بلغ التصعيد بالحدود اللبنانية الجنوبية ذروته بعد سلسلة التهديدات التي أطلقها الجانب الإسرائيلي، والتي قابلها الجانب اللبناني بالإعلان عن الاستعداد لأي تصعيد، حتى وإن لم تكن الرغبة الأولى للدولة اللبنانية وأيضا للمقاومة الإسلامية في لبنان ولا الشعب اللبناني، وهي الحرب، بحسب ما أكده القاهرة الإخبارية اليوم.
وهو نفس التوقيت الذي بدأت فيه المعارك في 6 يونيه من عام 1982 عندما قررت إسرائيل شن عملية عسكرية ضد منظمة التحرير الفلسطينية بعد محاولة اغتيال سفيرها شلومو أرجوف إلى المملكة المتحدة، على يد منظمة أبو نضال.
ولكن تلك المرة فمطالب الطرفين "اللبناني والإسرائيلي" تأخذ بعدا جديدا فما هو الفرق بين الصراع الآن وصراع يونيه 1982.
6 يونيو من عام 1982
في 3 يونيو قامت منظمة أبو نضال (المنشقة عن حركة فتح الفلسطينية) بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، فاتخذت إسرائيل من العملية ذريعة لاجتياح لبنان، وبدأت بقصف مواقع تابعة لمنظمة التحرير ببيروت ما أدى إلى مقتل 100 فلسطيني.
ردت فتح بإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، وفي 6 يونيو بدأت إسرائيل بالغزو البري للمناطق الجنوبية اللبنانية، وبحلول 15 يونيو وصلت قوّاتها إلى بيروت.
وبناء على هذا قامت إسرائيل باحتلال جنوب لبنان بعد أن هاجمت منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة والمليشيات المسلحة الإسلامية اللبنانية، وحاصرت منظمة التحرير وبعض وحدات الجيش السوري في بيروت الغربيّة.
وما كان إلا أن انسحبت منظمة التحرير من بيروت بعد أن تعرّض ذلك القسم منها إلى قصف عنيف، وكان ذلك بمعاونة المبعوث الخاص للأمم المتحدة، فيليب حبيب، وتحت حماية قوات حفظ السلام الدولية.
فيليب حبيب
يعد دور فيليب حبيب محور فهو دبلوماسي من الولايات المتحدة من أصول لبنانية مارونية برز اسمه عالميا لدوره في أحداث غزو لبنان 1982 حيث تمكن حبيب من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في يوليو 1981.
وتمكن أيضا في 18 أغسطس 1982 من إبرام وقف آخر لإطلاق النار بين الطرفين، اتسمت علاقاته بالتشنج مع وزير الخارجية الأمريكية آنذاك ألكسندر هيج حيث كان هيج يمثل تيارا يمينيا داعما لإسرائيل في أثناء حرب لبنان 1982.
في عام 1982 ونتيجة لدوره في إبرام اتفاقية وقف القتال في غزو لبنان 1982 تم منحه ميدالية الحرية من قبل الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، رونالد ريغان.
كيف وصل حزب الله ؟
في صراع 1982 لم يكن حزب الله قد تشكل أيدلوجيا، وجاء ظهوره بشكل متدرج ففي 23 أغسطس من عام 1982 انتُخِب بشير الجميل رئيسا للجمهورية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 11 سبتمبر قابل الجميل رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين في إسرائيل ووعده باتخاذ خطوات لبدء علاقات دبلوماسية بين لبنان وإسرائيل.
وقبل أيام من الموعد المحدد لتسلمه الرئاسة، اغتيل الجميل في 24 سبتمبر 1982؛ فاقتحمت القوات اللبنانية مُخيّميْ صبرا وشاتيلا وقتلت ما يقارب 3500 فلسطيني بمساعدة الجيش الإسرائيلي.
وفي 22 سبتمبر انتخب البرلمان أمين الجميل خلفا لأخيه في رئاسة الجمهورية.
وفي 17 مايو 1983 وقع الجميّل وإسرائيل اتفاقا ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان بشرط انسحاب القوات السورية.
ونص الاتفاق على أن "حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل قد انتهت ولم يعد لها وجود"، لكن هذا الاتفاق سقط بتمرد عسكري وشعبي رافض لما سُمي بـ"اتفاق العار والمذلّة".
ليبرز حزب الله في تلك الفترة كحركة مقاومة مسلحة في وجه الاحتلال الإسرائيلي بالجنوب اللبناني، وتبنى فكر الثورة الإسلامية في إيران التي وصلت إلى السلطة مطلع 1979، وحصل منذ بداياته على دعم حرس الثورة الإيرانية.
وعند انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في 22 سبتمبر/أيلول 1988، انقسمت السلطة التنفيذية إلى حكومتين: أولى برئاسة سليم الحص (رئيس الوزراء) وثانية برئاسة ميشال عون (قائد الجيش).
وتدهورت الأوضاع إثر إعلان عون بداية "حرب التحرير" ضد الوجود السوري في لبنان.
ماذا يريد حزب الله الآن؟
المطلب الرئيسي والأول للمقاومة ممثل في حزب الله والأحزاب والدولة اللبنانية هو وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانسحاب الهدنة في قطاع غزة على الوضع في الجنوب اللبناني تمهيدا لعودة المفاوضات مرة أخرى للاتفاق -بشكل كامل- بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البرية بين الجانبين أسوة بترسيم الحدود البحرية الذي تم في عام 2022.
ترسيم الحدود البحرية
قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تأخذ صدى أوسع من سياق حربٍ وسلم بين بلدين يتشاركان تاريخا حافلا؛ فالمستفيدون من الاتفاق كثر، فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عينت وسيطا خاصا لإدارة الملف (رغم أن هناك قضايا عدة في الشرق الأوسط من ضمنها القضية الفلسطينية لم تعين لها الإدارة الأميركية الحالية مبعوثا خاصا).
والأهمية في هذه المسألة تكمن في أنها إن سويت بين الطرفين فستفضي إلى توريد غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وبذلك يربح عدة أطراف أولهم إسرائيل التي ستتمكن من بيع غازها -الذي تصل صادراته اليوم بحسب وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى نحو 340 مليار متر مكعب- إلى مستهلك متعطش للغاز كالقارة الأوروبية، وتتوج بذلك مشروع خط "إيست ميد" الذي بذلت فيه الغالي والنفيس بعقود طويلة الأمد.