تمر اليوم السبت ذكرى اغتيال المفكر الكبير فرج فودة، والذي جرى اغتياله في الثامن من يونيو لعام 1992، بعدما خاض عدة معارك ضد الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وبعد مناظرات عدة ضد أنصار الدولة الدينية.
دفع "فودة" حياته ثمنًا لأفكاره الثائرة والجادة، حالمًا بجيل يأتي في المستقبل ليعيش حياة أقل عنفًا وأقل حدة وأقل إرهابًا، جيل يستكمل طريقه نحو التنوير والتجديد، حيث أشاد "فودة" بأبناء عصره أمثل المستشار سعيد العشماوي، والدكتور فؤاد زكريا، والكاتبة الدكتورة نوال السعداوي، والدكتور لويس عوض، والدكتور صبحي منصور، والدكتور سيد القمني، والكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، والدكتور رفعت السعيد وغيرهم.
وصف فودة هؤلاء التنويرين بأنهم كتبوا في عصره أجرأ ما كتب في تاريخ اللغة العربية وأكثره وعيًا واستنارة، بينما يأمل أن يأتي جيل ليتجاوز عطاء هذا الجيل، من أجل تحقيق حياة أقل عنفًا وإرهابًا.
في كتابه "نكون أو لا نكون"، ألح فرج فودة على أهمية أن تعرف الأجيال القادمة حجم المعاناة التي أحس بها في سبيل ما كتبه وما أخرجه للناس من آراء وأفكار، قائلا: "لعلهم لن يصدقوا أننا كتبناه ونحن غارقون في اتهامات التكفير، ومحاطون بسيوف الإرهاب والتهديد، ويقينا سوف يكتب البعض من الأجيال القادمة ما هو أجرأ وأكثر استنارة، لكنه سوف يصدر في مناخ آخر، أكثر حرية وانطلاقا وتفتحًا، ولعله من حقنا عليهم أن نذكرهم أنهم مدينون لنا بهذا الماخ، وسوف يكتشفون عندما يقلبون أوراقنا ونحن ذكرى أننا دفعنا الثمن". هكذا يشير بوضوح فودة إلى أنه كتب ما كتبه وهو غارق وسط سياق وبيئة مخيفة ومرعبة، حيث التهديد بالقتل، وهو ما تم تنفيذه لاحقا على يد بعض عناصر الجماعات الإرهابية.
ورغم هذه الحالة المؤسفة والمخيفة التي تحيط بجو المفكر، تحاول أن تقصيه عن طريقه، عن أهدافه، عن حلمه الذي حلم به للأجيال القادمة، نحو عالم يموج بالحرية والانطلاق والانفتاح، فإنه يصر على عدم المبالاة رغم المخاوف.
في كتابه "قبل السقوط"، يقول فودة: "لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصوتهم أو لمعت سيوفهم، ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول، ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول، وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل الرسالة إلى من قصدت، فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح، وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة، وقُصاد الحق لا طالبي السلطان، وأنصار الحكمة لا محبي الحكم، وأتوجه إلى المستقبل قبل الحاضر، والتصق بوجدان مصر لا بأعصابها، ولا ألزم برأيي صديقا يرتبط بي أو حزبا أشارك في تأسيسه، وحسبي إيماني بما أكتب، وبضرورة أن أكتب ما أكتب، ويخطر أن لا أكتب ما أكتب".
وهكذا، ووفقا لما أورده فإن أرقه الأشد نتج عن خوفه من عدم وصول رسالته إلى جمهورها، رسالته التي يحب أن ترتبط بوجدان مصر، وأن تكون دافعة نحو المستقبل، بعيدة عن المصالح والسلطة أو المزايدة.