يتضاءل الحضور العسكرى الغربي، وعلى قمته الحضور الفرنسى والألمانى والولايات المتحدة الأمريكية، داخل القارة الأفريقية بعد صعود أنظمة عسكرية جديدة تعلن عدم رغبتها فى البقاء العسكرى الغربى الذى يتمتع بتاريخ استعمارى طويل، ويأتى هذا التضاؤل بالتزامن مع تمدد النفوذ الروسي، حيث تنج موسكو فى وضع أقدامها خلف كل قدم ترحل من بلاد أفريقية، فى المقدمة منها كل من النيجر ومالى وبوركينافاسو.
حكومات الدول الثلاثة، النيجر ومالى وبوركينافاسو، أكدت عزم بلادها مواصلة حرب الجماعات المتمردة والإرهابية، والذهاب لبناء تكتلات اقتصادية وعسكرية مشتركة، وأيضا التوسع فى التعاون مع روسيا، حيث انضمت النيجر إلى جارتيها بعد تولى المجلس العسكرى السلطة، من أجل تشكيل قوة مشتركة فى مواجهة التنظيمات الجهادية.
وأوصى وزراء خارجية هذه الدول، مطلع ديسمبر ٢٠٢٣، بضرورة إنشاء تحالف كونفدرالى يمهد لوحدة بين دول الساحل الأفريقي، لمواجهة التحديات والتغيرات فى القارة الأفريقية.
على الجانب السياسى الروسي؛ فإن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف وصل فى زيارة رسمية إلى العاصمة التشادية، الأربعاء الماضي، وهى المحطة الرابعة فى جولة لافروف الإفريقية، حيث سبق أن زار غينيا والكونغو وبوركينا فاسو، وهو اهتمام روسى بالدول الأفريقية حسب التطورات الجارية.
انسحاب بعثة الاتحاد الأوروبى
فى النيجر، تستعد بعثة الاتحاد الأوروبى لتدريب الجيش مغادرة نيامى مع نهاية شهر يونيو، بعد إعلان إنهاء مهمتها العسكرية بعد الوضع فى البلاد المحكوم من قبل المجلس العسكرى الذى صعد للحكم بعد انقلاب العام الماضي، وأنهى الوجود العسكرى لفرنسا والولايات المتحدة.
وفى أعقاب استعداد بعثة الاتحاد الأوروبى لمغادرة نيامى بعد خروج فرنسا والولايات المتحدة من قواعدهما العسكرية، أثبتت روسيا وجودها بإرسال مدربون جدد إلى النيجر فى مطلع مايو الماضي، حيث نقلت طائرتا شحن معدات عسكرية، بينما كان وصول أول مجموعة من المدربين الروس فى مطلع شهر أبريل الماضي، وضمت نحو ١٠٠ مدرب، وسلمت منظومة دفاع جوي، كما وصلت شاحنة مساعدات إنسانية، وهو ما يقلق القوى الغربية فى المنطقة.
وبحسب تقارير فإن روسيا سعت لزيادة نفوذها بإرسال عناصر مجموعة "فاجنر"، وبعد تمرد فاجنر الفاشل فإن عناصر روسية تعمل مجددا تحت مسمى "الفيلق الأفريقي"، ووصل التمدد الروسى لدرجة ما أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية من "أن جنودا روسا يتمركزون فى قاعدة جوية فى النيجر تنتشر فيها أيضا قوات أمريكية"، وذلك قبل رحيل القوات الأمريكية عن نيامى والذين وصل عددهم قرابة ١٠٠٠ جندى أمريكي.
وتشير التقارير إلى زيادة معدل الهجمات الإرهابية فى النيجر، خلال مايو الماضي، وذلك بالتزامن مع فك نيامى شراكتها مع الغرب، من أجل أن تتجه لتوطيد علاقتها مع روسيا التى تسعى لزيادة نفوذها مع عدة دول باتت على غير وفاق مع الدول الغربية التى لها تاريخ استعمارى فى القارة الأفريقية.
