منذ الثورة الإيرانية فى عام ١٩٧٩، تعرضت النساء فى إيران لسلسلة من القيود والتحديات التى تجاوزت النطاق الثقافى والاجتماعي إلى السياسى والقانوني.
تمثل "الحرب ضد المرأة" هذه التحديات، التى بدأت من فتوى الخمينى ووصولًا إلى خطة "نور" وما بعدها، تحديًا كبيرًا لحقوق المرأة ومسارها نحو المساواة.
فى مايو الماضي، دعت مجموعة من الناشطات النسويات عبر الإنترنت لتكثيف القمع ضد الهيئات النسائية ومواجهة الحكومة مع النساء الملتزمات بالملابس الطوعية، يستخدمون هاشتاج #الحرب_ضد_النساء للمشاركة فى النقاش حول القمع اليومى والإرشاد والاعتقالات، وقام أحد المستخدمين بنشر صورة مستهزئة بالحملة، مما أثار جدلًا.
فتوى الخميني:
فى بداية الثورة الإيرانية، أصدر الخميني فتوى تفرض ارتداء الحجاب الإسلامى الشرعى للنساء. كانت هذه الفتوى البداية لسلسلة من القيود على حرية المرأة وتقليص دورها فى المجتمع والحياة السياسية.
وأصدر الخميني فتوى مفادها: «لا إثم فى الوزارة الإسلامية. لا ينبغى للنساء العاريات أن يأتين إلى الوزارات الإسلامية. يجب على النساء الذهاب ولكن ارتداء الحجاب. ليس هناك عائق أمامهن للذهاب إلى العمل، لكن يجب عليهن ارتداء الحجاب الديني".
وتبعت فتوى الحجاب بتطبيق قوانين أخرى تقيّد حقوق المرأة، مثل قوانين الأسرة التى تمنح الرجال سلطة كبيرة فى الأسرة، وتقيّد حريتها بالعمل والتعليم.
خطة "نور":
وفى أبريل ٢٠٢٤، أعلن قائد شرطة طهران أن "الخطة الخفيفة" لـ "المواجهة" مع اكتشاف الحجاب قد بدأت. وبالطبع البداية هنا لم تكن تعنى غياب دورية الإرشاد، خاصة فى العام الماضي، لكن مع الإعلان عن هذه الخطة أعلنت حكومة الفتوى وجودها مرارًا وتكرارًا وأكدت أنها لن تقصر.
وبعد انتفاضة "مهسا أميني" وحركة المرأة والحياة والحرية، تحولت العديد من النساء اللاتى سرن فى شوارع المدن الإيرانية بدون حجاب وبغطاء اختيارى بحرية نسبية وبالطبع بقلب شجاع، إلى أسوأ كابوس للحكومة.
خطة "نور" تهدف إلى تعزيز القيم الدينية والتقاليد الإسلامية فى المجتمع، وفقا للسلطات الإيرانية، وهى تضمنت هذه الخطة تشديد القيود على حقوق المرأة فى المجالات المختلفة، مما أثر سلبًا على مشاركتها فى الحياة العامة والاقتصادية.
شرطة الأخلاق
أعلن حسن حسن زادة، قائد فيلق محمد رسول الله التابع للحرس الثورى الإيرانى فى طهران اليوم الأحد الموافق ٢١ ٢٠٢٤ عن تشكيل مجموعة جديدة لمتابعة فرض الحجاب الإجبارى على المواطنين.
وأُطلق عليها اسم "سفراء المحبة"، وأوضح زادة أن أفراد هذه المجموعات تم تدريبهم على متابعة مراعاة "قانون" الحجاب الإجبارى بشكل أكثر جدية فى المحلات التجارية والمكاتب والأسواق والطرق والحدائق والمتنزهات ووسائل النقل العامة فى طهران.
وقد بدأت السلطات الإيرانية التعامل بعنف مع المواطنين منذ يوم ٢٠ أبريل، بهدف إعادة دوريات شرطة الأخلاق إلى شوارع إيران.
