الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

العمالقة الأقزام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"أجمل ما في الدنيا هم الناس، أحببت الكثيرين ولم أكره أحدًا، كنت أعامل الذين يكرهونني كأنهم مرضى وأدعو لهم بالشفاء، وكنت أعطي عذرًا للطبيعة البشرية، وأعذر الفاشل الذي يحقد على الناجح، وأعذر الضعيف الذي يكره القوي، وأجد مبررًا للفئران عندما تمقت السباع! وعرفت أقزامًا كالعمالقة وعمالقة كالأقزام، عرفت أقوامًا طوالًا عراضًا من خارجهم، وصغارًا متضائلين من داخلهم، وعرفت صعاليك لهم طباع الملوك وملوكًا لهم أخلاق الصعاليك، واكتشفت مع الأيام أن بعض الناس في داخلهم يختلفون كثيرًا عما في خارجهم، أثوابهم مطرزة بالماس والياقوت، وجلودهم محفور عليها الحقد والضغينة والحسد والرغبة في الانتقام، ولكن هؤلاء أقلية مسحوقة وإنما الأغلبية الساحقة من الناس الطيبين يقفون معك في الشدة، ويسندونك في المحنة ويعطفون عليك في الأزمة، تنشق الأرض فتجدهم حولك، لا تعرف من أين جاءوا ولا من أرسلهم، لم تعرفهم من قبل ولم تسمع بهم".. كلمات من ذهب سجلها لنا الكاتب الصحفي مصطفي أمين في كتابه "مسائل شخصية".

وفي غمار الحياة، بضجيجها وسكونها، بمرتفعاتها ومنخفضاتها سيواجه الناجح ثلاثة أمور، الأمر الأول فريق أعداء النجاح، الأمر الثاني العمالقة الأقزام والثالث الأغلبية الطيبة.

الحقيقة، لا يوجد شخص ناجح إلا وواجه ما وصفه الكاتب الكبير مصطفي أمين، ففئة أعداء النجاح موجودة، فئة "الذين لا يعملون ويؤذى نفوسهم أن يعمل الناس"، كما قال عميد الأدب العربي طه حسين، فقط هم متفرغون لمراقبة الناجح ورمي شجرته المثمرة بالحصى، ولكن كما أن للناس إرادة فالله أيضًا إرادة، وأنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد، ووفقًا للسنن الكونية فمهما فعل هؤلاء ومهما قاوموا الناجح وقالوا على الصواب خطأ والخطأ صواب، ومهما كذبوا وافتروا لن تحدث سوى إرادة الله الحكم العدل.

الأمر الثاني ظاهرة العملاق القزم، هناك أشخاص يبدون من الخارج كالعمالقة طوالًا عراضًا من خارجهم ولكنهم في أعماقهم فارغين متضائلين يرون أنفسهم صغار كالأقزام، تهددهم نجاحات الآخرين، يخيفهم تقدمهم وأكثر ما يزعجهم ويصيبهم بالاختناق والضيق الشديد تلك المحبة التي تحيط الناجحين، هؤلاء من الخارج غير الداخل، وهم في أعين أنفسهم كل شيء، لديهم مشكلة في شعورهم بالقيمة الذاتية أو تقدير الذات، لذا فإن هؤلاء العمالقة هم في حقيقتهم أقزام عاجزين عن الإنتاج عن النجاح عن الإثمار، يحاولون تعظيم شأنهم وإثبات مهارتهم والتغني بإنجازاتهم العملاقة ولكنها عملاقة في أعينهم هم فقط. 

ذهبت الأشجار يومًا لتختار ملكًا لها، فطلبوا من شجرة الزيتون أن تكون ملكة عليهم، فقالت لهم هل أوقف إنتاج زيتي الغني لكي أملك؟ فذهبت الأشجار إلى التينة فقالت هل أوقف إنتاج ثمري الجيد الحلو لكي أملك على الأشجار، فقالت الأشجار للكرمة تعالي أنت وكوني ملكة علينا، فرفضت هي أيضًا، فلم تجد الأشجار بدًا من أن تطلب من شجرة الشوك أن تملك عليهم، ففرحت جدًا وقالت لهم احتموا تحت ظلي، مع أنها شجرة قزمة أقصر من أشجار أكثر علوًا وضخامة، ولا يستطيع أحد أن يستظل تحتها فلا أوراق فيها بل أشواك. وهكذا من يبدون بالعمالقة هم في واقع الأمر صغارًا متضائلين، لا يوجد لديهم سوى وخزات الشوك حتى لمن يظنونهم أحباء.

الأمر الثالث يزن بقية المعادلة، فكما أن هناك مقاومة للنجاح هناك دفعة من رب العباد، تأخذ صورة الأغلبية الطيبة من يقفون خلف الناجح ويدعمونه، ووقت الشدة يدافعون عنه في غيابه، فالأقزام تخاف من مواجهة العملاق الحقيقي، هؤلاء يسندونه بإخلاص وليس شرطًا أن يكونوا ذوى مكانة، شرطهم الوحيد هو أن يكونوا من ذوي القلوب الطيبة التي لا تعرف الحقد والخداع، قد يكونون بسطاء لكنهم في واقعهم الحقيقي عمالقة وهم كُثر.

هناك مثل إنجليزي يقول "لا تُصارع خنزيرًا في الوحل، ‏فتتسخ أنت ويستمتع هو"، فليطمئن الناجح، ولا داع أن يتجاوب وينشغل بمهاترات الأقزام لأن آخرها وحل الخنازير، ليتقدم الناجح في طريقة للأمام، منتج غير مشغول بغيره وغير عابئ بهاموش الحاقدين، لأن القزم سيظل مشغولًا بالناجح يدور في فلكه محبوسًا داخل دائرة حقده وضغينته وحسده التي في النهاية لن تلتهم نارها أحد غيره هو.

د.أماني ألبرت: أستاذ الإعلام جامعة بني سويف