أكد الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، أان مصطلحُ "الجمهورية الجديدة" هو أحدُ المصطلحات المهمة التي انتشرتْ خلال السنواتِ الماضيةِ، والذي دشَّنَه الرئيسِ عبدِ الفتاح السيسي، في الاحتفالِ الذي أُقيمَ باستادِ القاهرةِ، في يوليو عامَ 2021، بمناسبةِإطلاقِ مبادرةِ "حياة كريمة".
وكان الرئيسُ أيضًا قد أعلنَ عنها قبلَ هذا في الندوةِ التثقيفيةِ الثالثةِ والثلاثينَ للقواتِ المسلحةِفي مارس 2021. لكن ربَّما اتخذَ المصطلحُ إعلاميًّا بُعدًا محدودًا؛ إذ ارتبطَ بافتتاحِ العاصمةِ الإداريةِ الجديدةْ. وصحيحٌأنَّ العاصمةَ الإداريةَ الجديدةَ هي منَ الملامحِ المهمةِ للجمهوريةِالجديدةِ، لكنَّها لا تمثلُ كلَّ أبعادِ هذا المصطلحِ؛ إذ أكَّد الرئيسُ أن الجمهوريةَ الجديدةَ هي «جمهوريةُ التنميةِ والبناءِوالتطويرِ، وتغييرِ الواقعِ، وهي جمهوريةٌ تؤسِّسُ نَسَقًا فكريًّاواجتماعيًّا وإنسانيًّا شاملًا، وبناءَ إنسانٍ ومجتمعٍ متطـورٍ،تسودُهُ قيمٌ إنسانيةٌ رفيعةٌ».
دلالةِ المصطلحِ:
وأضاف “زكي” خلال الكلمة التي القاها ، اليوم الإثنين ، بالمؤتمر الذي ينظمه منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية تحت عنوان “بناء الجمهورية الجديدة : رؤية ثقافية” والمنعقد بالاسكندرية ، بانه ربما أُطلِق مصطلحُ "الجمهورية الجديدة" في حِقَبٍ تاريخيةٍ مختلفةٍ في عددٍ من البلدانِ بعدَ أن شهدتْ تغيراتٍسياسيةٍ كبيرةٍ؛ وهو -وفقًا لبعضِ الآراءِ- كان يعبِّرُ عن مرحلةٍزمنيةٍ جديدةٍ في عُمر الثورةِ الفرنسيةِ 1789، وأنَّ الساسةَوالمنظِّرين الفرنسيينَ استهدَفوا من خلالِ هذا المصطلحِ الحفاظَ على حالةِ الزخمِ والحراكِ السياسيِّ والديمقراطيِّوالاجتماعيِّ، وكذلك التعبيرَ عنْ رغبةٍ حقيقيةٍ في إحداثِ التغييرِ الذي يؤدِّي إلى غاياتٍ تحقِّقُ التقدمَ الإنسانيَّ على جميعِ الأصعدةِ؛ سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
ويشيرُ باحثونَ آخرونَ إلى أنَّ الجمهوريةَ الجديدةَ تخرجُ من رَحِمِ الواقعِإلى الواقعِ؛ فتَرَى مشكلاتٍ اجتماعيةً وصحيةً وسياسيةً،وتحاولُ وضعَ حلولٍ واقعيةٍ تستطيعُ تطبيقَها، وليستْ حلمًا في عالمٍ خياليٍّ يضعُ شروطًا وقواعدَ يصعبُ تحقيقُها. وبناءً على هذه الرؤيةِ الواقعيةِ، تنطلقُ الجمهوريةُ الجديدةُ منْ مبدأ "ما هو كائنٌ بالفعلِ"، أي أنها "وصفيةٌ وتقريريةٌ"، فتضعُ خطَطًاقريبةَ المدى وبعيدةَ المدى، مع مراعاةِ التحدياتِ الحاليةِوالمُحتَمَلَة؛ فهي ذات رؤيةٍ استشرافيةٍ مبنيةٍ على الواقع. وتنظرُ الجمهوريةُ الجديدةُ للإنسانِ باعتبارهِ منظومةً متكاملةً، ودونَ تمييزٍ من أيِّ نوعٍ؛ فالجميعُ له مكانٌ في هذه الجمهوريةِالجديدةِ. كما تحقِّقُ الجمهوريةُ الجديدةُ أيضًا مبدأَ"البراجماتية المثالية"، بمعنى أنْ يعملَ الجميعُ من أجلِالجميعِ، وأن يُوضعَ الفردُ المناسبُ في المكانِ المناسبِ لتحقيقِمبدأ المعياريةِ والإنجازِ والتميُّزِ.
