ترتبط مصر بعلاقة خاصة مع القارة الأفريقية التى تنتمى إليها، وتؤثر فيها وتتأثر بها وعلى مدار التاريخ وبحسب المؤرخ الراحل جمال حمدان فى مؤلفه "نحن وأبعادنا الأربعة" فإن "مصر التى كانت طليعة ومهد الحضارة فى القارة، قد صدرت إليها كثيرا من إنجازاتها منذ فجر التاريخ، فلقد جعلت الظروف الجغرافية والتاريخية من مصر مشعل النور الأكبر فى القارة".
وتحتفل القارة السمراء فى هذه الأيام بذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية التى تحولت إلى الاتحاد الأفريقي، واعتمد الخامس والعشرين من مايو "يوم أفريقيا"، باعتباره يوما للوحدة حيث عقد فيه أول اجتماع يشمل كبار القارة الأفريقية لتدشين المنظمة الجامعة لكل دولها، وكان الزعيم جمال عبد الناصر من الآباء المؤسسين لها.
وفى مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية يوم ٢٥ مايو ١٩٦٣ الذى عقد فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، قال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر "إن مجرد انعقاد هذا المؤتمر دليل على وجود إرادة أفريقية حرة وواحدة، فنحن لن نصل إلى هنا صدفة ولا وصلنا بسرعة وإنما جئنا من طرق عدة واستغرق مجيئنا محاولات تمكنت أخيرا من تحقيق نفسها، لأنها تصدر عن نداء للوحدة غلاب لا نستطيع مقاومته ولا استطاع غيرنا أن يصدنا عنه".
ما قبل منظمة الوحدة الأفريقية
ولم يكن تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية وليد اللحظة وإنما نتاج جهود وعمل سنوات متواصلة كان لمصر دور رئيسى فيها وأبرز المحطات كانت مشاركة القاهرة فى مؤتمرات الدول المستقلة الذى استضافته أكرا عام ١٩٥٨ لبحث إنشاء إطار مؤسسى للدول التى استقلت بالفعل وترأس وفد مصر وزير الخارجية محمود فوزى وبعث الزعيم الغانى نكروما برسالة إلى الرئيس عبد الناصر تفيد بأنه "لا يتصور أفريقيا بدون مصر"، بحسب ما أورد الدكتور محمد فائق فى كتابه المعنون بـ"ثورة ٢٣ يوليو وأفريقيا".
وشاركت مصر كذلك فى مؤتمرات الشعوب الأفريقية، واستضافت القاهرة فى عام ١٩٦١ المؤتمر الثالث مكانة مهمة فى المجموعات التى اهتمت بقضايا التحرر وعلى رأسها مجموعة "الدار البيضاء" التى كانت أول جبهة أفريقية من دول القارة السمراء تناصر قضايا التحرر والاستقلال حيث شارك الزعيم عبد الناصر بنفسه فى وضع ميثاق "الدار البيضاء".
منظمة الوحدة الأفريقية
وعقد مؤتمر القمة الأول لمنظمة الوحدة الأفريقية فى أديس أبابا بمشاركة ٣٢ دولة هى "الجزائر وبوروندى والكاميرون وأفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو "برازافيل" والكونغو ليوبولدفيل "الديمقراطية"، داهومى "بنين حاليا"، وإثيوبيا والجابون وغانا وغينيا وساحل العاج وليبيريا وليبيا ومدغشقر ومالى وموريتانيا والمغرب والنيجر ونيجيريا ورواندا والسنغال وسيراليون والصومال والسودان، وتنجانيقيا "تنزانيا حاليا"، وتوجو وتونس وأوغندا ومصر وفولتا العليا "بوركينا فاسو حاليا"، وقعوا جميعا على ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية المكون من ٣٢ مادة.
ومثلما احتضنت مصر كل حركات التحرر الأفريقية والعربية، كان لها دور بارز فى نشأة منظمة الوحدة الأفريقية فى مايو عام ١٩٦٣ وقال الرئيس عبد الناصر خلال القمة الأولى التى عقدت فى أديس أبابا "إن القارة تواجه أخطر مراحل نضالها، إن مجرد انعقاد هذا المؤتمر دليل على وجود إرادة أفريقية حرة وواحدة، إن هذه الإرادة الحرة الواحدة تحتاج إلى عقل منظم وإلى أعصاب محركة لتستطيع أن تصمد لما يواجهها من تحديات".
