احتفلت جمعية النهضة العلمية والثقافية على مدار اليومين الماضيين بحدثين غاية في الأهمية، الأول هو افتتاح مسرح ستديو ناصيبيان بعد الحريق الذي دمره منذ ما يقرب من عامين والحدث الثاني، والذي يُعد الحدث الأهم والأكبر هو الذكرى الأولى للأب وليم سيدهم اليسوعي، مؤسس جمعية النهضة العلمية والثقافية ومُلهمها، وهو الأب الروحي لأعضاء الجمعية ولأغلب روادها، فعلى مدار خمس وعشرين عامًا، وهو الاحتفال الثالث للجمعية، آثر الأب وليم أن تكون الجمعية مساحة حرة للمُهمشين، والذين ليس لهم مكان على الأرض ليتعلموا الفن أو ينشروا فنهم.
قدم الأب وليم كل الإمكانات المتاحة لهؤلاء الشباب كي يجدوا موطئ قدم لهم، كان لهم بمثابة الأب والصديق والداعم والمُشجع وجمهورهم الأول وناقدهم الصادق، فالأب وليم كان يحمل مشعل الفن والثقافة، وكان يعتبرهم مقياس تطور الشعوب ونمو وعيهم وإدراكهم، وبالرغم من فارق السن، لكنه كان الصديق الأقرب للجميع، لما يمتلكه من موهبة أعطاها الله له وهي القبول والكاريزما ومحبة الناس، بعد أن عاش في فرنسا ودرس في جامعة السوربون قرر أن يرجع إلى بلاده ويعيش وسط الفقراء كي يشعر بما يشعرون ويحاول أن يساعدهم قدر المستطاع، وجد أنه برغم الفرصة المتاحة له بعدم دخول الخدمة العسكرية؛ لأنه "رجل دين"، إلا أنه أصر على دخول الجيش والقيام بواجبه نحو البلاد.
استطاع أن يصل إلى قلوب كل من يقابله فجذوره الصعيدية أعطته موهبة التعامل مع جميع الناس وكل أنماط الشخصيات المختلفة، فحياة الأب وليم مليئة بالأحداث التي تستطيع أن تكّون شخصية كشخص الأب وليم، وهذا ما دفع الأب وليم مع كونه رجل دين أن يكون وسط الناس كل الناس لا فئة معينة ولم يميز شخصا عن شخص؛ فكان رحمه الله لديه قلب يسع الجميع، فتجد الشباب والكبار، الذكور والإناث، مسلمين ومسيحيين، سياسيين وفنانين؛ لذا تجد دائرة علاقاته مختلفة الأنماط كان له فلسفة خاصة، وكان يستطيع أن يقنعك بها، حمل الأب وليم سراج التنوير، فهو رائد في لاهوت التحرير الذي طالما عاشه وعلمه ومارسه بكل تواضع، فكثير من كان يقابله كان يندهش من ملابسه البسيطة التى لا تعبر عن قيمته وقامته، ولكن ما كان يشغله أكثر بكثير من هذه المظاهر.
حينما احترق المسرح وكنا جميعًا في حالة من الحزن والإحباط واليأس، كان هو أول مشجع لنا بكلماته الحماسية "يلا زي ما بنيناه الأول هنبنيه تاني، بكرة كلنا هانبتدي ننضف المكان ونعيده أحسن من الأول" تشعر كأنه جندي مقاتل في ساحة المعركة يشجع جنوده ويحثهم على الاستمرار رغم الانكسار، فمسرح ستديو ناصيبيان له تاريخ عريق فهو تاني أكبر استديو في مصر بناه هرانت ناصيبيان وتركه بعد ثورة يوليو واُهمل وأصبح مرتعا للضالين والقمامة إلى أن اشترته الرهبنة اليسوعية وتبنى الأب الراحل نبيل غبريال أعادته ثم أسس الأب وليم جمعية النهضة العلمية والثقافية على أرض هذا الاستديو، فتاريخه في الأفلام حافل فقد صِور فيه العديد من الأفلام التي حفرت اسمها في تاريخ السينما المصرية كدعاء الكروان، أم العروسة، الحفيد وغيرها من الأفلام التي نشاهدها على مدار تاريخ السينما، احترق المسرح ولم يحترق حماس كل أعضاء جمعية النهضة والدافع هو إعادة بناء ما دمره الحريق وتشجيع الأب وليم سيدهم الشاهد على ما يقدمه هذا المسرح من مساحة فنية واسعة لآلاف الشباب سنويا، لذا لم يكن احتراقه سهلا فقد شغل هذا الحدث الرأي العام ما دفع وزيرة الثقافة آنذاك الفنانة إيناس عبد الدايم بزيارة مكان الحريق ودعم الجمعية معنويًا للشد من أزرنا كذلك مجموعة كبيرة من الفنانين مدحت العدل، المخرج عمر عبد العزيز وخالد جلال والفنان عمر خيرت وغيرهم من كانوا يدعون الجمعية في هذه الأزمة.
كان افتتاح المسرح من جديد هو هدية الرهبنة اليسوعية ممثلة في الرئيس الإقليمي الأب مايكل زاميط والأب جوزيف إسكندر، رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة لروح الأب وليم في ذكراه التي أحييناها أمس وتحدث فيها مجموعة من أبنائه، فقد تكلم الأب ماريو بولس اليسوعي، مدير مركز الجزويت الثقافي بالإسكندرية، وباسم عدلي الخبير التنموي، ويوسف رامز، المدير التنفيذي السابق لجمعية النهضة وكابتن طيار أحمد عبد المنصف أحد طلاب الأب وليم في مدرسة العائلة المقدسة، فضلا عن خريجي مدارس جمعية النهضة العلمية والثقافية من المدارس المختلفة، مدرسة ناس للمسرح الاجتماعي ومدرسة الرسوم المتحركة ومدرسة سينما جزويت القاهرة مع عرض فيلم عن حياة الأب وليم كان تم تسجيله معه قبل وفاته وحاوره الأستاذ سامح سامي، المدير التنفيذي الحالي لجمعية النهضة وأخرجه الفنان مصطفى الدالي، أحد خريجي مدرسة الرسوم المتحركة بالجمعية.