تناول حوار البابا تواضروس الثاني مع الإعلامي محمد الباز في برنامج "الشاهد" على قناة "إكسترا نيوز" العديد من المواضيع المهمة؛ حيث أدار اللقاء بحنكة إعلامية، من أهمها التركيز على استعادة روح ثورة يونيو وتعزيز التسامح الديني؛ ولذلك كان توقيت عرض الحوار يعكس أهم ما يريده الأقباط لتعزيز مقدرات الثورة التي ربما تناساها البعض في ظل محاولات من التيارات المتشددة إستعادة نفسها على الساحه أو ربما تغافل البعض دور الأقباط، حيث يأتي ذلك اللقاء في توقيت تشهد فيه مصر ظروفًا استثنائية، تتطلب من جميع أبناء الوطن التكاتف والوحدة الوطنية. وقد مثّل حوار البابا تواضروس رسالة قوية للداخل والخارج ما بين إلى القبول والاحترام، وتعزيز اللحمة الوطنية بين جميع المصريين، وزيادة الوعي والتفاعل، فكان محور الحديث لعب الأقباط دورًا هامًا في ثورة 30 يونيو، التي شكلت نقطة تحول تاريخية في مسيرة مصر.
ويُعدّ حوار البابا تواضروس بمثابة وثيقة تاريخية هامة تُسلّط الضوء على العديد من الجوانب المهمة في العلاقة بين الأقباط والإخوان، ودور الكنيسة في الأحداث المصرية، ورؤيتها للمستقبل، وتوضح مخاطر الحكم الثيوقراطى القائم على مرجعيه لجماعه دينيه، وقد أثار الحوار اهتمامًا واسعًا بين الأقباط، ونظرًا لتناوله مواضيع حساسة تهمّ الشأن القبطي، برزت تساؤلات حول تأثيره على هذه الفئة، كما تعرض أيضا قداسته لهجوم من أبواق التنظيم التي أرادت إظهار قداسته بالضعف امام مواجهه جماعه الإخوان بينما الحديث كان بمثابه الصفعه التي أخرست أفواههم، فلم يكن هناك مجال للصدام الذين يريدونه أمام الرئيس المعزول والذي كان مرسوما في خطتهم لبيان أن قداسته مثير للفتن لتكون نواه لتبرير أعمال أشد بأسا، فكانت الكلمات في الكواليس خير دليل على حكمته التي ربما رأي بداخله قصر هذة الجماعه في الحكم، فقد استخدم قداسته كلمات قاسيه ومنجزة ورفض طلب المعزول التقاط صور معه لتجميل الصورة مثل الديكور عقب الاعتداءات التي تمت على الاقباط ورفض الظهور في لقاء خاص مع الرئيس المعزول، وكان متأثرا طوال الوقت، وتطرق الحوار أيضًا إلى التحديات التي واجهت الكنيسة القبطية، بما في ذلك الهجمات على الكنائس والتعامل مع الأوضاع السياسية والاجتماعية، ولوح للطرف الثالث واستخدم لفظ "هناك تواطؤ" عقب الاعتداءات علي الكاتدرائية لأول مرة عبر الأزمان لتكون وصمه عار في تاريخ الجماعه الدمويه، فكان خير شاهد على تلك الفترة التي صبغت الحياه السياسيه دون أقباط، وكشف لأول مرة عن تخوفات من عدم اكتمال القرعه الهيكليه في ظل القلق من مضي البلاد في طريقها إلى المجهول بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة.
وأكد البابا تواضروس على أن العلاقة بين الأقباط والإخوان المسلمين تاريخية ومركبة، وأن من اللحظة الأولى لم يستشعر إلا بترديد بروتوكول أجوف بلا روح محبة أو تعاون من الرئيس المعزول، وفهم أسلوبه الناعم المغاير لأفعاله مرورا بفترة من التوترات الطائفية تصاعديا، فكان الأمر بمثابة استعراض لدى الرئيس المعزول محمد مرسي، ولم ترتقِ لكونها فترة ارتباك خلت من المواطنه ووصفها "بلا مشاعر" أو إيجاد أي مسؤل يشعر بخوف علي مصلحه البلاد عدا الفريق أول عبدالفتاح السيسي آنذاك الذي إستشعر برؤيته الإصلاحية الحماسية حرصه على البلاد.
