فى زمن الحرب يسعى المعتدى إلى إخفاء جرائمه، وإسكات كل صوت يصدح بالحق، وهذا هو دأب جيش الاحتلال الإسرائيلى الذى يرتكب جرائم مروعة ضد الصحفيين الفلسطينيين فى قطاع غزة، الذى يواجه عدوانا غاشما منذ السابع من أكتوبر الماضي، وما كان للعالم أن يعى هذه المأساة لولا صحفيى غزة المناضلين.
ويقع على عاتق هؤلاء الأبطال كشف جرائم الاحتلال وسط صعوبات وعراقيل جمة، تضاعف الجحيم الذى يواجهه سكان القطاع المنكوب، ويعيش الصحفيون الفلسطينيون فى قطاع غزة، معاناة مضاعفة حيث يواجهون آلة البطش الإسرائيلية، التى تستهدفهم لإخفاء الحقائق والتغطية على جرائمه وعلى مدار الشهور الماضية واجهوا ظروفا استثنائية حولت عملهم إلى مخاطرة كبيرة، لذا كان التواصل مع هؤلاء الأبطال حتميا فى محاولة لتوضيح الصورة الكاملة.
وقالت الصحفية الفلسطينية سلفيا حسن، إن هذه الحرب استثنائية فى التعامل مع الإعلاميين والصحفيين حيث يستهدفهم جيش الاحتلال الإسرائيلى بشكل مباشر إلى جانب عائلاتهم ومنازلهم، لذلك كانت الصعوبات أكثر مما كان متوقعا، وكونك إعلاميا فوق هذه الأرض الساخنة فأنت هدف للقصف الغاشم.
وأضافت سلفيا حسن خلال حديثها لجريدة "البوابة"، أن كل الفلسطينيين فى قطاع غزة، كانوا فى الأصل لاجئين وبعد العدوان الذى اندلع فى السابع من أكتوبر الماضى أصبحوا نازحين ولاجئين للمرة الثانية، حيث هجروا من المحافظات الشمالية إلى جنوب القطاع.
وأوضحت "حسن" أن جميع طوائف الشعب الفلسطينى ما بين جريح ومصاب وشهيد وداخل المستشفيات وتحت الركام بكل الفئات، الأطفال والنساء والشيوخ ومرضى السرطان، كانوا هدفا لقصف الاحتلال الإسرائيلي، وكان الإعلامى أولوية لآلة الحرب الإسرائيلية لأن صوت وقلم الصحفى يرعب تل أبيب.
وأشارت الصحفية الفلسطينية إلى أنه منذ السابع من أكتوبر، كانت رحلة أى إعلامى فى غزة مليئة بالصعاب ومحفوفة بالمخاطر ومؤلمة، لافتة إلى أنها ليست المرة الأولى التى يعمل فيها الصحفيون فى القطاع تحت القصف، ولكن الحرب الأمريكية الإسرائيلية الجارية حاليا ضد غزة تجرى باستراتيجية جديدة حيث اضطر كثير من الإعلاميين لترك منازلهم فى شمال غزة منذ الأسبوع الأول والتوجه بحسب مطالب الاحتلال إلى مناطق أخرى فى القطاع.
واستطردت "تركنا منازلنا وأماكن عملنا ومدارس أبنائنا وذكرياتنا والمستقبل خلفنا، وتوجهنا إلى المحافظات الجنوبية وكان فى ظننا أن الأمر يمكن أن يمتد على أقصى تقدير إلى شهرين لنعود من جديد، لكن للأسف كانت مجرد أحلام وتخمينات".
ونوهت الصحفية سلفيا حسن إلى أن هناك من نزح فى غزة وانتقل من مكان لآخر أكثر من ثلاث مرات، وسط تفشى الأمراض المعدية وحياة مشردة وتكدس سكانى ومرافق شديدة الازدحام، مشيرة إلى أن كل شىء فى غزة عليه ازدحام وتكدس كبير، بدءا من المياه التى هى غير صالحة للشرب، واضطرار السكان لاستخدام مياه البحر لتلبية الاحتياجات اليومية".
