يصحو وينام «عبده مشتاق» على أمل واحد، أن يكون له شأن ويكون ذا قيمة بين الناس، يتمنى بأى شكل من الأشكال أن يجلس على الكرسى ليتحكم فى هذا ويذل ذاك، وينتقم من هؤلاء فلديه لذة فى أذى الآخرين، ويشعر بسعادة غامرة إذا عرف أن فلانًا عنده مصيبة، وجلوسه على الكرسى سيساعده فى تحقيق مآربه.
يصدر «عبده مشتاق» صورة عن نفسه أنه متعاون وخبير وخلوق، هذا داخل الاجتماعات العامة فقط، ولكن فى الممارسة الفعلية هو أول من يقوم بتعطيل الأمور، فيرفض توقيع ما يجب توقيعه بحجه عدم وجود همزة على حرف الألف، فتتم طباعة الأوراق بالتصحيح فيتهم الآخرين بإهدار المال العام الذى يحافظ هو عليه ويضعه فى عينيه، ويسعى بقدر الإمكان لتعطيل أى عمل وتعقيده، ومن شدة خبرته ينصح أحد الأقران بتنفيذ عمل ما بطريقة معينة وفى نفس الوقت يقنع آخر بعكس ما قاله أولًا، وعندما تشتعل الأمور بين طرفين، يشعر بالرضى والنشوة، وبينما ينادى أنه ينقل الأمور بشفافية، ويحرص على مصلحة العمل، ويتفزلك فى تفسير القانون، يقف حكمًا ظالمًا يمقته الناس، فمهما جال ودار هنا وهناك، فهناك حاجز بينه وبين الناس، ومهما استدر عطفهم بكلمات معسولة ورسم أنه ناصح أمين، فالكل يفهمه ويعرفه ويتحاشاه بل إن الحاجز بينه وبين النجاح، كثمرة لأفعاله بالآخرين، طريقك مسدود مسدود يا ولدي.
«عبده مشتاق» يحلم بالوصول للسلطة ويبقى مترقبًا لأى تعديل فى المناصب القيادية، يتحدث مع هذا وذاك لعل وعسى تتغير الأوضاع، ولما لا يجد بدًا من الأمر يقرر أن يداعب السلطة فيتسلق بسرعة البرق ويلتصق بالمسئول، ويجلس على أذنيه وبشفتين تقطران عسلًا وأنعم من الزيت، يبخ سمومه عن هذا وذاك ويلوى الحقائق وينسجها كمهارة بيت العنكبوت، شكله من الخارج جميل ولكنه هش، كلامه مقنع ومعسول ومنطقى لكنه حلو وكذاب، وبعد أن يضع المسئول فى جيبه ينزل قليلًا ليعيث فى الأرض فسادًا، فقد أخذ نفوذًا جزئيًا بقربه من المسئول، ومن أذن المسئول لأذان الأقران، يشكو المسئول ويلعنه ويسبه ويحكى عنه تفاصيل لا يجب أن تُقال، يغمز بعينيه ويشير بأصابعه ويزرع خصام، ويوضح كيف يشتم ويسيء المسئول الشرير للأقران فى ظهورهم، وبهذا يحقق هدفه بتوسيع الفجوة بين الموظفين والمسئول ليبقى الفتى المدلل الأقرب له، أما اليوم الذى لا يقدر أن يؤذى فيه أحدًا يسرق النوم من عينى «عبده مشتاق».
«عبده مشتاق» لديه موهبة غريبة، تسمى فن كتابة الشكاوي، فبينما يتجول بين أقرانه يجمع معلومات عن هذا وذاك، ليكتب فيهم شكاوى كيدية منسوجة بفن، وحتى يحبك الشكوى يسعى لدعم أى جزء من أكاذيبه بأوراق رسمية تمس موضوع شكوته ولو من بعيد، ثم يربط بين شكواه وبين الأوراق رغم أن كلاهما فى مسارين مختلفين، وهو يحاول بهذا أن يضفى عليها المصداقية، ولأنه متمكن فى الشكاوى يبحث عن المسئولين عن أى أوراق مفيدة له ويسعى للتقرب لهم والسيطرة عليهم بكل الطرق، فالمكسب الذى سيحققه من ورائهم يفوق ما يقدمه لهم، ويغريهم بتسريب أوراق رسمية، ثم يكتب شكواه ويربط هذا بذاك رغم عدم وجود صلة بين ما يكتبه وبين الأوراق، ويضفى لمسته فلا يوقع أبدًا على شكواه لأنه أجبن من أن يمضى باسمه، فيكتبها باسم شخص أو أشخاص آخرين!.
وبينما يفعل كل شيء فى الظل فهو مكشوف ومفضوح فى عيون الكل، الذين يقولون إن طبع «عبده مشتاق» وراثة، فكيف يجتمع كل هذا الشر فى شخص واحد؟
ظل «عبده مشتاق» يقبل الأيادى ويخدم الرؤساء واحدًا تلو الآخر، لعل وعسى يحتضن الكرسى يومًا، وظل يتحمل عدم تقدير الرئيس المباشر وإحراجه له أمام الكل، وفجأة تم الاستغناء عن خدمات الرئيس، فوجد ’’عبده مشتاق‘‘ نفسه ضائعًا، فقد شغل كل وقته لاتهام أبرياء وتعطيلهم وظل يكذب ويفترى عليهم لمجرد أنهم أفضل منه، فماذا حدث؟ وصل هؤلاء الشرفاء لهدفهم ولم يتعطلوا وظل هو فى مكانه محلك سر، منبوذًا مكروهًا ضيع أيامه فى الحقد والضغينة والانشغال بكل شيء إلا نفسه.