السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الإنسان طيب وشرير

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 إن الإنسان الطيب لم يكن ولن يكون غبيًا، إذ أن الطيبة ليست من فصيلة الغباء ولا من عائلته. يحتفظ كلاهما بأصول مختلفة.

 إن كون قابيل وهابيل توأمان أورث البشرية جدلًا واسعًا لم ينتهِ حول الأصل في الإنسان: هل هو الطيبة أم الشر؟. إذ أنك حين تقول بأن الأطفال يولدون أبرياء تجد أبحاثًا تثبت أن هناك ما يمكن تسميته بالممارسة الفطرية للشر، وهي ممارسة لأفعال اتفق على أنها شر بين البشر يقوم بها بعض الأطفال دون أن يخبرهم بها أحد. فكيف تكون أمورًا مكتسبة وهم يقومون بها عن ظهر العلم بها أو الدافع المتعارف عليه لها؟!

    نحن هنا لسنا في معرض مناقشة هل أنت طيب أم شرير. إذ أن الحقيقة المرة تخبرك أن بعض البشر يحبون الشر ويرونه حقًا، ومن ذلك قول أعرابي الكوفة عنهم: 

وأنت إذا همّت يمينُك مرةً

لتفعل خيرًا قاتلتها شمالكَ

 كما تعد الحروب نموذجًا هامًا يشرح لك ذلك بشكل عملي. هؤلاء الذين يقتلون يرون أن هذا القتل قوة ولا يأبهون بأنهم أشرار كثيرًا، ببساطة لأن الضمير يتحرك بشكل نسبي من إنسان لآخر رغم أن كل البشر لآدم. لكن هنا  يمكن القول أن الطيبة ليس عيبًا إذ أحسنت توجيهها. 

    ربما كان فيودور دوستويفسكي أحد أركان هذا التوجيه حين قال: "أما أنا ففي رأيي أن الإنسان الطيب الخيّر هو في ذاته مبدأ من المبادئ، ولا يهمني أي شيء آخر" فالطيبة في حد ذاتها لو رأيتها كمبدأ فإنك ستعمل على توجيهها وضبط عملها كأساس لتصرفاتها مثلها كمثل الصدق أو الأمانة، لتصبح محركًا قويًا لكل تصرفاتك المختلفة. وقد يقول لك البعض: "أليس للأغبياء مبدأ أيضًا؟!" في محاولة لإلحاق الغباء بالطيبة، حينها عليك أن تقول: "أليس هنا أغبياء أشرار أيضًا؟!".

   وقد يدعي البعض أن الطيبة حسن تربية، وهو أمر يمكن أخذه بعين الاعتبار حين تعرف أن جزءًا كبيرًا من التربية يعتمد على توعية من يخضع لها بما لديه من قدرات. فهو قادر هلى مواجهة أمور كثيرة وهو طيب، رغم أنه قد يظن أنه غير قادر. أنت تخبره وتعلمه وتمرنه على ذلك كثيرًا، ثم تتركه يمارس حياته، فإن كان مستجيبًا اكتسبت ممارسًا. لكن البعض لا يستجيب ويصدق فيهم قول الشاعر:

من يصنع المعروف مع من ليس يعرفهُ

كواقدٍ للشمع في بيت عميانِ

   إذن يبدو من كل ذلك أن فكرة الإنسان الطيب المطلق أو الشرير المطلق أسطورة، فالإنسان أيًا ما كان لوحة شطرنج غير متساوية في عدد مربعاتها الأحادية اللون، وكل حسب براعته في الممارسة. لذا أميل لاعتبار المبادئ هي حاجز الحماية. وأنا في هذا مع الفريق الذي يحب أن ينظر للضمير كعضلة إذا توقفت عن الحركة ضمر بعض منها. عليك أن تخاطب ضميرك وتحركه باستمرار حتى لو كنت في عزلة عما تراه مستحقًا لذلك. هي عضلة معنوية تحتاج لضخ الحياة فيها باستمرار لأنها بيت مبادئك. لا شيء ولا أحد يمكنه أن يدلك على الخير أو الشر، فالأمر ببساطة يرجع لما تراه وما تريد أن تراه من حصيلة الحياة لديك وقناعاتك الشخصية، لكن المحك لدى الجميع في الأمر هو أنك يجب ألا تؤذي أحدًا أو تعتدي على مساحاته الشخصية في الحياة مهما كان نُبل هدفك من ذلك. فأنت أنت وهو هو، ولن يتغير هذا الأمر أبدًا.