وأكدت أن كل مرة تنتقل فيها من مكان إلى آخر يكون الألم متجددا والانتكاسة والمرارة متلازمين ونحاول لملمة جراحنا وذكرياتنا وعائلاتنا، وتحمل الأم على كاهلها حماية ذويها وأبنائها بعدما استشهد الأب والعائل لتبحر بالسفينة من مكان لآخر تنشد الأمان وتبغى الطمأنينة.
وقالت الصحفية إن الإنسانية تعدم يوميا فى قطاع غزة، والعالم أصم أبكم وأعمى عن رؤية آلام بلا نهاية لسكان القطاع المنكوب، حيث ضربت دولة الاحتلال كل القوانين الدولية والإنسانية عرض الحائط ليبقى فقط الهدف الإسرائيلى هو الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
أما عن المجاعة فأوضحت "حسن" أن ذروة المجاعة توجد فى شمال غزة، حيث أكدت أن الأطفال فى المستشفيات التى دمرها الاحتلال الإسرائيلى يموتون جوعا، إلى جانب كبار السن ومرضى السرطان، بالإضافة إلى فئات أخرى تعانى من بعض الأمراض القاتلة ونقص التغذية يموتون جوعا أيضا.
وكشفت أن بعض الحالات استشهدت بسبب المجاعة وسط صمت عربى مطبق وموت للضمير الإنسانى وليس بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، مشيرة إلى أن عمليات إنزال المساعدات فى بعض مناطق الاحتلال التى تأتى لا تغنى ولا تسمن من جوع، وهى بمثابة تجميل لصورة الاحتلال الإسرائيلي.
وفى نفس السياق، تقول الصحفية الفلسطينية شيرين الكيالي، عضو نقابة الصحفيين الفلسطينيين، والاتحاد العام للصحفيين العرب، الاتحاد الدولى للصحفيين، إن الصحفى الفلسطينى يعانى أثناء الحرب من عملية النزوح المستمرة والانتقال مع أسرته وعائلته من مكان إلى آخر مثلا من مدينة غزة إلى رفح ومنها إلى المناطق الوسطى، حيث يغادر مكان إقامته بشكل مفاجئ بعد أن يتم قصف المحيط الذى يسكنه بشكل جنونى فيهرع تاركا خلفه جميع أدواته التى تساعده على مواصلة عمله الصحفى مثل الكاميرا واللاب توب والموبايل.
وأضافت "الكيالي" فى تصريحات لجريدة "البوابة" أن الصحفى فى غزة يضطر لتغيير مكانه فى محاولة للحصول على أجهزة جديدة لمساعدته على مواصلة عمله، إلى جانب صعوبات أخرى من بينها عدم توفر الكهرباء التى لم يرها الفلسطينى منذ السابع من أكتوبر الماضي، أو شبكة الإنترنت.
وأشارت الصحفية الفلسطينية إلى أن محاولة تغطية الأحداث والوصول إلى مواقع القصف هو تحد آخر يواجه الصحفي، فى ظل عدم توفر وسيلة النقل المناسبة، إضافة إلى استهداف الصحفيين فى الميدان لمنعهم من نقل الحقيقة إلى المنصات الإعلامية الدولية، واستهداف عائلاتهم وأسرهم بشكل جنونى وانتقامي.
ولفتت الصحفية الفلسطينية شيرين الكيالى إلى أنها عملت قبل الحرب فى مدينة غزة فى عدة أماكن ووكالات ومواقع إخبارية، وتتواجد حاليا فى مدينة دير البلح، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلى يتعمد استهداف وقتل الصحفيين تحديدا والدليل على ذلك استشهاد ١٤٠ صحفيا، وإصابة ١٠٠ آخرين، منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأوضحت "الكيالي" أن الاحتلال يتعمد بشكل قاطع خلق ظروف تؤدى إلى المجاعة من خلال إغلاق المعابر، وعدم إدخال السلع التموينية والغذائية واللحوم وحليب الأطفال والأدوية والمكملات الغذائية، حيث أدى ذلك إلى حرمان العائلات من السلامة الغذائية وأصاب بعضها سوء تغذية ونقص حاد فى أوزانهم وأحجامهم وأصابهم الهزال وضعف الدم مما أدى إلى وفاة العشرات من الأطفال والنساء.
