تتزايد الأعباء المالية والعسكرية على الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء الحرب الأوكرانية، كما أنها دخلت مرحلة جديدة من الأعباء مع انطلاق العدوان الإسرائيلى على غزة، ما يضع واشنطن أمام احتمالية تقليل نفقاتها الحربية فى ملفات أخرى أقل أهمية بالنسبة لها من أوكرانيا وإسرائيل، مثل ملف مكافحة الإرهاب.
خاصة وأن البعض يرى تعزيز هذه الاحتمالية بعد فقدان الثقة فى الوجود الأوروبى والأمريكى فى القارة الأفريقية واتجاه عدد من الدول لتعزيز علاقتها مع الدب الروسي، فى ظل تنامى التنظيمات المسلحة فى أفريقيا، إلى جانب الانخراط الكبير فى دعم أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، سبقها الانسحاب من أفغانستان وترك الشعب والسلطة فريسة فى يد حركة طالبان.
وكان وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، أعلن عن تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة ٢ مليار دولار، لمساعدة البلاد فى صد الهجوم الروسي، وذلك فى آخر زيارة لوزير الخارجية لكييف، الأربعاء الماضي، وهى خطوة أمريكية جاءت بعد أسابيع من إقرار حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة ٦١ مليار دولار تأخر اعتمادها من جانب الكونجرس لأشهر، فيما تقدر المساعدات الأمريكية لأوكرانيا منذ اندلاع الهجوم الروسى بنحو ١٠٧ مليارات دولار.
أما على الجانب الإسرائيلى فقد وافق مجلس الشيوخ الأمريكى على حزمة مساعدات خارجية بقيمة ٩٥ مليار دولار، تشمل تقديم دعم عسكرى لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان، يصل لإسرائيل منها نحو ٢٦.٤ مليار دولار.
ويرى مراقبون أن الحرب الأوكرانية ووقوف أمريكا بجانبها داعما ماليا وبمعدات وآليات عسكرية، وأيضا العدوان الإسرائيلى على غزة المدعوم من واشنطن، قد يعزز من تراجع جهود الولايات المتحدة فى مكافحة الإرهاب دوليا، خاصة وأن التزام أمريكا بهذه المجابهة يضيف عليها أعباء إضافية، فهل فعلا تتأثر الجهود الأمريكية بما يمكن أن يسمى استنزافا من قبل أوكرانيا وإسرائيل؟
وانسحبت واشنطن من أفغانستان فى أغسطس عام ٢٠٢١ فى إطار المحافظة على مصالحها ولكن بتكلفة أقل، حيث أضر بمصداقيتها فى التزامها بمحاربة الإرهاب، وأيضا يتناقض مع شعار الرئيس الأمريكى جو بايدن بأن أمريكا عادت إلى الساحة العالمية، وهو ما يدفع المراقبين إلى القول بإمكانية تنصل أو تقليل واشنطن من جهودها فى مجال الإرهاب لصالح شركاء آخرين أكثر أهمية مثل إسرائيل وأوكرانيا.
تزايد الحروب والنزاعات
من جانبه؛ يرى الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، أن انشغال الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري والمالى إلى أوكرانيا وإلى إسرائيل يأخذ الكثير من الوقت والتدابير، لأن تقديم الأسلحة والتمويل كان يواجه الكثير من الصعوبات أمام الإدارة الأمريكية، وهذا يجعلها منشغلة دائما على حساب سياسات مكافحة الإرهاب دوليا.
وأضاف "جاسم"، فى تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، أن مثل هذا الانشغال يجعلنا نتذكر حقيقة أن الحروب والنزاعات الدولية تزيد من التطرف والإرهاب بسبب ما تفرز من نتائج منها النزوح والهجرة والخطاب المتطرف والعنصرية وغيرها من المشاكل وهذا ما تستغله الجماعات المتطرفة عندما يكون هناك فراغ سياسي، خاصة الفراغ الذى تتركه الولايات المتحدة حول العالم.
فبحسب رئيس المركز الأوروبى فإن انسحاب واشنطن من دعم مكافحة الإرهاب يخلق مساحة وفراغًا يمكن استغلالهما من قبل التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى المشاكل التى تجاور دائما هذه التحركات مثل الهجرة وتصاعد خطابات الكراهية وغيرها.
