ضد النظام الرواندي الجديد، لكنهم تعرضوا للضرب باستمرار. وأسفر كل هجوم عن عمليات قتل انتقامية داخل رواندا. في عام 1972، تزعزعت بوروندي بسبب مشكلات خطيرة. إذ قتل جيش بوروندي الذي يهيمن عليه التوتسي أكثر من 100 ألف من "الهوتو"، في حين فر الكثير لاجئين إلى رواندا. بعد ذلك بوقت قصير، في 5 يوليو 1973، أطاح كبار ضباط الحرس الوطني الرواندي بالرئيس "كايباندا". وتولى الزعيم اللواء "جوفينال هابياريمانا" الرئاسة. ولقد دعمت نخبة التوتسي التي بقيت في رواندا بعد الثورة الاجتماعية والاستقلال الرئيس الجديد.
عاشت رواندا في سلام وازدهار نسبيين بين 1973 و1990. وقد نُظر إليها بأنها بمثابة نموذجًا للتنمية الاقتصادية وغالبًا ما استشهد بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بصفتها مثالًا يحتذى به. ولم تحل مشكلة اللاجئين التوتسي بما يرضيهم. وبالتالي أصبح هذا بعد ذلك ذريعة لكبار ضباط الجيش الأوغندي، بما في ذلك العديد من المنفيين التوتسي المولودين في أوغندا أو الذين يعيشون هناك منذ عام 1959، لغزو رواندا في 1 أكتوبر 1990. نظرت حكومة رواندا والأغلبية العظمى من الشعب الرواندي إلى ذلك الغزو بصفته ثورة مضادة تهدف إلى إعادة أرستقراطية التوتسي إلى السلطة. ويتناول هذا الكتاب في الأساس الأحداث التي وقعت منذ عام 1990 وما بعده.
تُعد رواندا واحدة من أكثر الدول كثافة سكانية في العالم. بلغ عدد سكانها 7.6 مليون نسمة في أبريل 1994، ومثل "الهوتو" 85 إلى 90 من السكان. تبلغ مساحة رواندا 26340 كيلومترًا مربعًا، وهي نفس مساحة ولاية فيرمونت التي يبلغ عدد سكانها قرابة 550.000 نسمة. يقدر عدد سكان رواندا في عام 2012 بنحو 11.5 مليون نسمة.
فيما يلي بضع كلمات لشرح مصدر فكرة هذا الكتاب. على الرغم من أن مونتريال كانت موطني منذ عام 1974، فإنني لم أصل من أونتاريو حيث مسقط رأسي، بل من وجادوجو، عاصمة بوركينا فاسو. بتعبير أدق، كنت قادمًا من كودوجو، على بعد حوالي مائة كيلومتر إلى الغرب من واجادوجو، حيث كنت أقيم وأدرس اللغة الإنجليزية والتاريخ لمدة عامين. ولقد كنت محظوظًا بما يكفي لزيارة جميع دول غرب أفريقيا تقريبًا، من موريتانيا إلى الكاميرون، قبل إقامتي في كودوجو وأثناءها وبعدها، ومتابعة اهتمامي بالتاريخ الأفريقي الذي كنت قد درسته في جامعة تورنتو.
لم يأتِ الاستقرار في مونتريال، كيبيك، من قبيل الصدفة. إذ كان ترك دولة ناطقة بالفرنسية في منطقة أفريقية ناطقة بالفرنسية إلى دولة أخرى ناطقة بالفرنسية، إلا وهي كيبيك، أمرًا طبيعيًا. وبالإضافة إلى عامل اللغة، كانت هناك أيضًا تقاربات سياسية، حيث كان الاستقلال الأفريقي لا يزال حاضرًا في أذهان الأفارقة، كما كان الحال مع الاستعمار. وكان العديد من سكان كيبيك في أفريقيا في ذلك الوقت يتحدثون عن الاستقلال والاستعمار الكندي في كيبيك.
