في رحلة عبر الزمن والمسافات، تنساب قصص الشخصيات التاريخية كألوان فسيفسائية تُعبّر عن تجارب البشرية وتحولاتها، فهناك من تجاوزوا الصعوبات برحمة الأقدار، وهناك من وقفوا أمام تيارات الزمن بكل شموخ ورفعة، في هذه القصة، نحن نستعرض قصص أبطال تاريخيين عبر موجات الزمن، وكيف اختاروا مصر كملاذ ومأوى لهم خلال فترات من تحول وصراعات، فتبقى موطنهم النهائي، ليروا فيها الأمان والحنان ويحظوا بتكريم يليق بأبطالهم.
1- إدريس السنوسي ملك ليبيا:
ليبيا، أرض التغيير والانتقالات السياسية، شهدت في أوائل سبتمبر تحولًا كبيرًا، حيث شُكِّلت حركة الضباط الوحدويين الأحرار بزعامة الملازم أول معمر القذافي، هذه الحركة أطاحت بنظام المملكة الليبية، وأعلنت قيام الجمهورية، وسرعان ما تم الزحف على بنغازي واحتلال مبنى الإذاعة، وحصار القصر الملكي.
في هذا السياق، كان الملك إدريس السنوسي، خارج البلاد لتلقي العلاج في تركيا، فبموجب هذا الانتقال السريع للأحداث، وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، بعد فترة قصيرة في اليونان، وجد اللجوء في مصر، حيث استقر برفقة زوجته الملكة فاطمة.
تمت إقامتهم في ضيافة الرئيس جمال عبد الناصر، في شارع بولس حنا الثاني بمنطقة الدقي، هنا عاش الملك إدريس حياة هادئة حتى وفاته في 25 مايو 1983، ودُفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، بعد نقل جثمانه عبر طائرة عسكرية خصصتها الحكومة المصرية.
ورغم الظروف الصعبة التي واجهته، فإن موقف الملك إدريس السنوسي في مصر يعكس الحس الإنساني والكرم الذي عُرِف به، ورحابة الصدر التي أظهرها الشعب المصري تجاهه، حتى وفاته في تلك الأرض التي أصبحت موطنًا له بلا خيارات أخرى.
2- شاه ايران محمد رضا بهلوي:
بعد أن أُجبر على مغادرة إيران بسبب الاضطرابات الشعبية الهائلة والمظاهرات العارمة في طهران، سعى الشاه محمد رضا بهلوي للجدوى في العثور على مأوى في أوروبا، لكن تعذرت استقبال طائرته في أي مكان، حيث رُفِضَت وجهته من قبل السفارات. لكن في 16 يناير 1979، هبطت طائرته في أسوان، حيث كان في انتظاره الرئيس أنور السادات، صديقه المُقرَّب منذ نهاية الستينيات.
أُعدَّت مراسم استقبال رسمية تليق برتبته، مع فرشة حمراء عند باب الطائرة واستعراض لحرس الشرف، نُزِلَ الشاه وزوجته في فندق أوبروي، لكن حالته الصحية المتدهورة، جراء إصابته بسرطان الغدد الليمفاوية، استدعت العلاج العاجل في الولايات المتحدة، حيث وافقت الحكومة الأمريكية على طلبه.
ومع ذلك، بعد احتجاز الطلاب الثوار للسفارة الأمريكية في طهران واحتجاز 52 رهينة، أجبرت الولايات المتحدة الشاه على مغادرة أراضيها، وفي ظل تدهور حالته الصحية، وصل الشاه إلى مصر مرة أخرى، حيث قام الرئيس السادات بتخصيص قصر القبة لإقامته حتى وفاته في يوليو 1980.
وأُقيمت له جنازة عسكرية مهيبة في مصر، ودُفِن في المقابر الملكية بمسجد الرفاعي، في غرفة كان والده رضا بهلوي مدفونًا فيها، قبل أن يُنقَل جثمانه إلى طهران بعد طلاقه من الأميرة فوزية.
3- الشاهزاده عمر فاروق أفندي:
الشاهزاده عمر فاروق أفندي، هو ابن السلطان العثماني عبد المجيد الثاني، تزوج من رقية صبيحة سلطان، ابنة السلطان العثماني محمد السادس، وفي عام 1940، جاء إلى مصر مع أسرته لحضور حفل زفاف ابنته نسليشاه سلطان مع الأمير المصري محمد عبد المنعم، نجل الخديوي عباس حلمي الثاني، كما تزوجت ابنتاه الأخريان، هانزادة سلطان ونجلاء هبة الله سلطان، من الأمراء المصريين محمد علي إبراهيم في عام 1940 وعمرو إبراهيم في عام 1943 على التوالي.
في البداية، كان يتلقى دعمًا ماليًا من الأسرة المالكة المصرية، وعاش في شارع الخشاب في المعادي، الذي كان مأوى لعدد كبير من أفراد آل عثمان الذين اختاروا مصر كمكان للمنفى، وتوفي عمر فاروق في 28 مارس 1969 في القاهرة، وتم نقل جثمانه إلى اسطنبول حيث دُفِن في ضريح السلطان محمود الثاني.
4- فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا الأخير:
تأثرت إيطاليا بالتوترات الناجمة عن الحرب العالمية الثانية وصعود موسوليني إلى السلطة، ولم يتمكن فيكتور عمانويل الثالث، آخر ملوك إيطاليا، من منع تمكن الفاشيين من السيطرة على الحكم. ورغم إلقاء القبض على موسوليني وتنصيب المارشال بيترو بادوليو كرئيس للوزراء، فشلت هذه الجهود في إخراج الملك من موقفه الصعب.
واختار فيكتور عمانويل مصر كملاذ له، حيث كان صديقًا للملك فؤاد وزميلًا له في المدرسة العسكرية، وكانت بينهما علاقة شخصية قوية جدًا. وقد أُطلِق اسم "فيكتور عمانويل" على ميدان سموحة بالإسكندرية في عام 1933 قبل أن يلجأ إلى مصر.
أقام فيكتور عمانويل في الإسكندرية في فيلا تُعرف باسم "آمبرون"، التي بُنيت في عام 1890، وبقي فيها حتى وفاته في عام 1947. تم دفنه خلف كاتدرائية سانت كاترين، وبعد سبعين عامًا، تم نقل جثمانه إلى إيطاليا حيث دُفِن في مدينة فيكوفورتي في ديسمبر 2017.
5- جورج الثاني ملك اليونان:
جورج الثاني، ملك اليونان، حكم البلاد في فترتين، الأولى من عام 1922 حتى 1924 والثانية من عام 1935 حتى 1947، بعد هزيمة اليونان في معركة كريت عام 1941، فر إلى مصر برفقة عائلته، بمن فيهم شقيقه الملك بولس الذي خلفه في الحكم، وابنته الأميرة صوفيا التي أصبحت ملكة لإسبانيا. تلقت صوفيا تعليمها في مدرسة EGC بالإسكندرية، استمرت إقامتهم في مصر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.