زيادة الإنفاق العسكري
ذكر تقرير لموقع CNBC عربية، أن الميزانية العسكرية الأمريكية تغذى الحروب فى العالم، ونقل التقرير عن "هارفرد بزنيس سكول"، أن جزءا كبيرا من الأموال المخصصة للإنفاق العسكرى ستذهب لدعم صناعة الدفاع الأمريكية، كما تذهب أغلب الأسلحة فى السنوات الأخيرة إلى أوكرانيا وإسرائيل وتايوان، بعد سنوات من الإنفاق العسكرى فى بغداد وباكستان وأفغانستان التى قاربت ٥ تريليون.
يشير التحول فى تغيير مسار الإنفاق العسكرى بوضوح إلى تحول آخر مصحوب فى السياسة الأمريكية التى انتقلت من ملف أيدته وأبدت اهتمامًا متزايدا به، فى فترة سابقة، وهو مجال مكافحة الإرهاب، ليتجه الاهتمام إلى ساحة صراعها مع روسيا والصين مجددا، ودعم حليفتها الأهم فى المنطقة إسرائيل.
برر بعض المراقبين من أن تخصيص مساعدات مالية ضخمة لأوكرانيا لا يعنى أنها ستذهب إليها أمولا بل معناه أن هذه الأموال سيجرى توجيهها لمجال الصناعات العسكرية والدفاعية الأمريكية، حيث ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بثقلها على سباق التسليح بين الدول، وخاصة واشنطن التى تتصدر قائمة الأكثر إنفاقا على صفقات السلاح.
تنامى التنظيمات والتهديدات الإرهابية
يبدو أن الموقف الأمريكى بات واضحا خاصة مع انسحابها من أفغانستان وإفساح الساحة لحركة طالبان التى ظلت تقاتلها لنحو عشرين عاما، تركتها تنفرد بالسلطة، وتنفرد بالشعب أيضا، بالإضافة لتنامى التنظيمات المسلحة فى القارة الأفريقية، مع فقد الثقة فى الدور الأمريكى والأوروبى لدى كثير من الدول الأفريقية التى أعلنت عن عدم ترحيبها بهذا الدور الذى يدعى محاربته للإرهاب.
بينما اتجهت بعض الدول صوب روسيا بهدف التعاون معها اقتصاديا وعسكريا، وفى ظل هذه الظروف والتغيرات لا يمكن إغفال التهديدات المتزايدة لتنظيم داعش الإرهابى للدول الأوروبية وخاصة بعد هجومه على قاعة موسيقية فى موسكو.
أما فى العراق وسوريا، فإن الولايات المتحدة تحافظ على وجودها وقواعدها العسكرية التى تحمى بها حليفتها الأهم إسرائيل حيث استخدمت وجودها فى المنطقة لصد الطائرات المسيرة التى أطلقتها إيران باتجاه دولة الاحتلال، أيضا استخدمت قوتها لردع بعض التنظيمات الموالية لإيران فى العراق وسوريا، وشنت ضدها غارات على الأراضى العراقية.
وهو ما اعتبرته الحكومة العراقية خرقا لسيادتها، وجددت مطالبها بمغادرة قوات التحالف الدولى لأراضى العراق، وألحت على ذلك، ما جعل التحالف الدولى يعلن أنه ذاهب مع العراق لتطوير شكل العلاقة بعد الاشتراك فى هزيمة تنظيم داعش جغرافيا.
شكل العلاقة الذى تريده بغداد وكما عبرت عنه الحكومة العراقية هو الاتجاه لتكوين علاقات استراتيجية وثنائية مع دول التحالف الدولى مع إنهاء وجود دور التحالف الذى تقوده أمريكا، لذلك فإن التحالف لفت إلى أنه فى أغسطس٢٠٢٣ بدأت هذه العملية، وجرى تشكيل اللجنة العسكرية العليا للإشراف على عملية الانتقال إلى علاقات ثنائية واسعة النطاق مع الدول الأعضاء.
فى الوقت نفسه؛ تراعى الأطراف ٣ عوامل رئيسية، يجرى أخذها فى الاعتبار: التهديد من داعش، الواقع الإقليمى بشكل عام، قدرات قوات الأمن العراقية. مستكملا، أنه فى منتصف أبريل الماضى ناقش رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى والرئيس الأمريكى جو بايدن التطور الطبيعى للتحالف الدولى فى ضوء التقدم الكبير الذى جرى إحرازه، وأكد الزعيمان أن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب ستتحول بطريقة منظمة.