كانت باماكو، في مالي، وليس تورنتو أو "ثاندر باي" في كندا، المكان الذي سمعت فيه لأول مرة موسيقى شاعر كيبيك ومغنيها "جيل فيجنولت ". وكانت انجيمينا، في تشاد (فور لامي سابقًا) وليس فانكوفر أو أوتاوا المكان الذي علمت فيه من هو "فيليكس لوكليرك". في كودوجو، قرأت كتاب "الزنوج البيض في أمريكا" باللغة الفرنسية، واكتشفت ما يمثله تاريخ 24 يونيو إلى سكان كيبيك. وفي نفس الوقت وبالحماس نفسه، قرأت رواية "الخادم الصغير" للكاتب "فرديناند أويونو"، في ياوندي، بالكاميرون. في داكار، علمت من هو بالضبط "ليوبولد سيدار سنجور" وقرأت "قطع الله الخشبية" للمؤلف "عثمان سيمبين"، وفي نيجيريا، قرأت "أشياء تتداعى" للمؤلف "تشنوا أتشيبي".
دفعني اهتمامي بأفريقيا – لا سيما بتلك الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية – إلى متابعة الأحداث في رواندا عن كثب في أوائل التسعينيات. ومن ثم نشرت مقال في صحيفة "مونتريال دايلي لا بريس" – والتي كانت برئاسة "إد برودبنت" في ذلك الوقت - في سبتمبر 1994 بعد لقائي بعدد من الروانديين في إحدى المظاهرات. ولقد انتقدت في ذلك المقال المركز الدولي لحقوق الإنسان والتنمية الديمقراطية (الذي أصبح فيما بعد الحقوق والديمقراطية، والذي لم يعد موجودًا في الوقت الراهن) . بدأ ذلك المقال ليكون جدليًا، حيث أثار أول الاتهامات "بالنفي"، كما لو أنه جاء بعد أسابيع فقط من الأحداث التي أصدرت بها محاكم التاريخ حكمًا بالفعل لا يُسمح لأحد بمناقضته. في الأساس، وجه مقالي اتهامات إلى المنظمة، التي أصبحت منظمة الحقوق والديمقراطية وغيرها بإقامة علاقات عامة للجيش الغازي للجبهة الوطنية الرواندية في تقرير منظمة حقوق الإنسان الصادر في مارس 1993، والذي نُشر بعد زيارة استمرت خمسة عشر يومًا إلى رواندا في يناير 1993. علاوة على ذلك، أشار إلى أن التقرير والحملة الإعلانية وحملة الضغط، التي رافقت نشره، فاقمت من الصراع. (ستجد المزيد من التفاصيل في الفصل 4).
بعد نشر هذا المقال وتأسيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في نوفمبر 1994، أبدى أخي – "جون فيلبوت" – وهو محامِ جنائي من مونتريال، اهتمامًا جادًا بالمأساة الرواندية وخاصة بالأشخاص المتهمين في جريمة الإبادة الجماعية. وكان قد نشر نقدًا مهمًا موجهًا للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في أروشا، تنزانيا ، وعُين مستشارًا لمتهم رواندي أمام محكمة الاستئناف في لاهاي. كما أصبح محامون معروفون آخرون من كيبيك وكندا والولايات المتحدة مهتمين أيضًا وعُينوا السجناء الروانديين في أروشا مستشارين لهم.
واجه هؤلاء المحامون وموكلوهم المسجونون تحديًا رهيبًا. فبادئ ذي بطء، سعوا لإقناع القضاة بأن هناك نسخة من الأحداث بخلاف تلك التي وصفها "فلوبير" بأنها "الرواية الصحيحة والسليمة". كما هو الحال مع جميع المحاكم، كانت محكمة أروشا - والقضاة جميعهم – مشروطة برأي عام دولي سبق أن منح الرواية الصحيحة والسليمة سلطة الفصل في صحتها. ومع ذلك، لم يجرى الفصل في أي وقائع، ولم يجرى الفصل في قضايا قليلة جدًا منذ ذلك الحين. بيد أن استمرت السلطات التي عينت نفسها ذاتيًا في تكرار الرواية.