تُعرف هذه الخطة بـ"خطة نور"، وشهدت الشوارع فى طهران ومختلف مدن إيران أعمال عنف غير مسبوقة من قبل قوات الشرطة وقوات الأمن المتخفية بملابس مدنية ضد النساء والفتيات، حيث تم نقل العديد منهن إلى مراكز الاحتجاز بعد تعرضهن للضرب.
حرب ومقاومة
هذه الأحداث تجسد الانقسامات داخل حركة النسوية بين الإصلاح والثورة، وتأثير التوترات السياسية العالمية على هذه الحركة. تظهر أيضًا التحديات التى تواجهها النسوية فى التعبير عن التضامن مع قضايا متعددة وتقاطع الاضطهاد والنضالات.
أدينت مجموعة من الشخصيات المعروفة باسم "المفكرين الدينيين" داخل وخارج إيران فى بيان بعودة دوريات شرطة الأخلاق للتعامل مع الحجاب الطوعى للنساء والفتيات فى البلاد. وأكدوا أن عصر "إما الحجاب أو القمع" قد انتهى إلى الأبد ولا رجعة فيه.
وأشار البيان إلى أن المواجهات فى الشوارع تمثل "صورة عارية" لوحشية النظام تجاه نصف المجتمع الإيراني، مشيرًا إلى "الأزمات الداخلية والإقليمية والدولية غير المسبوقة" التى تواجهها إيران، وذلك "فى الوقت الذى أصبح فيه ظل الحرب أقرب إلى إيران من أى وقت مضى".
من جانبه، اعتبر الناشط الإيرانى أكبر كنجى ما يحدث بأنه "كارثة خلقها المرشد خامنئى للإسلام والتشييع، وهذه الكارثة ليست النهاية".
وأضاف " كنجي" عبر منشور له على منصة "إكس": المرشد الاعلى على خامنئى أعاد ربط مشروع ارتداء الحجاب بالنساء العاريات بعد الانتخابات بنسبة ٣٠-٤٠٪. لقد أظهر خامنئى أنه يهزم من الشعب فى كل مرة، فبدلًا من أن يتعلم الدرس ويسير مع الشعب ويطيع مطالبهم، فهو عنيد، ومثلًا عندما لم يصوت الشعب لجنتى جعله الرأس من مجلس الخبراء".
وتابع الناشط الإيرانى قائلا " الآن يخبر الناس أنك لم تصوت، وسوف أنتقم منك وأقتلك بقوة الشرطة. إن التكلفة التى تدفعها الجمهورية الإسلامية مقابل عناد الدكتاتور ليست مهمة على الإطلاق".
وأضاف "لكن سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن مشروع هذا الدكتاتور له تكلفة باهظة للغاية على الإسلام والتشيع. خامنئى يجعل الناس يكرهون الإسلام والشيعة. لقد أدخلت النساء المحجبات فى حياة النساء والفتيات بدون حجاب. والحكومة التى تقوم بهذه الأعمال باسم الإسلام هى الحكومة الأكثر مناهضة للإسلام. كما أطلق نتنياهو الحكومة الأكثر معاداة للسامية فى العالم اليوم".
يُذكر أن مواجهات بين الشرطة والنساء والفتيات اللاتى يرتدين الحجاب الاختيارى اندلعت عام ٢٠٢٢، حيث توفيت الشابة الإيرانية، مهسا أميني، أثناء احتجازها فى دورية شرطة الأخلاق، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات طويلة الأمد على مستوى البلاد، ولا تزال آثارها مستمرة.
وخلال هذه الاحتجاجات، قُتل أكثر من ٥٠٠ شخص واعتقل آلاف الآخرين، وتم إعدام بعضهم وفقًا لأحكام القضاء فى إيران.
الخطة الإيرانية تهدف لتشديد القيود على حقوق المرأة فى المجالات المختلفة وعدم مشاركتها فى الحياة العامة