وأما عن أحوال المرأة الفلسطينية فى ظل العدوان الإسرائيلي، تخبرنا "الكيالي" بأنها تعيش ظروفا غاية فى القسوة وسط النزوح والحرب حيث لا تملك خصوصية فى عيشها فى خيمة على قارعة الطريق، تفتقد لأدنى مقومات الحياة الأساسية، ولا يوجد مكان نظيف وآمن، والأهم لا يتوفر فيه مكان لقضاء الحاجة حيث شح الماء وعدم وجود مصارف مخصصة أثناء التنقل من مكان إلى آخر وأحيانا فى العراء.
وأشارت الصحفية الفلسطينية إلى أن معاناة المرأة مضاعفة حيث إنها مثقلة برعاية أطفالها وحمايتهم فى الوقت الذى لا تستطيع هى حماية نفسها من بطش الاحتلال وغاراته المتواصلة على مدار الساعة، حيث أصبح الخوف والرعب الشديد عنوانا لحياة الأسرة الفلسطينية فى قطاع غزة، وهو الأمر الذى ينعكس مباشرة على صحة الأطفال النفسية ويرسخ الشعور بعدم الاستقرار وانعدام الأمان، والخوف من أن يفقد العائلة فيصبح يتيما ووحيدا بلا أهل.
ومن واقع تجربتها الشخصية ورحلتها على مدار الشهور الماضية، تقول الصحفية الفلسطينية شيرين الكيالي، إنها خرجت مع أبنائها من غزة إلى رفح، ثم اضطرتها ظروف العمل للانتقال إلى دير البلح وافترقت عنهم لأشهر ومر علينا شهر رمضان وعيد الفطر ولم تستطع رؤيتهم إلا مرة واحدة أثناء الهدنة.
وروى الصحفى الفلسطينى أشرف حرارة، تجربته المريرة تحت نير العدوان الإسرائيلي، حيث أصيب وأسرته خلال غارة جوية استهدفت منزله.
ويعمل "حرارة" فى هيئة الإذاعة والتليفزيون الفلسطينى منذ عام ١٩٩٩، وهو حاصل على بكالوريوس إعلام، ويسكن فى مدينة غزة.
وقال فى بداية الحرب دمر الاحتلال الإسرائيلى منزله بقصف عشوائى دون سابق إنذار ولكنه كان خارجه، واضطر للنزوح إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ليستأجر منزلا آخر مع أسرته لمدة شهرين، ولكن فى منتصف ديسمبر الماضي، قصف المنزل بقذيفة مدفعية، وأصيب هو وزوجته وأولاده بإصابات متنوعة.
وأوضح أنه أصيب بكسور مضاعفة فى رأسه وذراعه وتم تركيب جهاز بلاتين، وتسببت الإصابة فى قطع فى الأربطة والشرايين والأعصاب، وخلال العملية تم وصل الشرايين والأربطة ولكن الأعصاب متهتكة لم يتمكن الأطباء من وصلها.
وأشار الصحفى الفلسطينى إلى أنه منذ ذلك الوقت وحتى الآن يده لم تتحرك بسبب قطع فى الأعصاب، وسط المعاناة المستمرة بسبب النزوح إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والتى مكث فيها ما يقرب من ٤ شهور، وبعدما بدأ إخلاء رفح توجه قبل أيام إلى دير البلح وسط القطاع، لينتهى به المصير إلى خيمة لا تتجاوز مساحتها أربعة أمتار مع زوجته وأبنائه وجميعهم مصابون.
ونوه إلى أنه تم عمل تحويلة علاج إلى خارج غزة ثانى يوم العملية ولكنه ينتظر حتى اليوم، حيث يحتاج إلى نقل عصب لليد اليمنى، ولم يسمح له بالسفر عبر معبر رفح بسبب عدم وجود تنسيق.