إذا نجح هذا الكتاب في إثارة الشك أو كسر الموافقة بالإجماع لصالح تلك الرواية المبسطة والبسيطة التفكير، فسيكون مستحقًا للجهد المبذول من أجله.
يتناول القسم الأول الأحداث التي نادرًا ما نوقشت والتي جعلت رواندا على شفا كارثة قبل اغتيال الرئيسين "هابياريمانا" و"نتارياميرا" في 6 أبريل 1994. جاء أولاً غزا جزء من الجيش الوطني الأوغندي رواندا في أكتوبر 1990، وحربها المهلكة. خاضت في ذلك البلد على مدى السنوات الثلاث والنصف القادمة. بينما واصل هذا الجيش الحرب ضد رواندا، فرضت القوى الأجنبية نظامًا متعدد الأحزاب قوض قدرة الحكومة الرواندية والقوات المسلحة للبلاد على محاربة الغزاة. فرضت القوى الأجنبية نفسها بقيادة الولايات المتحدة - والتي تطلق على نفسها اسم المجتمع الدولي - بعد ذلك ما يسمى بعملية السلام التي نقلت السلطة فعليًا إلى الغزاة. بدأت المنظمات غير الحكومية في الافتراء على رواندا وقيادتها وتاريخها الحديث بأكمله. إذ أصبحوا مخلب القط للجيش الغازي والمصالح الأمريكية والبريطانية في وسط أفريقيا.
يبحث هذا الجزء أيضًا في كيفية التقليل من شأن اغتيال رئيسين أفريقيين وسببه من خلال عملية تستر واسعة النطاق. من الذي استفاد من عملية التستر هذه؟ يختتم هذا الجزء بدراسة بشأن ما فعلته الولايات المتحدة وما لم تفعله تحديدًا بين 6 أبريل و19 يوليو 1994 عندما قُتل عدد كبير من الروانديين. ستثبت هذه أن عدد القتلى في رواندا لم يكن مصدر قلق كبير للقوة العظمي الوحيدة في العالم. كانت أولوية واشنطن هي أن ترى أبناءها من الجبهة الوطنية الرواندية يفوزون في الحرب فوزًا حاسمًا، ويطردون فرنسا من هذا الجزء من أفريقيا، إلا أن هذا الأمر استغرق وقتًا أطول بكثير مما كان متوقعًا. ماذا عن الإبادة الجماعية؟ ماذا عن المجازر؟ رأى الجميع تلك الصور والمناجل والجثث والهياكل العظمية. لا أحد يستطيع أن يدعى أن هذا لم يحدث. بالطبع كلا. ومع ذلك، فإن تبسيط مأساة رواندا وتحويلها إلى رواية "الإبادة الجماعية الرهيبة للهوتو" في أثناء ذبحهم "للتوتسي الأبرياء" بمساعدة فرنسا وتحريضها قد تستر على الأسباب وحمى المجرمين الحقيقيين. عانت رواندا من كارثة إنسانية مجحفة. ومثل الكوارث الأخرى، كانت لها أسباب سياسية. سيُظهر أي تحليل جاد بشكل لا لبس فيه أن تلك الحكاية المانوية للرجل الطيب والرجل الشرير قد كونتها التصورات الغربية للرأي العام الغربي. وحقيقة أن هذه الحكاية قد ترسخت بسهولة هي دليل على خضوعنا الأعمى للقوة الحقيقية وازدراءنا التاريخي لأفريقيا.
لذا يجب ذكر الأسماء بالتحديد. تفتخر كل دولة غربية بصحفيها الخاص، أو كاتبها الروائي أو الواقعي، أو ناشطها في مجال حقوق الإنسان أو عالم الأنثروبولوجيا الذي نشأ ليروي الرواية الصحيحة والحقيقية. يصف "بابلو نيرودا" كل شخص من خلال وصفًا جيدًا للغاية، إذ يقول "إنه المتسلل الجبان الذي عُين من أجل مدح الأيدي القذرة. سواء كان خاطيبًا أو صحفيًا. بيد أنه ظهر فجأة في القصر بحماس طاحنًا قنوط السيادة" . اسمه "فيليب جوريفيتش" أو "أليسون دي فورج" في الولايات المتحدة، و"ويليام شاباس"، و"كارول أوف" أو "جيرالد كابلان" في كندا، و"جيل كورتيمانش" في كيبيك، و"ليندا ميلفيرن" في المملكة المتحدة، و"كوليت بريكمان" أو "آلان ديستكس" في بلجيكا، و"جان بيير كريتيان"، أو "جيرار برونير" أو "جان هاتزفيلد" في فرنسا. على الرغم من أن لكل سماته الوطنية، فإن رسالته تظل كما هي، وهي الابتعاد عن صاحب السيادة وحلفائه.
