الجمعة 15 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

ترشيحات للقراءة| "سينما القلوب الوحيدة".. رسالة مديح للفن السابع

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعدُّ كتاب "سينما القلوب الوحيدة"، الصادر عن المحرر للنشر، رسالة من مؤلفه الدكتور ياسر ثابت في مديح السينما، حيث يُبرز أهميتها بوصفها وسيلة تواصل ذات تأثيرات متباينة على المتفرج، الذي يلجأ إليها بشكل متعمد في أوقات كثيرة، ليس بهدف التسلية فقط، ولكن بغرض التماهي مع أبطالها، فيفرح لفرحهم ويشعر بالأسى لو أصابهم أي مكروه.

يُقدِّم الكتاب نمطًا من التحليل النقدي الرحب للتجربة السينمائية في معناها الأشمل، أو كما قال المؤلف "تستضيف الأفلام أحلامك وكوابيسك، تضعك في روحانية اللحظة وعظمة اللقطات، ثم توجّه إليك سؤالًا وجوديًا: أين مكانك في العالم؟". 

ويضيف: "السينما هي الجحيم الذي لا بدَّ منه. جلسة حميمية طويلة، تخرج منها مُعتدًّا بأوهامك. صُرَّة من المشاعر بعثرها الهواء. وهي، في أحيان أخرى، مثل معجنات مُصممة لاسترضاء المعدمين بأحلام يقظة عن نعمة لا يمكن الوصول إليها".

ويشير الكاتب إلى أن هدفه من الكتاب يتمثَّل في استعادة رموز المتعة البصرية والسردية ذات الرونق الخاص ممَن قدَّموا مسارات مختلفة ومُلهمة في العمل السينمائي، ونجحوا في تطويره. فيستعرض في هذا السياق، مجهودات مجموعة من المخرجين والممثلين مثل محمد خان، وداود عبدالسيد، وعز الدين ذو الفقار، وأحمد زكي، وأبرز مديري التصوير السينمائي في مصر.

صيفي.. وشتوي!

            

عشية ثورة 23 يوليو 1952، كان أنور السادات حريصًا على اصطحاب زوجته الثانية جيهان إلى السينما الصيفية القريبة من منزله لمشاهدة عروض لثلاثة أفلام متتالية. وعندما عاد إلى المنزل في الواحدة ليلًا، علم من حارس العقار أن جمال عبد الناصر ذهب يسأل عنه مرتين، فأسرع نحو منزل عبد الحكيم عامر ثم قيادة الجيش بالعباسية، حيث كان كل شيء قد تم وسيطر الضباط الأحرار على مقاليد الأمور.

وقد أصبحت حكايته هذه نكتةً تُروى ونادرةً يتناقلها أعضاء مجلس قيادة الثورة فيما بعد.. فما إن يسأل واحدٌ منهم في أي اجتماعٍ: أين أنور؟ حتى يجد من يجيب ساخرًا: في السينما!

والسينما الصيفية وتوأمها السينما الشتوية جزء من الذاكرة السينمائية لدى كثير من المصريين طوال القرن العشرين.

ولعل ما ذكره مدير التصوير السينمائي سعيد شيمي في كتابه «حكايات مصور سينما» يكفي للتدليل على ذلك؛ إذ يقول:

«منزلي الذي وُلِدتُ به كان في 30 ميدان عابدين، وكانت تحيط به دور العرض الصيفية والشتوية بالكامل من كل جهة؛ فمن ناحية الشمال وعلى بُعد خطوات قليلة من المنزل «سينما رويال» -مسرح الجمهورية الحالي- وهي دار فخمة شتوية؛ وأتذكر أني شاهدتُ فيها فيلم «شمشون ودليلة» في الخمسينيات.