ولقد وُلِدَت الجمهوريةُ الجديدةُ منْ رَحِم ثورة 30 يونيو 2013، معبِّرةً عن خطواتِ مصرَ الجادةِ إزاء تدشينِ عقدٍاجتماعيٍّ جديدٍ؛ يستهدفُ معالجةَ أخطاءِ الماضي، والعملَ وفقَآليةٍ وتخطيطٍ استراتيجيٍّ.
الجمهورية الجديدة والتنمية:
وتابع “زكي”: أرى في مصطلحِ الجمهوريةِ الجديدةِ بناءً يعتمدُ في الأساسِ على تعظيمِ جهودِ التنميةِ وتفعيلِ شموليةِ تأثيراتِها لتشملَ الجميعَ، والهدفُ الرئيسُ في هذا الأمرِ هو بناءُالإنسانِ المصريِّ عبرَ تطويرِ التعليمِ والصحةِ بشكلٍ أساسيٍّ، لتغييرِ وتحسينِ الأوضاعِ المعيشيةِ وتعزيزِ دورِهِ كمواطنٍيضطلعُ بواجباتِهِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ، من خلالِ تطويرِ الوعيِ المجتمعيِّ والتغييرِ في الأفكارِ والسلوكياتِوتنظيمِ الإدارةِ وسُبُلِ الحياةْ.
ولقد انطلقتِ الجمهوريةُ الجديدةُ في مصرَ أساسًا في مناسبةٍ تنمويةٍ كبيرةٍ، لهذا فهي تعبِّرُ عن توجُّهٍ تنمويٍّ واقعيٍّ يبحثُ التحدياتِ القائمةَ "ما هو كائنٌ بالفعلِ"، ويسعَى لتغييرِالوضعِ إلى "ما ينبغي أن يكون".
ويستندُ مفهومُ التنميةِ في الجمهوريةِ الجديدةِ إلى مبدأَيْن رئيسَيْن:
1. التنميةُ الاقتصاديةُ والاجتماعيةُ باعتبارها أساسًا للتنميةِ السياسيةِ، وتثبيتِ واستقرارِ مؤسساتِ الدولةِواستدامةِ اللُّحمةِ الاجتماعيةِ والتماسكِ المجتمعيِّ، بهدف التكاملِ بينَ الخططِ التنمويةِ للدولةِ والمجتمعِ.
2. حقوقُ الإنسانِ بمفهومها الشاملِ، من خلالِ وضعِالمعاييرِ والمحدِّداتِ والحقوقِ السياسيةِ والمدنيةِوالاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والتنميةِ المستدامةِ، والأبعاد الأخرى التي تضمَّنها الجيلُ الثالثُ من حقوقِ الإنسانِلتعمل وفقها المؤسساتُ وتمثل هدفًا أمام أيِّ مشروعٍفي المجتمعِ؛ وبهذا لا تنفصلُ حقوقُ الإنسانِ عن أيِّجهودٍ تنمويةٍ، بل تمثل مُنطَلَقًا لها وأساسًا لتفعيلها.
وفي هذا السياقِ، ووفقَ الأهدافِ السبعةَ عشرْ للتنميةِالمستدامةِ للأممِ المتحدةِ، تم تطويرُ الاستراتيجياتِ الخاصةِللتنميةِ المستدامةِ 2030، والتي تركِّزُ على:
- الارتقاءِ بجودةِ حياةِ المواطنِ المصريِّ، وتحسينِ مستوى معيشتِه في مختلف نواحي الحياة.
- التأكيدِ على ترسيخِ مبادئِ العدالةِ الاجتماعيةِ والمشاركةِفي الحياةِ السياسيةِ والاجتماعيةِ.
- تحقيقِ نموٍّ اقتصاديٍّ مرتفعٍ ومستدامٍ يضمنُ الحياةَالكريمةَ.
- تعزيزِ الاستثمارِ في البشرِ وبناءِ قدراتِهِم الإبداعيةِ من خلالِ الحثِّ على زيادةِ المعرفةِ والابتكارِ والبحثِ العلميِّفي كافةِ المجالاتِ.
- مشاركةِ القطاعِ الخاصِّ ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ في التنميةِ.
- مراعاةِ ومنحِ أولويةٍ للقضايا ذاتِ البعدِ البيئيِّ ومواجهةِالتغيراتِ المناخيةِ.
وفي هذا الإطارِ أيضًا أودُّ أنْ أشيرَ إلى التعاونِ غيرِالمسبوق بينَ الدولةِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ، والذي ساهمَ كثيرًا في تحقيقِ الكثيرِ من أهدافِ التنميةِ، والذي أثمر أيضًا عن تدشينِ التحالفِ الوطنيِّ للعملِ الأهليِّ التنمويِّ، والذي يتكونُ في الوقتِ الحاليِّ من 36 مؤسسةَ مجتمعٍ مدنيٍّ تتكاتفُجميعُها لتحقيقِ ملامحِ هذهِ الجمهوريةِ الجديدةِ.