ويعد الزعيم عبد الناصر من الآباء المؤسسين لفكرة الوحدة الأفريقية إلى جانب الزعيم الغانى كوامى نكروما والزعيم التنزانى جوليوس نيريرى والزعيم السنغالى ليوبورد سنجور والزعيم الغينى أحمد سيكوتوري.
وترأس عبد الناصر منظمة الوحدة الأفريقية من ١٧ يوليو ١٩٦٤ حتى ٢١ أكتوبر ١٩٦٥ متسلما القيادة من الامبراطور الإثيوبى هيلاسلاسي.
٢٥ مايو يوم أفريقيا
واعتبر يوم ٢٥ مايو من كل عام هو يوم أفريقيا، بناء على قرار القمة الذى عقد فى الفترة بين ٢٢ – ٢٥ مايو ١٩٦٣ فى أديس أبابا، وقصد بهذا اليوم إذكاء روح النضال فى جميع أنحاء القارة ومداومة التنبيه والمسير قدما نحو الأهداف المرسومة لتحرير القارة وتصفيتها من الاستعمار والنهوض باقتصادياتها ورفع مستوى حياة المواطنين فيها، يوم قصد به إذن أن يكون ملتقى المشاعر ذلك هو يوم ٢٥ مايو يوم تحرير أفريقيا".
الاتحاد الأفريقي
وفى التاسع من يوليو من عام ٢٠٠٢ تحولت منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي، وتُتّخذ أهم قرارات الاتحاد فى اجتماع نصف سنوى لرؤساء الدول وممثلى حكومات الدول الأعضاء من خلال ما يسمى بالجمعية العامة للاتحاد الأفريقي، يقع مقر الأمانة العامة ولجنة الاتحاد الأفريقى فى أديس أبابا، أثيوبيا. وسبق ذلك التحول جهود أفريقية متعددة وكان لمصر دورها البارز فيها حيث تقدمت فى قمة لومى عام ٢٠٠٠ بطلب إدخال تعديلات على ميثاق المنظمة.
دور مصر فى أفريقيا
وينظر إلى فترة الرئيس الراحل عبد الناصر بأنها فترة ذهبية للعلاقات المصرية الأفريقية، ويؤكد الباحث أحمد إمبابى فى مقاله المنشور بمجلة السياسة الدولية أكتوبر ٢٠٢٣ تحت عنوان "تطور الدور المصرى التاريخى فى العمل الأفريقى المشترك" أن "أفريقيا احتلت المرتبة الثانية بعد العالم العربى فى أولوية السياسة الخارجية، وقام الدور الإقليمى المصرى فى هذه الفترة على عدد من الأسس والمبادئ أهمها مناهضة الاستعمار الأوروبى ودعم تحرر الدول الأفريقية ومناهضة النظم العنصرية خصوصا نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا".
وفى عهد السادات استثمرت مصر إرث عبد الناصر فى أفريقيا، وظهر ذلك جليا فى مناصرة دول القارة السمراء للحق العربى ضد إسرائيل حيث قطعت ٨ دول علاقتها بتل أبيب بعد النكسة و٢٠ آخرين بعد انتصار أكتوبر واستضافت مصر أول قمة عربية أفريقية فى مارس ١٩٧٧ بمشاركة ٦٥ دولة عربية وأفريقية.
وفى عهد الرئيس الراحل محمد حسنى مبارك، اتسمت بالاعتدال والحياد تجاه أفريقيا من بداية حكمه إلى منتصف عقد التسعينيات الذى شهد محاولة الاغتيال الفاشلة فى أديس أبابا عام ١٩٩٥ ليتراجع الاهتمام المصرى بالدائرة الأفريقية.
اهتمام السيسى بأفريقيا
وفى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى تعددت الزيارات الرئاسية إلى دول القارة السمراء، ووصلت إلى حوالى ٤٠ زيارة لتعود مصر مجددا إلى الساحة الأفريقية بعد فترة جفاء نتيجة للتطورات المتلاحقة التى شهدتها العقود الماضية، ونالت مصر ثقة دول القارة السمراء لترأس الاتحاد الأفريقى فى عام ٢٠١٩.