وبجانبها سينما درجة ثالثة «إيديال» شتوية لم ندخلها أبدًا، ثم أبعد قليلًا أمام المبنى الفخم لمتجر «عمر أفندي» منطقة تُسمى أرض شريف فيها دار عرض حديقة «بارادي» الصيفية، وسينما «كرنك» الصيفية، ثم في شارع عبد العزيز سينما «أولوبيا» الشتوية سيئة السمعة، ثم في حديقة الأزبكية «سينما صيفي الأزبكية»؛ في الشتاء تتحول إلى ملعب للعب رياضة «الباتيناج» -الأحذية ذات العجل- وسينما صغيرة درجة ثالثة تُسمى «رمسيس» في مدخل أحد شوارع ميدان العتبة.

وفي الشمال الغربي من المنزل كل سينمات منتصف القاهرة الصيفية والشتوية؛ منها ما ذهبت مع الزمن مثل الصيفي «ركس» و«سان جيمس» وهي سينما ومطعم في البالكون في نفس الوقت، وسينما «متروبول» وسينما «النصر» وسينما «كورسال» بجانب السينمات الشتوي العديدة؛ الباقي منها الآن «ديانا».

أما إذا اتجهنا غربًا من منزلي وعلى بُعد خطوات سينما «ستراند»المتسعة؛ ومكانها الآن عمارة ستراند، وسينما «ريو» الصيفي بجوار سوق باب اللوق، وفي سينما «ستران» شاهدتُ أفلامًا صامتة. وكذلك لم تكن هناك ترجمة بالعربية أسفل الصورة على الشاشة، بل الترجمة على شريط جانبي متحرك من الأسفل إلى أعلى بعيدًا عن الشاشة في جهة اليين باللغة العربية، وآخر جهة اليسار باللغة الفرنسية إذا كان الفيلم ناطقًا بالإنجليزية أو أي لغة أخرى.

ومن ناحية الجنوب من المنزل سينما «الشرق» الشتوي في مدخل ساحة السيدة زينب الكريمة، ولم نذهب إليها –ربما- إلا مرة لبُعدها عن المنزل؛ فقد كنا نذهب إلى دور العرض منترجلين مع والدينا أو دادة حجازية، حتى يحضر والدي أو عمتي، وفي السينمات الصيفي دادة حجازية تحمل معها سندوتشات البيض بالبسطرمة والجبن الرومي والمربى وترمس الماء» .

ولنتخيل مدى تأثير دور العرض المذكورة على فتى مثل سعيد شيمي، قبل أن يقرر احتراف التصوير السينمائي ويصبح من علامات المهنة في مصر.

غير أن دور العرض الصيفية والشتوية اختفت أو كادت لأسباب مختلفة، منها تغيُّر ثقافة الفُرجة وعادات المتفرجين، وتراجع عدد دور العرض في مصر بشكل عام لعوامل اقتصادية.

منذ مطلع الألفية الثالثة، تم إغلاق سينما Rio الواقعة بمنطقة باب اللوق أمام الجمهور، افتتحت تلك السينما في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وهي «سينما صيفية» تعرض أفلامها في الهواء الطلق على مقاعد متراصة يمينًا ويسارًا وأمامك شاشة كبيرة في الواجهة كان يقوم بتشغيلها «عم مرسي» الذي يجلس في الطابق الأول للسينما يحرك الماكينات اليدوية التي كانت مستخدمة آنذاك، فلم تكن Rio تعتمد على ماكينات الـ٣٥ مم بعد.

حرصت هذه السينما على عرض أفلام تجذب جمهور الشباب والمراهقين مثل «حمام الملاطيلي» بطولة شمس البارودي ومحمد العربي ويوسف شعبان وإخراج صلاح أبوسيف. كانت ريو تعرض أربعة أفلام يوميًّا، وكان المطعم المجاور لها ملاذًا للكثير من رواد السينما الذين كانوا يتناولون الطعام فيه بعد مشاهدة الأفلام، والتذاكر كانت تباع بـ60 و75 قرشًا، وصلت إلى جنيه وخمسة وسبعين قرشًا قبل إغلاق السينما تمامًا.