يبحث الجزء الثاني من الكتاب في كيفية ترسيخ الرواية في الكتب والمنشورات الأخرى. لقد استمد كتاب الروايات والقصص الخيالية عن رواندا - عن قصد أو بدون قصد - موادهم من تقليد أدبي شعبي عن أفريقيا. يزخر هذا التقليد بالاستعارات والصور والتقاليد التي نشأت في وقت كانت فيه أوروبا تستعبد الأفارقة وتتاجر بالعبيد الأفارقة أو تستعمر القارة. وهذه الاستعارات والصور والمواثيق لها كل ما تفعله مع تخيلات أوروبا وأمريكا الشمالية ولا علاقة لها بالواقع الأفريقي. إذ كونت لإضفاء الشرعية على ما هو غير شرعي بالكامل، أي العبودية وتجارة الرقيق وهيمنة أوروبا على أفريقيا واستعمارها. كلما تكررت أكثر، أصبحت هي نفسها رسالة الأعمال التي ظهرت فيها.
دُرس أربعة مؤلفين مختلفين أربعة كتب عن رواندا لإظهار ليس فقط أن هذا ليس ما حدث في رواندا ولكن أيضًا وقبل كل شيء أنه لم يكن من الممكن أن يحدث مثل هذا في رواندا. وهؤلاء المؤلفون هم الأمريكي "فيليب جوفيفيتش"، والكندية "كارول أوف"، و"جيل كورتيمانش" من كيبك، والبلجيكية "كوليت بريكمان". ساعد الأربعة جميعًا في صياغة "الرواية الحقيقية والصحيحة، وجميعهم سلع وجناة - للعقلية الاستعمارية التي عادت للأسف.
يبحث الجزء الأخير في عمل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا وكيف اُستخدمت العدالة الجنائية الدولية بصفتها أداة للسياسة الخارجية. تفاخر "ديفيد شيفر"، سفير الولايات المتحدة السابق المتجول لقضايا جرائم الحرب، بأنهم تناوروا من أجل أن يكونوا قادرين على "التعامل معها [المحكمة] مثل كبش الضرب في تنفيذ سياسة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي." كما نُظر في قضية "جان بول أكاييسو"، أول شخص أدين بارتكاب الإبادة الجماعية والاغتصاب بصفتهما جريمتي حرب. لطالما صرح "جان بول أكايسو" ببراءته. علاوة على ذلك، لديه دليل قوي على تلفيق الأدلة المقدمة إلى المحكمة من قبل مكتب المدعي العام تحت رعاية المدعي العام السابق "لويز أربور".
يبحث هذا الجزء أيضًا في أزمة اللاجئين لعام 1996 في شرق زائير، جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليًا. ويوضح كيف أن الجيش الوطني الرواندي نفسه الذي ساعدت الولايات المتحدة في توليه السلطة في عام 1994، استخدم الرواية بشأن المأساة الرواندية، التي رفعتها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا إلى مرتبة رسمية، لتبرير غزو الكونغو. استفادت واشنطن من أزمة اللاجئين هذه لإخراج فرنسا من الكونغو، البلد الذي يطمع في موارده الطبيعية. وبذلك حصلت الولايات المتحدة على مساعدة من مساعدين موثوقين في أوتاوا. كانت حكومة كريتيان أكثر من سعيدة للعب دور الدولة المناهضة لفرنسا والموالية لأمريكا والناطقة بالفرنسية.