أبرز المشروعات المصرية فى أفريقيا
وتعمل الشركات المصرية فى أغلب الدول الأفريقية فى تدشين المشروعات الكبيرة، نذكر البعض منها على سبيل المثال فى السطور التالية.
فى مجال الكهرباء تعمل مصر على تدشين مشاريع عديدة للربط الكهربائى فى أفريقيا، ومن المتوقع أن يحول مصر إلى نقطة مهمة فى نقل الكهرباء للقارتين الأفريقية والأوروبية بحلول عام ٢٠٣٥.
وتشمل المشروعات الجارى تنفيذها فى أفريقيا، مشروع رفع قدرة خط الربط الكهربائى بين مصر والسودان حتى ٢٤٠ إلى ٣٠٠ ميجا وات، إلى جانب تنفيذ مصر مشروع إنشاء محطة شمسية فى إريتريا متصلة بالشبكة الكهربائية بتكلفة تتجاوز مليونى دولار، وكذلك مشروع إنشاء محطة شمسية غير متصلة بالشبكة الكهربائية بتكلفة حوالى ٨.٤ مليون دولار.
وفى أوغندا تنفذ الشركات المصرية مشروع إنشاء محطة شمسية متصلة بالشبكة الكهربائية فى أوغندا بتكلفة تصل إلى حوالى ٦ ملايين دولار.
وفى بوروندى تم إنشاء ورشة لصيانة المحولات باستمارات بلغت قرابة ١٠ ملايين و١٢٨ ألف جنيه، ويجرى الإعداد لتنفيذ عدة مشروعات جديدة منها مشروع صيانة محطتى "يامبيو-رومبيك" بجنوب السودان بتكلفة تتجاوز ٧٠ مليون جنيه.
وإلى الصومال حيث أنشأت مصر محطة شمسية بقدرة ٢ ميجاوات بتكلفة ٤.٥ مليون دولار، وتركيب وحدات ديزل وبعض المهمات الكهربائية بتكلفة حوالى ١.٥ مليون جنيه.
وفى جيبوتى أنشأت مصر مشروع محطة شمسية بقدرة ٢٥٠ميجاوات بتكلفه ١.٢٨٨ مليون دولار، ومحطة شمسية قدرة ٣٠٠ كيلو وات بتكلفة ١.٤٩٨ مليون دولار وتوريد وتركيب ٦١ طلمبة غاطسة بالطاقة الشمسية لآبار المياه بتكلفه ١.٣٧٢ مليون دولار.
وأنشأت شركتا المقاولون العرب والسويدى إليكتريك مشروع سد ومحطة "جوليوس نيريرى" الكهرومائية، على نهر روفيجى فى تنزانيا، ويبلغ ارتفاعه نحو ١٣١ مترا، وبتكلفة تقدر بنحو ٣ مليارات دولار، ويعد أضخم من السد العالي، ويهدف إلى توليد طاقة كهربائية بقدرة ٢١١٥ ميجا وات، إلى جانب افتتاح المرحة الأولى من محطة توليد الطاقة الشمسية بالمزرعة المصرية التنزانية المشتركة.
المساعدات المصرية لأفريقيا
وخلال أزمة تفشى وباء كورونا أرسلت مصر إلى ٣٠ دولة أفريقية مساعدات عاجلة قيمتها ٤ ملايين دولار، بالإضافة إلى إطلاق مبادرة علاج مليون أفريقى من فيروس "سي" فى عام ٢٠١٩.
وفى عام ٢٠١٩ وحتى ٢٠٢١ أرسلت مصر إلى السودان أكثر من ١٨٢ طن مساعدات لمنكوبى الفيضانات فى الجارة الجنوبية لمصر.
وفى العام قبل الماضى ٢٠٢٢، قدمت مصر ٣٠ مليون جرعة كورونا فى شتى بقاع القارة السمراء، وفى أبريل من عام ٢٠٢١ أرسلت شحنة مساعدات طبية وإنسانية لغينيا الاستوائية لإغاثة ضحايا تفجيرات باتا.