العالم يعيش حاليًا في انتكاسة كبيرة تتعلق بعودة الإرهاب العابر للحدود والقارات، صحيح سقط تنظيم داعش في 22 مارس عام 2019، ولكن خطر التنظيم ما زال محيطًا بالعالم شرقه وغربه، وربما زاد هذا الخطر بصورة كبيرة بسبب الحروب والصراعات التي ضربت العالم بأكمله.
والدليل على ذلك أنّ داعش ما زال قادرًا على تنفيذ عمليات مسلحة بعد مرور 5 سنوات على سقوطه في أوائل عام 2019، فدولة التنظيم التي سقطت قبل 5 سنوات نفذت مئات العمليات النوعيّة خلال هذه السنوات، وكأنّ السقوط كان شكليًا ورمزيًا، سقطت الدولة بينما التنظيم ما زال موجودًا بكل قوته وعنفوانه.
وهو ما يجعلنا نذهب إلى خطر آخر انعكس بصورة كبيرة على عودة التنظيم ممثلًا في الحروب والصراعات التي ضربت العالم خلال الثلاث سنوات الأخيرة وما قبلها؛ هذه الحروب خلّفت فوضى أتاحت فرصة لعود التنظيم من جديد، عودة ربما هي أشرس من وجوده السابق عندما نجح في إقامة دولته في 29 يونيو من العام 2014.
العالم يدفع ضريبة كبيرة بسبب الحروب والصراعات، سواء الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 والذي يُعتبر داعش أحد مخلفات هذا الغزو، أو نتيجة حتمية للاحتلال بكل صوره؛ الدولة الإسلامية في العراق، والتي نشأت بهدف مواجهة الاحتلال الأمريكي، ثم تشكيل تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية داعش، عندما عمت الفوضى الأراضي السورية، وهنا تبقى الفوضى العامل المشترك إما سببًا أو وجودًا لداعش.
الظروف التي هُيئت لظهور داعش هي نفسها الظروف التي يعيشها العام حاليًا؛ فما بين الحرب الروسية في أوكرانيا قبل عامين والحرب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط قبل ثمانية أشهر يسكن داعش، فضلًا عن الصراع في السودان ومن قبل في اليمن وسوريا، وكل هذه الدول ينشط فيها التنظيم أو أنه نجح في إيجاد موطئ قدم يمثل من خلاله خطرًا على أمن العالم.
بات العالم منشغلًا بصوره كبيره بالحروب والصراعات، كما أنه بات في حالة استقطاب شديد، هذه الحالة تركت أثرًا على قوة التنظيم بل ووجوده من الأساس، فضلًا عن تأثر جهود مكافحة الإرهاب، فالعالم الذي شكل التحالف الدولي من أجل مواجهة داعش هو نفس العالم المتصارع والمستقطب، وهنا تبدو الخطورة الحقيقية.
الحالة التي يعيشها العالم حاليًا أخطر بكثير من تلك التي سبقت نشأت داعش في أوائل عام 2014، بل أخطر من النصف الثاني من عام 2014 وهي الفترة الأولى لنشأة التنظيم؛ هي تُشبه تمامًا عودة الورم السرطاني؛ ففي العلوم الطبية غالبًا ما تكون عودة الورم الخبيث أكثر شراسة من الظهور الأول له؛ يا حبذا لو وجودت عوامل جاذبة أخرى فتكون العودة مميتة.
على العالم أنّ ينتبه إلى الخطر الحالي؛ فيقلل من صراعاته إنّ لم يكن قادرًا على إنهائها؛ فهذه الصراعات والحروب هي المصدر الأول للإرهاب؛ كما لا بد للعالم أنّ يتفرغ قليلًا لاستكمال مهامه المتعلقة بمواجهة هذا الإرهاب، بل عليه أنّ يفكر كثيرًا في وسائل مواجهة جديدة ومختلفة وتكون ناجعة، فالعالم لم يكن حقيقة في مواجهة الإرهاب العالمي، ولكنه حد من قدراته فقط، وكل أمنيات العالم الآن أن يُعود للمواجهة الخجولة فقط!
وعلى الولايات المتحدة الأمريكية دور سواء في مواجهة داعش والتنظيمات المتطرفة أو دور في تخفيف حدة الاحتقان، سواء في الحرب الروسية في أوكرانيا أو الحرب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها قادرة على حسم الحرب في السودان واليمن وكذلك سوريا؛ هي لا تقوم بدورها الحقيقي وتتحمل المسؤولية كاملة.
صحيح التنظيمات المتطرفة نشأت في منطقة الشرق الأوسط ولكن تم بدعم ورعاية غربية، أو على أقل تقدير تقصير من قبل الغرب في المواجهة، وهو ما يستلزم إعادة النظر في الحروب الدائرة الآن، وعلى عقلاء العالم أنّ يوقفوا هذه الحروب من أجل أنّ يُحافظوا على تبقى من العالم، فالتنظيمات المتطرفة هي من تقضي على العالم وليست الحروب والصراعات.
لا بد من استفاقة دولية لمواجهة الخطر القادم من الخلف أو لعله الآن في الصداره بسبب تأثير الحروب والصراعات الدائرة الآن، كما لا بد من تفعيل المؤسسات الدولية المعنية بحفظ الأمن والاستقرار، فهذه المؤسسات الوحيدة القادرة بضبط البوصلة ووقف الحروب أو وقف تداعياتها أو على الأقل تقليل خطر انتشارها واشتعالها بصورة أكبر.