ما زال الاحتلال الإسرائيلي، يدير ظهره للعالم ولا يكترث لدعواته ولا لقرارات أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة "المحكمة العالمية"، بشأن العدوان على قطاع غزة.
ففي كل مرة، يسارع الاحتلال إلى الرد على أي مواقف أو قرارات للمجتمع الدولي، بارتكاب فعل معاكس لها على الأرض، كما حصل بعد أوامر محكمة العدل الدولية، بوقف فوري للهجوم البري على رفح، وضرورة المحافظة على فتح معبر رفح، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
الرد الإسرائيلي لم يتأخر على أوامر العدل الدولية رغم أنها نهائية وغير قابلة للطعن، فبعد ايام قلقيلة، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرتين بحق مخيمات النزوح في رفح، ما أسفر عن استشهاد 72 مواطنا أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة المئات.
وبعكس ما طالب به المجتمع الدولي، وأكدته محكمة العدل الدولية، واصلت قوات الاحتلال السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، أو خروج المرضى والمصابين لتلقي العلاج.
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال إنه يجب احترام قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وتركها تعمل دون تهديد كما يفعل بنيامين نتنياهو.
وأضاف أن مقتل أكثر من 30 شخصا من النازحين في رفح يدفعنا إلى المطالبة بضرورة تطبيق قرار محكمتي "العدل"، و"الجنائية" الدوليتين، بحق إسرائيل، لأن ما نراه أن إسرائيل مستمرة في القيام بالإجراءات التي طُلب منها التوقف عنها.
المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز، قالت إن الإبادة الجماعية بغزة لن تنتهي دون ضغوط خارجية ويجب فرض عقوبات على إسرائيل وتعليق الاستثمارات والاتفاقيات والتجارة والشراكة معها. وأكدت أن "هذه القسوة، إلى جانب التحدي الصارخ للقانون والنظام الدولي، أمر غير مقبول".
كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة، ويجب على جميع الأعضاء الالتزام بها، وكرر مطالبته بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، داعيا إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع دون عوائق وبشكل آمن.
وفي 5 مايو 2024، أغلقت قوات الاحتلال بشكل كامل معبر كرم أبو سالم جنوب شرق مدينة رفح،و منعت إدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وبعد 20 يوما من الإغلاق تم فتح المعبر أقل من 24 ساعة، أدخلت خلالها 200 شاحنة مساعدات، من ضمنها 4 شاحنات وقود، وهي كميات شحيحة جدا مقارنة باحتياجات القطاع، خاصة بعد سبعة أشهر متواصلة من العدوان.
وفي السياق نفسه، ورغم قرار محكمة العدل الدولية، واصلت قوات الاحتلال منذ السابع من مايو الجاري، إغلاق معبر رفح الحدودي، بعد أن احتلت الجانب الفلسطيني منه، ومنعت تدفق المساعدات الإنسانية، وخروج الجرحى والمرضى والحالات الإنسانية عبره إلى الخارج.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، قالت إن مليون مواطن نزحوا قسرا من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة خلال الأسابيع الـ3 الماضية، جراء العدوان والقصف العنيف على المدينة.
وأشارت إلى أن نقص الغذاء والماء، وتكدس أكوام النفايات، والظروف المعيشية غير المناسبة، تجعل تقديم المساعدة شبه مستحيل يوما بعد يوم.
وأفادت بأنه نتيجة للعملية العسكرية المستمرة في رفح، أصبح من الصعب الوصول إلى مركز توزيع الأونروا ومستودع برنامج الأغذية العالمي.
الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وهو أكبر شبكة إنسانية في العالم، قال: "نحن مستعدون لإحداث فرق. علينا أن نتمكن من الوصول إلى غزة، ولكي نتمكن من الوصول إلى هناك يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار".
وبسبب استمرار إغلاق المعابر ووقف تدفق المساعدات الإنسانية والطبية، واستهداف قوات الاحتلال المتعمد للمرافق الصحية، لم يتبق إلا مستشفى تل السلطان وهو مخصص للولادة داخل الخدمة في محافظة رفح، بعد خروج مستشفى أبو يوسف النجار، وعيادة أبو الوليد المركزية، ومستشفى رفح الميداني (2)، ومستشفى الكويت التخصصي، والمستشفى الميداني الإندونيسي، عن الخدمة، رغم تحذيرات مبكرة من منظمة الصحة العالمية بانهيار النظام الصحي تماما في حال استمرار العمليات العسكرية.
منظمة الصحة العالمية، أعلنت أن الآلاف من مواطني غزة يحتاجون إلى إجلاء طبي عاجل لكن القليل منهم تمكنوا من مغادرة القطاع المحاصر منذ اندلاع العدوان قبل نحو ثمانية أشهر.
وحذرت المنظمة من أن استمرار توقف إجلاء المرضى والمصابين يعني أن المزيد من الأشخاص سيموتون في انتظار تلقي العلاج.
تمادي إسرائيل في جرائمها يؤكد من جديد أن إطلاق الدعوات وإبداء الآمال وصيغ التعبير عن القلق والتحذير الدولي، غير كافية، ولا ترتقي إلى مستوى معاناة شعب يرزح تحت الاحتلال منذ 76 عاما، ولا يمكن لها أن توقف همجية الاحتلال وشهوته للقتل والدمار.
وتعد مدينة رفح آخر ملاذ للنازحين في القطاع المنكوب، فمنذ بداية العملية البرية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في الـ27 من تشرين الأول 2023، يُطلب من المواطنين التوجه من شمال القطاع ووسطه إلى الجنوب، بادعاء أنها "مناطق آمنة".
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، عدوانها برا وبحرا وجوا على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ما أسفر عن استشهاد 36171 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والاطفال، وإصابة 81420 آخرين، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض، في انتظار أن يتحرك العالم جديا لإلزام إسرائيل بوقف حرب الإبادة.