لا يبدو في الأفق أي اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ فكل منهما يُريد أنّ يخرج منتصرًا في الحرب الحالية، إسرائيل فشلت في الحسم العسكري ولذلك تُحاول أنّ تبحث عن انتصار لو مزيف عبر المفاوضات، وحماس تُريد أنّ تحصد ثمار عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر عام 2023.
كل المؤشرات تذهب إلى أنّ الصفقة التي طرحها الرئيس الأمريكي جو بايدن سوف يكون مصيرها كمصير ما سبقها من صفقات وقامت إسرائيل بتعطيلها؛ فكلا الطرفين في مرحلة عض الأصابع، صحيح هناك نية للتوصل إلى اتفاق، ولكن كل طرف يُريدها كما تخيلها في عقله، ولذلك يبدو الأمل في التوصل لاتفاق صعب للغاية.
تعثرت المفاوضات بين الجانبين إلى الحد الذي لا يُبشر بالأمل؛ وكالعادة كل طرف يتمسك بأهدافه المعلنة؛ حماس لا تُريد أنّ تتنازل عن شروطها التي تتعلق بإنهاء الحرب وعودة النازحين وإعمار غزة والإفراج عن الفلسطينيين ذوي المحكومات العالية، وإسرائيل تُريد أنّ تغلق ملف الأسرى ثم تُعاود معاقبة الشعب الفلسطيني.
لا اختلاف بين ما طرحه الرئيس الأمريكي وما بين ما طرحته مصر من قبل، وللمناسبة الورقة المصرية في مايو الماضي كانت منطقية وقابلة للتطبيق، ونقلت القاهره من خلالها روح مطالب الطرفين، ولكن رفضتها إسرائيل بعد أنّ وافقت عليها في السابق واتهمت القاهرة بتغيير بعض بنودها، أملًا في تحقيق بعض المكاسب في الوقت الضائع، فضاعت الصفقة!
تقدم الرئيس الأمريكي جو بايدن بصفقة عُرفت بأنها ترجمة لمطالب إسرائيل ولعلها وافقت عليها قبل أنّ يطرحها للعلن، ترجم من خلالها البيت الأبيض مطالب تل أبيب، فقبلتها حماس ووضعت الأخيرة شروطًا جديده موجودة بالفعل في الورقة المصرية التي سبقت ووافقت عليها إسرائيل من قبل، ووضعت شرطًا جديدًا يتعلق بالضامنين الدوليين، حيث اشترطت وجود روسيا والصين وتركيا، وهو ما أزعج تل أبيب.
دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل ودفعها لضرب الشعب الفلسطيني في الجنوب وبخاصة في رفح، ربما أثار قلق حماس فاستدعت ضامن دولي لم يكن منحازًا لأحد الطرفين، وهنا نستطيع القول بأنّ سياسة واشنطن هي جزء من الأزمة الموجودة بين الطرفين، وأعتقد سوف تظل جزءًا من هذه الأزمة خلال مراحل الصراع القادمة.
لن تتخلى حماس عن شروطها المتعلقة بوقف الحرب وعودة النازحين وإعمار غزة وربما تتفاوض على أعداد وأسماء من يخرجون في تبادل الأسرى مهما كان الضغط العسكري، ولعل هذا الضغط هو جزء من مشكلة عدم التوصل لاتفاق، كما أنّ انحياز واشنطن لإسرائيل بهذه الصورة أفقدها مصداقيتها عند الفلسطينيين عامة وحماس بوجه خاص، كما أنّ رهانات واشنطن كلها خابت في تحقيق أي منجز يتعلق بالإفراج عن الأسرى من خلال القوة العسكرية.
استمرار الحرب وزيادة وتيرة النيران على الفلسطينيين ربما توسع من رقعتها؛ فمازالت هناك احتمالات تتعلق باشتعال المنطقة، فنحن أمام قوة عسكرية تضرب برعونة شديدة ودون سقف وبدعم أمريكي مع تضحيات قدمها الشعب الفلسطيني ولذلك لن يقبل بأقل مما دفع ضريبته في الثمانية أشهر الماضية.
كما لا بد أنّ نضع تصور حماس الأيديولوجي في الحرب، فهي ترى أنّ مزيدا من القتل في حق الشعب الفلسطيني سوف يُهزم إسرائيل على المدى القريب والبعيد، صحيح هي لا تدفع في هذا الاتجاه ولكنها في نفس الوقت ترى الخسائر الإسرائيلية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لو استمرت آلة الحرب الإسرائيلية على نفس رعونتها.
خسائر إسرائيل العسكرية كثيرة ومتعددة ولا يمكن أنّ تتحملها بأي حال من الأحوال، ولا أعتقد أنها سوف تكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية في صفوفها خلال الأربعة أشهر القادمة، وهذا قد يدفعها دفعًا لإنجاز اتفاق ولكن في اللحظات الأخيرة ولكنها في نفس الوقت لن توافق بوجود ضامن دولي بخلاف واشنطن.
قد تتهاون إسرائيل في بعض شروطها وقد تتخلى عن بعضها، وقد تُحاول القفز على الاتفاق الذي تتمسك حماس فيه بوقف إطلاق النّار، ولكن هذا لن يكون في المنظور القريب ولن يكون برغبتها، صحيح هي قادرة على قبول الصفقة من عدمه ولكن بعد أنّ نجحت حماس في صفعها أكثر من مرة.
أعيد وأكرر لن تقبل إسرائيل الصفقة الحالية ولن تُوافق عليها وسوف يكون مصيرها كغيرها من الصفقات التي طرحها الوسطاء من قبل، ولكنها سوف تقبلها تحت الضغط العسكري للفصائل وصفعات حماس المتكررة، وفشل خطتها في إرغام الأخيرة على قبول ما لم تُريده، ولعل هذا هو ملخص استراتيجية حماس في التعامل مع العقل الإسرائيلي المفاوض.