في مساء الأول من يونيو عام 2001، شهدت نيبال واحدة من أكثر الفاجعات الملكية غموضًا في التاريخ الحديث. اغتيل الملك بيرندرا وعائلته داخل قصر نارينتي في حادثة هزت البلاد وتركت وراءها تساؤلات عديدة لم تجد إجابات شافية حتى اليوم.
نروي في هذا التقرير تفاصيل تلك الليلة المأساوية من خلال شهادات من عاشوا الحادثة، وتحليل الملابسات والدوافع، بالإضافة إلى استعراض التداعيات السياسية والاجتماعية التي أعقبتها.
خلفية تاريخية
الملك بيرندرا بير بيكرام شاه، الذي حكم نيبال لمدة تقارب الثلاثين عامًا، كان يحظى بمحبة كبيرة من قبل شعبه الهندوسي، واعتُبر الأب الروحي وتجسيدًا للإلهة على الأرض. شهدت فترة حكمه انتقال نيبال من الحكم الملكي المطلق إلى الملكي الدستوري، وكان أول ملك نيبالي يتلقى تعليمًا حديثًا في بريطانيا والهند واليابان. زوجته، الملكة أشواريا رانا، كانت تُعتبر إحدى أقوى النساء وأكثرهن نفوذًا في تاريخ نيبال، إلا أن شخصيتها القوية والملتزمة بالأعراف والتقاليد لم تجلب لها الحب من قبل بعض الأطياف السياسية الساعية إلى مزيد من الانفتاح والإصلاح، ولا حتى من داخل بعض أفراد عائلتها.
ولي العهد الأمير ديبندرا
ولد الأمير ديبندرا بير بيكرام شاه في عام 1971، وحصل منذ نعومة أظافره على العديد من الامتيازات والمناصب العسكرية المهمة. وُصف بأنه كان شخصًا سريع الغضب، لا يقبل أن يُرفض له طلب. كان يعشق الأسلحة والمعدات العسكرية ويميل كثيرًا إلى المشروبات الكحولية والمخدرات. كل ما يمكن للمال والسلطة أن يوفراه لشاب في عنفوانه كان في متناوله.
دوافع الجريمة
اعتبر الكثيرون أن الخلافات العائلية كانت السبب الرئيسي وراء المجزرة. فقد رفضت الملكة أشواريا علاقة ابنها الأكبر، الأمير ديبندرا، مع ديفياني رانا، المرأة التي كان يحبها. رغم أن ديفياني كانت من نفس العائلة، إلا أن الملكة رفضت الزواج بسبب اعتبارات اجتماعية وأسرية، مما أثار غضب ديبندرا ودفعه للقيام بالجريمة الشنيعة.
تفاصيل ليلة المأساة
في الليلة المشؤومة، اجتمعت العائلة الملكية في احتفال عائلي داخل قصر نارينتي. وصفت الأميرة كيتاكي شستر، ابنة عم الملك بيرندرا، ما حدث: "حضرت الحفلة برفقة أختي جاينتي وكنا نقف قرب باب غرفة البلياردو. كانت حفلة صاخبة تغمرها القهقهات. حين ارتفع عدد الضيوف في قاعة البلياردو، غادر ولي العهد الغرفة ووقف بعض الوقت مع أمه الملكة أشواريا قبل أن يقوم بمكالمة هاتفية استمرت لدقيقتين، حيث اتصل بحبيبته ديفياني. عاد بعدها إلى الحفل وأسرف في الشرب، الأمر الذي أغضب الملك فطرده من الحفل. ثم عاد ديبندرا إلى غرفته، وحين خرج منها كان يرتدي بذلة عسكرية ويحمل في كل يد سلاحًا أوتوماتيكيًا."
تتابع الأميرة كيتاكي: "حين اقترب ديبندرا من غرفة البلياردو، بدا جديًا ومصممًا. ظن الجميع أنه يمزح، حتى ضغط على زناد الرشاش ليصيب وابل من الرصاص صدر والده الملك. ركضنا جميعًا إلى الملك محاولين بيأس وقف النزيف، لكنه أطلق النار على الجميع، مصيبًا عمته جاينتي، وأخاه الأصغر نيراجان، ووالدته الملكة، التي أطلق الرصاص مباشرة في وجهها."
نتائج التحقيق
خلصت التحقيقات الرسمية إلى أن ديبندرا كان المسؤول الوحيد عن المجزرة، إلا أن الكثيرين رفضوا تصديق هذه الرواية، مؤكدين على وجود مؤامرة. الشائعات استمرت في الانتشار، مشيرة إلى تدخل أطراف أجنبية أو تورط الأمير جانيندرا، الذي أصبح الملك بعد الحادثة.
تداعيات سياسية واجتماعية
أدى الحادث إلى فترة طويلة من الحداد في البلاد، حيث عمد البعض إلى حلق شعرهم تعبيرًا عن الحزن الشديد. مع تصاعد الشكوك والتكهنات، زاد الضغط على النظام الملكي، مما أدى في النهاية إلى إعلان نيبال جمهورية في عام 2008، مطوية بذلك صفحة من تاريخها الملكي.
تحليل وتفسير
يمكن فهم المأساة من خلال عدة جوانب. أولاً، كانت العائلة المالكة تعيش في ظل ضغوط هائلة بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية في البلاد. الانتقال من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية كان تحديًا كبيرًا، خاصة للملك بيرندرا الذي كان يحاول التوازن بين الحفاظ على التقاليد والانفتاح على الإصلاحات. في هذا السياق، يمكن أن تكون ضغوط التوقعات الملكية والقيود الاجتماعية قد أدت إلى تصاعد التوترات داخل العائلة.
ثانيًا، شخصية الأمير ديبندرا وطبيعة علاقاته الشخصية كانت عوامل حاسمة. غضبه السريع وإدمانه على الكحول والمخدرات جعلته أكثر عرضة للتصرفات العنيفة. رفض والدته لزواجه من ديفياني رانا قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير، مما أدى إلى انفجار عنيف ومأساوي.
ثالثًا، النظريات التي تشير إلى مؤامرة داخلية أو تدخل أطراف خارجية تعكس الشكوك العميقة التي كانت سائدة في نيبال في تلك الفترة. النظام الملكي كان يتعرض لضغوط هائلة من الحركات الجمهورية والإصلاحية، وكان هناك الكثير من المصالح المتعارضة التي يمكن أن تستفيد من زعزعة استقرار النظام الملكي.
تأثيرات طويلة الأمد
بعد المأساة، واجه النظام الملكي تحديات متزايدة من الحركات الجمهورية والمطالب الشعبية بالإصلاح. في عام 2008، تم إعلان نيبال جمهورية، منهية بذلك حكم العائلة المالكة الذي استمر لأكثر من 240 عامًا. هذا التحول الجذري لم يكن فقط نتيجة للحادثة، ولكنه كان جزءًا من التحولات السياسية والاجتماعية الأوسع التي كانت تجري في البلاد.
تظل مأساة القصر الملكي النيبالي واحدة من أكثر الأحداث غموضًا وإثارة للجدل في تاريخ نيبال الحديث. على الرغم من التحقيقات والنتائج الرسمية، لا تزال الأسئلة حول دوافع ودور الأمير ديبندرا تحوم في الأفق. تذكّر هذه الفاجعة الدموية الجميع بأهمية التفاهم الأسري والسياسي، وأثر الأحداث الشخصية في تشكيل مصائر الأمم. تبقى نيبال في مسيرتها نحو التقدم والديمقراطية، حاملة معها ذكريات تلك الليلة المشؤومة كجزء من تاريخها المعقد والمتنوع.