وغادرت فرنسا بجنودها من مالى وبوركينا فاسو والنيجر، وسلمت قواعدها للجيش. ووفقا لتقرير لموقع "فرانسا ٢٤" فإن "مغادرة ١٥٠٠ جندى وطيار فرنسيين النيجر التى كانت آخر دولة حليفة لباريس فى منطقة الساحل قبل وصول الجنرالات إلى السلطة فى ٢٦ يوليو ٢٠٢٣، تأتى بعد الانسحاب من مالى وبوركينا فاسو اللتين دفعت فرنسا فيهما إلى الانسحاب من قبل المجموعتين العسكريتين الحاكمتين المعاديتين لها.
بذريعة مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات المسلحة المتطرفة، أقام الغرب قواعده العسكرية فى دول الساحل الأفريقى التى تعانى ضعفا وهشاشة فى البناء الأمنى ما جعلها عرضة لهجمات التنظيمات المسلحة المتطرفة، إلا أن تغيرات ضخمة ومتتالية وضعت هذه القواعد العسكرية فى أزمة.
إذ سيطر على الحكم فى البلاد مجالس عسكرية أعلنت رفضها للوجود الغربي، وتحديدا الوجود الفرنسي، على أرضيها، مثل مالى والنيجر وبوركينا فاسو، وهو ما أجبر باريس على الانسحاب لترى بأعينها تآكل نفوذها العسكرى والاقتصادى فى أفريقيا، وسط مخاوف جمة من زيادة النفوذ الروسي.
مالى والنيجر وبوركينا فاسو، أبرز ثلاث دول تواجه الهيمنة الغربية فى أفريقيا، وتنظر لهذه القوى بأنها الامتداد العصرى للاستعمار، ولأنها دول تعرضت لانقلابات عسكرية فإن القوى الغربية تستغل هذه النقطة للضغط عليها بحجة العودة إلى المسار الديمقراطى والمدني.
فى مالي، عززت روسيا من تواجدها فى صورة أخرى غير العسكرية، حيث تحاول روسيا إثبات أنها شريك فعال فى مجال خدمة البلاد التى يتعاون معها، خلافا للصورة الشائعة والمعروفة عن الغرب الذى يتعاون من أجل نهب ثروات البلاد الأفريقية، حيث بدأت روسيا فى بناء أكبر محطة للطاقة الشمسية فى غرب أفريقيا فى مالي. وفى الوقت نفسه، من المقرر أن يتم بناء محطتين للطاقة الشمسية بالقرب من باماكو بمساهمة صينية إماراتية.
أفريكوم تبحث عن بدائل
على الجانب الآخر؛ فإن الولايات المتحدة وقوات الناتو انخرطت فى تدريب "الأسد الأفريقي" الذى جرى تنفيذه فى المغرب، ووفقا لتقرير بموقع هسبريس المغربي، فإن التدريب جاء فى ظل تحول جيواستراتيجى فى المنطقة، خاصة بعد الفراغ الذى تركته فرنسا بعد خروجها من دول الساحل، وهو فراغ حاولت أن تملأه قوى أخرى مثل روسيا”، وتابع: “هذا ما يجعل من المناورات إعدادا لمواجهة هذا التمدد وكل التداعيات الممكنة بعد الفراغ الذى تركته فرنسا.
وبحسب مصادر التقرير المشار إليه؛ فإن التحول شمل أيضا فقدان أمريكا أهم قواعدها فى النيجر، وبالتالى فهى تبحث عن مناطق أخرى لإقامة هذه القواعد، سواء فى موريتانيا أو السنغال". وبذلك فإن القوات العسكرية الأمريكية "أفريكوم" التى تواجدت فى بعض البلاد بدافع مواجهة تنامى ظاهرة الإرهاب، تبحث عن بدائل أخرى لاستضافتها بعدما غادرت بعض قواعدها المهمة فى النيجر.