وأوضح أن الأقباط شعروا بالقلق من حكم الإخوان المسلمين، وذلك لعدة أسباب، منها، تصريحات بعض قيادات الإخوان التي اعتبرت مسيئة للأقباط، وانسحاب الكنيسة من اللجنة التأسيسية للدستور، وأعمال العنف التي استهدفت الكنائس خلال فترة حكم الإخوان، والاعتداءات علي الممتلكات الخاصه والتجارة مما دفع بعضهم للهجرة، وفقد غالبيتهم الأمل في إستعادة جزء مسلوب من الوطن، ووقع قداسته في حيرة لعدم قدرته على طي فكرة الهجرة بعكس الحال اليوم، وفي نفس التوقيت حرص قداسته علي دوره الوطني، فأثناء لقاءاته مع أي أطراف خارجيه وخاصه بابا الفاتيكان كان يحرص علي التأكيد انها فترة مؤقته وأن البلاد مسلوبه من نظام الاخوان القائم وستخضع للتعافي، فلا خصومه ابدا مع الوطن، وأيضا قام بتوضيح الصورة الذهنيه للثورة في الخارج عبر مجهودات لا يمكن أن يمحوها التاريخ وستظل عالقه في الاذهان، فكانت زيارة ممثله المفوضية الاوربية خير شاهد علي تمرير قداسته الرسائل التلميحيه لخيانه التنظيم الدولي للإخوان في مصر الذي سعي للتأمر والعماله لبيع أجزاء من البلاد في صورة مزحه كافيه وكاشفا أيضا بذكاء لتصبح الدور الخفي الذي لعبته الغرف للإيقاع وتقسيم البلاد عن طريق دعم جماعه الاخوان، وكأن لسان حاله يقول لها "بضاعتكم ردت اليكم".
وشدد قداسته على أن المسيحيين هم جزء أصيل من مصر، وأنهم ساهموا في بنائها وتقدمها، ويجب أن يتمتعوا بكامل حقوقهم كمواطنين، وروى البابا تواضروس تفاصيل لقائه مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقتها، قبل ثورة 30 يونيو، وكيف أعطاه هذا اللقاء شعورًا بالأمل في مستقبل مصر، وكيف استطاع الفريق آنذاك بناء جذور الثقة والطمأنينة من اللحظة الأولى وسط أجواء ظلامية.
وأشار البابا إلى أن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية كانت لابد لها من دعم الثورة، لتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية، وأشاد قداسته بدور الجيش المصري في حماية الوطن وتحقيق الأمن والاستقرار، وحث قداسته على نشر ثقافة التسامح والقبول والاحترام بين مختلف فئات المجتمع، كما أكد على أهمية دور الشباب في بناء مستقبل مصر، وتضمنت الحلقة شهادات من شخصيات عامة أخرى وأبرز قداسته دور الكنيسة الهام في المجتمع المصري، وجهودها في نشر التعليم والصحة، وعلاقتها بالكنائس الأخرى في العالم.
إن مصارحة قداسته وتناوله للمخاوف التي واجهها الأقباط خلال فترة حكم الإخوان بطريقة سرد منظمة، يؤدي الى شعور لدي الأقباط بالتفاهم والمشاركة بوضوح وشفافية، ودأيضا المسامحه في الحوار لأنه معظم الاقباط ما زالوا يريدون القصاص من قيادات الجماعة،فربما أستشعر قداسته الحرج في خطوة كافية في هذا الاتجاه، مع شعور عام بالتفاؤل والحذر في آن واحد، ومع ترقبهم لتطورات الأحداث على أرض الواقع ومدى ترجمة خطاب الوحدة والتسامح إلى ممارسات ملموسة، ونظرة بمسحة معمقة بين الماضي والحاضر،واستمرار العمل معًا لبناء مستقبل أفضل لمصر، كما تميز خطاب قداسته بفصاحته وبلاغته، واستخدام اللغة العربية بشكل سليم ودقيق، مع ثراء في المفردات والتراكيب، وحرص على إيصال أفكاره بوضوح وسهولة، مستخدمًا أسلوبًا بسيطًا ومباشرًا، والتميز بالقدرة على التأثير على مشاعر مستمعيه، وذلك من خلال نبرة صوته وتعبيرات وجهه ولغة جسده، فغالبا ما يمزج قداسته حديثه برسائل اجتماعية وأخلاقية، كما أبرز قداسته النبرة الانسانيه خلال حديثه عن قراءات البطاركه والتي أخرجت بطريرك مثابر في فترة ٩ سنوات مشابهه لوباء كورونا.
ويشهد تاريخ الأقباط تفاعلًا مع التغيرات السياسية على مر العصور، في عهد الفاطميين، تأثرت سياسة تجاه الأقباط بتغيرات شخصية الولاة، بينما كانت السياسة العامة تعتمد على التسامح، انتقل الفاطميون والعثمانيون أحيانًا إلى الاضطهاد، فلم يكن هذا غريبًا في حكم مستقل تعززت أركانه في مصر، وعقب ثورة يناير، أصبح لدى الأقباط فرصة للتعبير عن مطالبهم السياسية والاجتماعية، لكن هناك جزء يرى أن السلبية السياسية من جانب الأقباط ربما تسهم في بعض المشهد، ونأمل أن تستمر مصر في طريقها نحو تحقيق الديمقراطية والعدالة والمساواة لجميع مواطنيها.