في مقابلة في باريس، اعترف "ريموند كريتيان"، ابن شقيق "جان كريتيان" والسفير في فرنسا، أن عملية نوفمبر 1996، التي شارك فيها بصفته مبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة أسفرت عن مقتل مليون شخص على الأقل.
بدأت الحرب التي لا تنتهي في الكونغو بتلك العملية. ولقد أدى إلى حدوث انهيار داخلي للبلاد وإلى الحرب الأكثر دموية منذ عام 1945.
ثمة كتاب لم يكتمل أبدا. وظهرت نسخة من هذا الكتاب لأول مرة بالفرنسية في عام 2003 في كل من كيبيك وأوروبا بعنوان " Ça ne s’est pas passé comme ça à Kigali" (ويعني حرفياً "هذا ليس ما حدث في كيغالي"). لقد نوقش هذا الكتاب على نطاق واسع في العالم الناطق بالفرنسية، بعد لاقى إشادة بالغة وهجوم مرير. في غضون عام، لقد ترجمته إلى اللغة الإنجليزية وقدمته إلى ما لا يقل عن عشرين ناشرًا باللغة الإنجليزية في كندا والولايات المتحدة. على الرغم من أن البعض أبدى اهتمامًا به، فإنه لم يلقِ قبولًا من أحد. ربما كانت "الرواية الرسمية" ساحقة. وافق "فيل تيلور" - من "تايلور ريبورت في تورنتو" - على نشر الكتاب على موقع تقرير تايلور على الإنترنت، وظل متوفرًا هناك منذ عام 2006 وكان بعنوان "رواندا 1994: الاستعمار يموت بصعوبة". عثر عليه مترجم ألماني شاب – يُدعى "كلاوس مادرسباخر" - على ذلك الموقع، وترجمه إلى الألمانية، وهذه النسخة موجودة أيضًا على موقع "تايلور ريبورت" مع مقدمة بقلم "هيلموت ستريزيك"، الذي كان شاهدًا خبيرًا أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا. لم تُنشر منه نسخة مطبوعة من الكتاب الإنجليزي حتى هذه النسخة.
لقد حدث الكثير منذ عام 2003، واكتشف الباحثون المزيد أو كشفوا عنه، والأهم من ذلك أن المتحكمين الرئيسين في الأحداث التي بدأت في عام 1990. وكان من الصعب مواكبة جميع البيانات والكتب والشهادات المحلفة التي تراكمت على مدار السنوات العشرة الماضية وهذا يظهر مدى فظاعة "الرواية الرسمية" للمأساة الرواندية. ويعني هذا أن أي شخص ذي نية حسنة يأخذ الوقت - ويأمل أن يقرأ الفرنسية بالكامل - يمكنه تجاوز "الرواية الرسمية" على الرغم من أن الخبراء المحنكين، يرددونها باستمرار مثل الببغاوات. توفر هذه الطبعة من الكتاب ملاحظات ومراجع شاملة للقراء الذين يرغبون في معرفة المزيد.
يصادف 6 أبريل 2014 الذكرى السنوية العشرين لإسقاط طائرة الرئيس الرواندي الذي أشعل فتيل الحرب والدمار والمذابح في وسط إفريقيا التي لم تتوقف أبدًا. في الوقت نفسه، لم يتوقف القادة السياسيون والدبلوماسيون والنقاد والمثقفون والجنرالات المتقاعدون في أمريكا الشمالية عن التذرع بـ "رواندا" كما لو أن الكلمة وحدها تمنح بعض الحقيقة المفترضة والسلطة الأخلاقية بشأن المواقف السياسية أو العسكرية أو الإمبريالية التي يدافعون عنها. استخدمت كلمة "رواندا" على وجه التحديد لتبرير التدخل العسكري "الإنساني" العنيف في دول، مثل: ليبيا والسودان ومالي وسوريا. ولقد حان الوقت لتحديد كيف تحولت مأساة رهيبة بشكل ساخر إلى خيال إمبراطوري نافع لا علاقة له بالحقيقة.